أكد المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وبعد مرور 48 ساعة على صدور قرار محكمة العدل الدولية الذي ألزم “إسرائيل” باتخاذ تدابير لمنع ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، “مواصلة جيش الاحتلال الإسرائيلي بذات الوتيرة قتل المدنيين وتهجيرهم قسرًا وتجويعهم”.
ووثّق الأورومتوسطي قتل جيش الاحتلال الإسرائيلي لأكثر 373 فلسطينيًّا، إضافة إلى أكثر من 643 إصابة، منذ صدور قرار المحكمة.
وأشار إلى أنّ “إسرائيل” تواصل تجاهل قرار المحكمة الأعلى في العالم، وانتهاك التزاماتها الدولية، بما في ذلك قواعد ومبادئ القانون الدولي، بإصرارها على الاستمرار في ارتكاب انتهاكات جسيمة ترقى لجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين.
وأوضح الأورمتوسطي أنّه إلى جانب عمليات القصف الإسرائيلي التي لا تتوقف، فإن “إسرائيل” تواصل هجومها على ما تبقى من النظام الصحي في غزة، وتحاصر المستشفيات التي بقيت تعمل جزئيًّا في خانيونس جنوبي قطاع غزة وتستهدفها بشكل مباشر، حيث يقترب كل من “مستشفى ناصر” الحكومي و”مستشفى الأمل” التابع للهلال الأحمر من التوقف التام نتيجة الحصار والاستهداف المتكرر.
ولفت إلى خزانات المياه في مجمع ناصر الطبي تعرضت للتلف والأعطال نتيجة الشظايا ونيران المسيرات الإسرائيلية، دون توفر إمكانية فعلية لإصلاح أي من الأضرار نتيجة الحصار والاستهداف. بالإضافة نفاد مخزون الأوكسجين الخاص بـ “مستشفى الأمل” بسبب حصار جيش الاحتلال الإسرائيلي للمستشفى، مع استمرار استهدافه ومحيطه.
وأصدرت محكمة العدل الدولية، الجمعة، قرارًا ملزمًا “لإسرائيل” باتخاذ كل التدابير المؤقتة والعاجلة لمنع ارتكاب جميع أفعال الإبادة الجماعية، في الدعوى التي رفعتها جمهورية جنوب أفريقيا ضد “إسرائيل” لانتهاكها التزاماتها بموجب اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها خلال شنّها لعدوانها ضد قطاع غزة وسكانه الفلسطينيين منذ السابع من تشرين أول/أكتوبر 2023.
وطالبت المحكمة “إسرائيل” باتخاذ تدابير فورية وفعّالة لتوفير الخدمات الأساسية الملحة وتقديم المساعدة الإنسانية بشكل عاجل للتصدي للظروف السيئة التي يواجهها الفلسطينيون في غزة، وكذلك اتخاذ تدابير فعّالة لمنع تدمير وضمان الحفاظ على الأدلة المتعلقة بادعاءات أفعال ذات علاقة بارتكاب جريمة الإبادة الجماعية.
وأكد الأورومتوسطي أن قوات جيش الاحتلال “لم تلتزم بتنفيذ أي من هذه التدابير”، حيث استمرت بعمليات القتل العمد واستهداف المدنيين على نحو واسع ودون ضرورة عسكرية.
وأضاف “كما استمرت في عملية التدمير المنهجي وواسع النطاق للأعيان المدنية، بما في ذلك المنازل والتجمعات السكنية والأحياء، ومناطق معينة شهدت جرائم مروعة لها، وهو ما يأتي في إطار تدمير الأدلة على اقتراف جريمة الإبادة الجماعية”.
وأشار المرصد الأورومتوسطي أنه خلال اليومين الماضيين دُفن المزيد من الشهداء والأموات في ساحة “مستشفى ناصر” في خانيونس لتعذر نقلهم إلى المقبرة التي تتمركز فيها قوات الاحتلال الإسرائيلي، مؤكدًا توثيقه ما لا يقل عن “أربعة مواقع دفن جماعية وعشوائية أخرى” في ساحات ومدارس وشوارع خانيونس.
وبيّن الأورومتوسطي أنّ “إسرائيل” ما تزال تتعمد عرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة بشكل عام، ووضع قيود أكثر تشددًا على دخولها إلى شمال غزة خاصة، حيث تتفاقم حالة المجاعة بعد 114 يومًا من بدء الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.
وقال إن المستوطنين عرقلوا خلال الأيام الماضية إدخال المساعدات الإنسانية عبر معبر “كرم أبو سالم” شرقي رفح، بموافقة من شرطة الاحتلال الإسرائيلية، بناءً على تعليمات من وزير الأمن القومي الإسرائيلي “إيتمار بن غفير”، مشيرًا إلى أن ذلك يزيد من عمق وتدهور الأزمة الإنسانية في القطاع.
وأكد المرصد أنّ عدد شاحنات المساعدات تراجعت إلى 87 شاحنة فقط خلال اليومين الماضيين مقارنة بالأيام السابقة، التي كانت تشهد ما معدله 100 شاحنة يوميًّا، وهو الذي كانت توجه له انتقادات لأنه لا يلبي سوى أقل من 10% من احتياجات السكان؛ ما يعكس الإصرار الإسرائيلي على انتهاك قرار محكمة العدل الدولية.
وأكد أنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي يواصل استهداف مئات الفلسطينيين خلال تجمعهم على شارع “صلاح الدين” جنوبي غزة لانتظار الشاحنات التي تحمل المساعدات، آخرهم كان بالأمس عندما قَتل ثلاثة مدنيين وأصيب آخرون.
كما أصيب عشرات النازحين في مركز إيواء مقام في مدرسة في حي الأمل بعد اشتعال النيران في الخيام جراء القصف الإسرائيلي، ولا يزال جيش الاحتلال الإسرائيلي يمنع الإسعافات وطواقم الإنقاذ من الوصول للمكان.
يأتي ذلك في وقت وثق الأورومتوسطي المعاناة الشديدة لآلاف السكان خلال نزوحهم القسري من مخيم خانيونس للاجئين ومناطق عدة أخرى في المحافظة إلى المناطق الساحلية الغربية منها، وسط أجواء ماطرة وباردة وإجراءات ترويع وتنكيل إسرائيلية، ودون توفر أي مأوى بديل أو آمن يفي بالحد الأدنى من الاحتياجات الإنسانية.
وأصدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أوامر إخلاء جديدة في عدد جديد من مناطق خانيونس، بمساحة إجمالية بأكثر من أربع كيلومترات مربعة، ونشر هذه الأوامر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، رغم الانقطاع المستمر للكهرباء والاتصالات وخدمات الانترنت في القطاع.
ويقدر عدد سكان المناطق المستهدفة بحوالي 90 ألف نسمة، بالإضافة إلى أكثر من 400 ألف نازح داخليًا يبحثون عن مأوى في 24 مدرسة ومركز إيواء، منها ثلاثة مستشفيات هي “مجمع ناصر” (475 سريرًا)، و”الأمل” (100 سرير)، والمستشفى الأردني (50 سريرًا)، وهو ما يمثل حوالي 20 بالمائة من المستشفيات المتبقية التي تعمل جزئيًا في جميع أنحاء قطاع غزة، إلى جانب ثلاث عيادات صحية.
وفي أعقاب القصف الإسرائيلي المكثف على خانيونس والمنطقة الوسطى من قطاع غزة في الأيام الأخيرة، بالإضافة إلى أوامر الإخلاء العسكرية الإسرائيلية الجديدة، انتقل آلاف جدد من النازحين قسرًا إلى مدينة رفح أقصى جنوب القطاع.
واستمر جيش الاحتلال الإسرائيلي في تدمير مربعات سكنية كاملة مع تعذر حصر دقيق لهذا التدمير، إلى جانب تدمير جميع المباني بعمق يتراوح بين 1000 – 1500 متر من السياج الحدودي شرق قطاع غزة، بهدف إقامة منطقة عازلة تقتطع أكثر من 15% من مساحة قطاع غزة.
ورصد فريق الأورومتوسطي إقامة قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي نقطة تفتيش أمنية على شارع “البحر” غربي مخيم خانيونس جنوبي القطاع، بعد أن أغلقت جميع الشوارع الفرعية التي كان يسلكها السكان خلال الأيام الماضية للنزوح من المخيم.
و أشار إلى استمرار التصريحات الإسرائيلية التي تعكس النوايا لاستمرار ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. فقد صرح رئيس وزراء حكومة الاحتلال “بنيامين نتنياهو”، يوم أمس السبت أن “محكمة العدل الدولية لم تتخذ قرارًا بوقف الحرب ونحن نواصل العمل بحسب مصالحنا.”
فيما قال وزير المالية في حكومة الاحتلال “بتسلئيل سموتريش”: “ستشكل حكومة عسكرية في غزة وستكون مسؤولة عن القضايا المدنية.”
وشدد المرصد الأورومتوسطي على أنّ هذه التطورات “تتطلب من المجتمع الدولي الإسراع في اتخاذ قرار تنفيذي ملزم لقرار محكمة العدل الدولية”، والعمل على وقف إطلاق نار فوري، وضمان حماية المدنيين وعودتهم إلى منازلهم، وتكثيف العمل من قبل المؤسسات الدولية والأممية لمراقبة ورصد وتوثيق انتهاكات إسرائيل لقرار المحكمة، والإبلاغ عن تلك الانتهاكات ونشرها على أوسع نطاق، حتى يتسنى لجمهورية جنوب أفريقيا والدول الداعمة للدعوى من تقديم تقرير مفصل ومدعم بالأدلة حول الانتهاكات الجسيمة واسعة النطاق التي ما تزال تُرتكب ضد المدنيين.
وشدد على أن قرار محكمة العدل الصادر للتو بشأن وجود “شك معقول” بأن “إسرائيل” تنتهك التزاماتها المترتبة على عاتقها كدولة طرف في اتفاقية منع الإبادة الجماعية، والممارسات الحاصلة على الأرض “تتطلب ضغطًا دوليًّا حاسمًا وفوريًّا بكافة الأشكال لوقف الجرائم المستمرة بحق المدنيين الفلسطينيين”، وحمايتهم من خطر الإبادة الجماعية.