إسماعيل ياشا .. يبحث الدوافع التركية في إعادة النظر بملف اللاجئين
أعلنت الحكومة التركية في الآونة الأخيرة مزيدا من التدابير والقرارات لمكافحة الهجرة غير الشرعية، بعد أن كثفت المعارضة حملاتها لإثارة الشارع التركي ضد اللاجئين، وتأجيج المشاعر العنصرية، بهدف الحصول على مكاسب سياسية من خلال خلق قناعة لدى الناخبين بأن الحكومة لا تهتم بهموم المواطنين بقدر اهتمامها بشؤون اللاجئين، وأنها حولت البلاد إلى ملجأ لكل من هب ودب.
أنقرة تبنت سياسة “الأبواب المفتوحة” بعد اندلاع الثورة في سوريا، ونزوح عدد كبير من السوريين الهاربين من البراميل المتفجرة نحو الأراضي التركية، إلا أنها أدركت فيما بعد أن هذه السياسة تحمل في طياتها مخاطر عديدة على السلم الأهلي في البلاد، في ظل تحريض المعارضة الشارع التركي ضد اللاجئين، كما أن هناك سياسيين وإعلاميين معارضين للحكومة لا همّ لهم غير بث الإشاعات والأنباء الكاذبة وتضخيم الأحداث لإثارة الفتنة بين المواطنين الأتراك واللاجئين السوريين أو الأفغان. ويزعم أحدهم أن وجود أعداد كبيرة من اللاجئين سيؤدي إلى حرب أهلية في البلاد.
تركيا عانت كثيرا من محاولات إثارة الفتنة والصدام بين الأتراك والأكراد من جهة، وبين العلويين والسنة من جهة أخرى. ويمكن القول الآن بأن القوى المعادية لتركيا وجدت نقطة ضعف أخرى يمكن من خلالها ضرب أمنها واستقرارها، وهي وجود عدد كبير من اللاجئين، في مقابل شريحة عنصرية ترفض استضافة اللاجئين في البلاد. ويمكن أن تغير تلك الشريحة رغم قلة نسبتها المعادلة السياسية إن تم استغلالها بشكل مدروس.
ويرى كثير من المحللين أن طريقة تعامل الحكومة مع ملف اللاجئين واستغلال المعارضة لمشاعر العنصريين المنزعجين من تدفق اللاجئين إلى تركيا؛ كان من أهم أسباب فوز مرشحي المعارضة في الانتخابات المحلية الأخيرة في بعض المدن، على رأسها إسطنبول والعاصمة أنقرة.
سيطرة حركة طالبان على أفغانستان بالتزامن مع انسحاب القوات الأمريكية لفتت الأنظار إلى موجة الهروب منها نحو الدول الغربية جوا وبرا، وشاهد العالم ما حدث في مطار كابول خلال محاولة الراغبين في الهروب للحصول على مكان لهم على متن طائرات الشحن العسكرية المغادرة للبلاد. وفي ظل هذه التطورات، ادَّعت المعارضة التركية بأن الحكومة أبرمت صفقة مع الإدارة الأمريكية لاستضافة نسبة كبيرة من اللاجئين الأفغان في الأراضي التركية، إلا أن الحكومة نفت ذلك جملة وتفصيلا، كما أن وسائل الإعلام المعارضة بدأت تنشر صور مهاجرين أفغان غير شرعيين تسللوا إلى البلاد عبر الحدود التركية الإيرانية، الأمر الذي أثار لدى المواطنين مخاوف من موجة لجوء جديدة تأتي هذه المرة من الشرق.
تعامل الاتحاد الأوروبي مع ملف اللاجئين من ناحية، وتعامل إيران مع ذات الملف من ناحية أخرى، أدَّيا إلى تفاقم أزمة اللاجئين في تركيا. وأغلقت دول الاتحاد الأوروبي حدودها في وجه اللاجئين، فيما شرعت السلطات الإيرانية في تسهيل انتقال المهاجرين الأفغان من حدود أفغانستان إلى حدود تركيا، لتقع هذه الأخيرة بين تدفق المهاجرين غير الشرعيين في الشرق والأبواب المغلقة في الغرب، وترتفع عليها الضغوط بسبب ارتفاع عدد اللاجئين إلى مستويات لا يمكن تحملها.
الولايات المتحدة والدول الأوروبية مسؤولة بالدرجة الأولى عن تدمير كثير من البلدان التي يهرب منها الناس، كأفغانستان، إلا أن تلك الدول لا ترغب في استقبال اللاجئين من تلك البلدان، باستثناء عدد يسير منهم، وترى أن دولا أخرى، مثل تركيا، يمكن أن تستضيفهم في مقابل مساعدات مالية. إلا أن أنقرة تنتقد هذه النظرة بشدة، كما ترفض اعتبار تركيا كـ”مستودع للاجئين”، بل تطالب الدول الغربية بتحمل مسؤوليتها تجاه من دمرت بلادهم، وفتح حدودها لاستقبالهم في أراضيها.
تركيا مقبلة على انتخابات رئاسية وبرلمانية في غاية الأهمية. ومن المتوقع أن تستمر المعارضة في تأجيج مشاعر العنصرية، وتحريض الشارع ضد اللاجئين. وبسبب هذا التحريض قد تحدث مشاكل لا تحمد عقباها، كما حدثت في أنقرة قبل فترة.
ولذلك، كان على الحكومة أن تعيد النظر في ملف اللاجئين، من خلال اتخاذ التدابير اللازمة لمنع الفلتان، وضبط الحدود ومراقبتها، وإعادة المتسللين إلى بلادهم، كي لا تستغل المعارضة هذا الملف لإثارة الفتنة بين المواطنين واللاجئين لأغراض سياسية. وفي هذا الإطار، تم بناء جدار مزوَّد بالكاميرات وأجهزة المراقبة الحديثة على طول الحدود الإيرانية، لمنع تسلل المهاجرين غير الشرعيين، كما اتخذت قرارات حازمة؛ كإعادة اللاجئين السوريين إلى المدن التي تم تسجيلهم فيها، وإرسال اللاجئين غير المسجلين إلى مخيمات في المناطق المحررة. ومن المتوقع أن تسهم هذه التدابير في حماية اللاجئين السوريين المسجلين من تحريض المعارضة، وأن تؤدي إلى تقليل الضغوط على الحكومة في ملف اللاجئين.