إسماعيل ياشا يكتب حرائق تركيا بين الظواهر الطبيعية ونظرية المؤامرة

تكافح السلطات التركية منذ أكثر من أسبوع لإخماد حرائق الغابات التي اشتعلت في أماكن مختلفة في البلاد، والتهمت نيرانها الأخضر واليابس في مساحات واسعة، في ظل أسئلة تطرح نفسها حول أسباب الحرائق، وطريقة تعاطي المعارضة مع الكارثة، وأهداف الحملة التي أطلقت في مواقع التواصل الاجتماعي للمطالبة بمساعدة دولية لإخماد الحرائق.

هناك أسباب عديدة لاشتعال الحرائق في الغابات. وقد يكون السبب مجرد ارتفاع درجات الحرارة لمستويات قياسية في أشهر الصيف، أو إهمال أشخاص في الالتزام بقواعد التخييم والتنزه في الغابات، كما يمكن أن تقف وراءه أيادٍ آثمة كعناصر التنظيمات الإرهابية. وما زاد الشكوك في هذا السبب الأخير اشتعال عشرات الحرائق في مناطق مختلفة في آن واحد، وقيام حزب العمال الكردستاني بمثل هذه الأعمال في السنوات الماضية، بالإضافة إلى التصريحات السابقة التي دعا فيها قادة المنظمة الإرهابية أنصارها إلى إشعال حرائق في غابات تركيا، رد على العمليات العسكرية التي يقوم بها الجيش التركي، وإعلان مجموعة “أبناء النار” التابعة لحزب العمال الكردستاني مسؤوليتها عن افتعال الكارثة.

قوات الأمن التركية ألقت القبض على أشخاص حاولوا افتعال حرائق في مناطق قريبة من ثكنات عسكرية. وبدأت السلطات التركية في التحقيق لكشف أسباب حرائق الغابات، كما توعد رئيس الجمهورية التركي رجب طيب أردوغان بمعاقبة المتورطين في إشعال الحرائق، مشيرا إلى احتمال وقوف المنظمة الإرهابية وراء الكارثة. وإن اتضح أن حرائق الغابات في المناطق السياحية مفتعلة تقف وراءها المنظمة الإرهابية فإنها عملية إرهابية تستهدف الاقتصاد التركي بالدرجة الأولى، إلا أن هناك مؤشرات تشير إلى أن المؤامرة أكبر من مجرد حرائق الغابات. 

ومما يزيد الشبهات ما ذكره أحد الإعلاميين قبل أشهر حيث قال إنه من الضروري وقوع كوارث كبيرة في البلاد لإسقاط الحكومة مثل حرائق الغابات، كما أن موقف المعارضة من الكارثة يشير إلى أنها مهتمة باستغلالها وتوظيفها سياسيا أكثر من اهتمامها بإخماد الحرائق.

طواقم الإطفاء تواصل جهودها برا وجوا منذ أيام لاحتواء حرائق الغابات. وأعلن وزير الزراعة والغابات التركي بكير باكدميرلي إخماد معظم الحرائق. ولا بد أن تتخذ قوات الأمن والاستخبارات التركية التدابير اللازمة لإفشال محاولات افتعال الحرائق في الغابات، إلا أن تلك التدابير الأمنية لن تكون كافية، في ظل التغيرات المناخية التي أدَّت إلى ازدياد عدد حرائق الغابات في العالم. 

وبالتالي، يجب على الحكومة التركية أن تعيد النظر في تدابير حماية الغابات من الحرائق، لتتخذ تدابير جديدة تتوافق مع متطلبات التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة، مثل مراقبة الغابات عن كثب، وحظر الدخول إليها في بعض المواسم، وتدريب سكان المناطق وسلطاتها المحلية على سرعة التحرك لاحتواء الحرائق وإخمادها قبل أن تتوسع رقعتها، وتزويدهم بكافة الوسائل اللازمة للقيام بهذه المهمة.

تركيا استنفرت جميع طاقاتها لإخماد حرائق الغابات، كما وصلت إليها فرق الإطفاء من دول صديقة للمشاركة في جهود مكافحة الكارثة. ومن الطبيعي أن تشارك دول أخرى في مثل هذه الجهود، كما ترسل تركيا فرق إطفائها إلى الخارج للقيام بذات المهمة. ومن المأمول أن يتم إخماد كافة الحرائق خلال أيام، إلا أن هناك حريقا من نوع آخر وأكثر فتكا يجب إخماده هو الآخر قبل أن تحرق ناره المجتمع التركي.

المعارضة التركية منذ اندلاع الحرائق في الغابات تسعى إلى استغلال الكارثة لتأليب الشارع التركي ضد الحكومة، بدلا من التضامن مع أسر الضحايا والمتضررين، ودعم فرق الإطفاء التي تصل الليل بالنهار لإخماد الحرائق. والأخطر في الأمر هو أن ما تقوم به المعارضة يوحي بأنها كانت على علم قبل افتعال الحرائق، وأن هناك خطة مدروسة تم إعدادها لاستغلال الكارثة وإثارة الفوضى من خلال بث شائعات وأنباء كاذبة عن الحرائق وجهود الإطفاء.

كانت هناك حملة في موقع تويتر ليلة الاثنين تدعو إلى التدخل في تركيا لإخماد حرائق الغابات، وتصوِّر تركيا كــ”دولة فاشلة” عجزت عن احتواء الكارثة. وتشير صحيفة يني شفق التركية أن أكثر من 2.5 مليون تغريدة نشرت خلال ساعات تحت وسم “ساعدوا تركيا”، وأن حوالي مليونين منها تم نشرها في حسابات وهمية. وشارك في الحملة معارضون أتراك من سياسيين وإعلاميين وفنانين، ليعكسوا في تلك التغريدات حالتهم الروحية، بعد أن قطعوا آمالهم عن إسقاط الحكومة المنتخبة عبر صناديق الاقتراع أو انقلاب عسكري، وبلغ بهم الحقد والكراهية إلى دعوة دول أخرى، على رأسها الولايات المتحدة، للتدخل في تركيا. ويسعى هؤلاء إلى افتعال حرائق في المجتمع التركي ليصلوا إلى أهدافهم ولو عن طريق حرب أهلية.

Exit mobile version