محمد آجات
يبدو أن الأخبار التي تشير إلى أن 6 من أحزاب المعارضة في تركيا تعمل فيما بينها بشكل مشترك من أجل الانتقال إلى النظام البرلماني، تكتسب جدية أكبر
لكن دعونا نسأل في البداية، هل هذا السعي الحثيث من قبل هذه الأحزاب المعارضة للعودة إلى النظام البرلماني نابع عن اعتقادها حقًا بأنه النموذج الذي سينقذ تركيا؟ أم أن هذه الأحزاب تركز كل طاقاتها على هذه القضية لأنها سقف مثالي يجمع بدوره تحته جميع هذه الأحزاب المتباينة والمختلفة أصلًا فيما بينها، وتشكيل كتلة بنسبة يمكنها تحقيق 50% للتغلب على العدالة والتنمية؟
أعتقد أن الجواب موجود في صلب السؤال ذاته.
تحاول هذه الأحزاب الستة التستر على الخلافات العميقة فيما بينها من خلال الإشارة إلى أن النظام الرئاسي المقرّر من قبل الشعب هو سبب كل الأزمات والمصائب، وأن النظام البرلماني الذي هو القاسم المشترك الوحيد بين هذه الأحزاب، هو مصدر الحلول.
على سبيل المثال، من أجل جمع حزبين يعتبران على طرفي نقيض مثل حزب “الجيد” و”الشعوب الديمقراطي، لا بد من وضع هدف مشترك فيما بينهما من شأنه أن يغطي على الفجوة الكبير بين حزبين مهمين في المعارضة. والهدف المشترك هنا هو النظام البرلماني، حينما نجد الحزبين يدعوان لنظام برلماني نعلم كيف يتم التستر على الخلافات الأساسية إذن.
ولذا فإن النظام البرلماني بات بمثابة شمّاعة لا بد بد منها لتحالف الشعب المعارض.
وهذا هو السبب الرئيسي في عدم قبول المعارضة لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان للعمل بشكل مشترك من أجل وضع دستور جديد، العام الماضي.
لو قامت المعارضة بتلبية ذلك النداء آنذاك، لما كنت اليوم مضطرة للفت الانتباه حولها بهذه الطريقة. لكن من الواضح أن احزاب المعارضة ترغب في تعديل دستوري لا يخاطب المجتمع كله، بل يخاطب نصفه على أكثر تقدير، دون الاكتراث بمدى ديمقراطية هذا الدستور أو شموليته.
من المعلوم والملاحظ أن حزب العدالة والتنمية في ظل إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يولي أهمية بالغة لقياس نبض المجتمع والرأي العام، بشكل منتظم، من خلال استطلاعات الرأي التي يقوم بها.
ويقوم الحزب بإجراء العديد من استطلاعات الرأي لا استطلاع واحد فحسب، ثم يقف عندها جميعًا ويحلل نتائجها.
لا شك أن استطلاعات الرأي في نظام الـ50% تعتبر عنصرًا هامًّا، لأن نسبة 50% ليست عتبة سهلة في نهاية المطاف.
هناك كتلة معتبرة في تركيا يمكنها تغيير شكل اللعبة من انتخابات لأخرى، وبمعنى نتحدث عن كتلة تعطي صوتها لمن يستحق بالفعل. ولا شك أن هذه الكتلة ستلعب دورها في الانتخابات القادمة.
لا يوجد مثال آخر على تجربة العدالة والتنمية في هذا الصدد ضمن تاريخنا السياسي صاحب التعددية الحزبية.
لا يمكن التفكير إطلاقًا بأن انتخابات 2023 ستكون سهلة أكثر من الانتخابات السابقة بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، بكل تجربته التي ستكون أتمت عامها العشرين بكل ما فيها من إيجابيات وتراكمات وأعباء.
لكن على الرغم من ذلك فإن بعض شركات استطلاع الرأي المسيسة والمحسوبة على المعارضة تتصرف بشكل غير عقلاني عبر محاولة إعطاء انطباع ما.
أذكر جيدًا قبيل انتخابات يونيو/حزيران 2015، حينما كانت على متن طائرة كمال كليجدار أوغلو رئيس حزب الشعب الجمهوري، حينما كان متوجهًا إلى حشد لأنصاره في طرابزون وكرابوك، في ذلك الوقت قال كليجدار أوغلو أن “استطلاعات الرأي التي قامت بها شركات أمريكية لصالحنا أشارت إلى ان أصوات حزبنا بلغت 35%”، لكن بعد أسبوعين فقط من هذا التصريح، وجدنا على أرض الواقع أن أصوات الشعب الجمهوري لم تتجاوز 25.98%.
والآن اسمحوا لي أن أنقل نتائج آخر 4 استطلاعات رأي أجراها العدالة والتنمية.
وفقًا لهذه الاستطلاعات الأربعة:
العدالة والتنمية: حاز على 37 إلى 39%.
الشعب الجمهوري: 23 إلى 25%.
حزب الجيد: 11 إلى 13%.
أما حزب الشعوب الديمقراطي فقد حاز على 9 إلى 11%، مقابل 7 إلى 9% لحزب الحركة القومية.
وفقًا لهذه البيانات، فلو حصل انتخابات الأحد القادم فسنكون أمام جو تنافسي خطير، وسيكون هناك وضع غير مسبوق في كيفية توزع المقاعد ضمن مجلس البرلمان.
أما بالنسبة لنتائج استطلاعات الرأي فيما يتعلق بالانتخابات الرئاسية؛ فعند سؤال كل 100 شخص على أساس إجمالي الناخبين واختلافهم، فإن 40% يختارون الرئيس أردوغان.
ووفقًا للاستطلاعات ذاتها، فإن منصور ياواش رئيس بلدية أنقرة يأتي في المرتبة الثانية بنسبة 13%، يليه مرشحون آخرون أو أسماء أخرى.
يمكن من خلال هذه النتائج إذن فهم ضرورة التحالف الذي تريد أن تجتمع عليه أحزاب المعارضة.
ولذلك نقول بأن الدافع الأساسي لتوحيد أحزاب المعارضة عبر وضع قاسم مشترك هو النظام البرلماني، إنما هو نابع عن ضرورة لا مفر منها لهذه الأحزاب من أجل الفوز في الانتخابات وتغيير الحكم، لا من أجل اقتناعها بالنظام البرلماني.