أنس ابراهيم
يروى أن حصن بن حذيفة بن بدر كان سيداً في قومه وهو من غطفان، رقد على فراش الموت على إثر طعنة تلقاها من عدو له، فجمع ولدَهُ وكانوا عشرةً، فقال:الموت أروح مما أنا فيه، فأيكم يُطيعني؟ قالوا:كلنا، فبدأ بالأكبر وقال له: خذ سيفي هذا فضعه على صدري ثم اتكيء عليه حتى يخرج من ظهري، فرفض قائلاً: وهل يقتل الرجل أباه، فعرض الأمر على أولاده واحداً واحداً فأبوا إلا ولده عيينةَ الذي قال:يا أبتِ أليس لك فيما تأمرني راحةً وهوىً؟ ولك فيه مني طاعةً؟ قال:بلى، قال عيينة:فمرني كيف أصنع؟قال:ألقِ السيف يابني، فإني أردت أن أبلوَكم فأعرف أطوعكم لي في حياتي فهو أطوع لي بعد مماتي، فاذهب فأنت سيد ولدي من بعدي ولك رياستي، فجمع قبيلته فأعلمهم بذلك.
وكان لخسة عيينة وقلة وفائه وتبلد مشاعره أن أصبح سيدَ قومه رغم حمقه الذي ورثه عن أبيه كرياسته، لكن هذا الأحمق كان يتحرك له عشرة آلاف سيف رهن إشارته لا يسألونه فيم وإلى أين، وقد أثبت وصفه سيد الخلق والمرسلين محمد بن عبد الله حيث قال عنه ” الأحمقُ المطاع”.
ومنذ ذلك الزمن حتى يومنا هذا وأمثال عيينة يتكاثرون ويتناسلون بمرتبة زعيم ووزير وملك ورئيس، ويتربع على عرش فصيلة عيينة من الحمقى المطاعين الرئيس الأمريكي الظاهرة دونالد ترمب، يتبعه ويطيعه حمقى لهم أتباعا من الحمقى وأموال وجيوش واساطيل.
ولا حاجة لذكر أدلة أنه مطاع أو حتى أنه أحمق بل معتوه، ولكن يتسع المجال للإشارة أن استطلاعاً للرأي أجرته جامعة كوينيبياك الأمريكية بعد فترة وجيزة من انتخاب ترمب رئيساً وتقييم تصرفاته، أظهر أن أبرز الصفات التي تتبادر إلى أذهان الأمريكيين عند الحديث عن ترمب بالترتيب هي “معتوه،عاجز،كاذب” ويليها قائد.
هذا القائد المعتوه أو الأحمق المطاع ليس حاكماً لبلد مغمور ولا أميراً لجزيرة أوشبه جزيرة، بل يتربع على عرش أعتى قوة عالمية ويحكم العالم بعقلية الإمبراطور الذي يجبي الضرائب والجزيات، ويهدد ويتوعد ويُذكي الصراعات ويعد شعبه بالتقدم والتطور والازدهار، وهو أيضاً يحاول الظهور كقيصر ونابليون لكن بثيابٍ ليبرالية ديمقراطية، يحكم العالم ويتوسع ويتسيد دون كوارث أو حروب وضحايا على الأقل فيما يظهر لنا حتى الآن، بل يختال بسياسته البهلوانية واستعراضه الأبله لا يأبه بعرفٍ ولا قيمةٍ ولا مبدأ.
لم يكن ترمب ليعني لنا الكثير لو أنه استأثر غيرنا بعتهه وبهلوانيته وعنجهيته، إلا أنه وجد ضالته وطريقه لتحقيق أحلامه في شرقنا الأوسط الملتهب،فالمال وفير وأحفاد عيينة يملكون منه الكثير ولا زالوا يتكاثرون ويأمرون فيُطاعون.
هذه الظروف جَرّأت ترمب لطرح مؤامرةٍ تُرضي غروره وتُشبع أطماعه وتُسطّرُ أمجاده وتَعد صديقه نتنياهو الذي يقود وعصابته لوبيات الضغط الصهيونية التي أفرزت ترمب رئيساً، وغَلّف هذه المؤامرة بإسم(صفقة القرن) ليعطيها صفة الاتفاق بين طرفين.
جمع ترمب خلفه الحلفاء من الحمقى في المنطقة، وحيّد المجتمع الدولي ترهيباً وترغيباً بالتسويات والاتفاقيات، وعقد الصفقات الكبرى مع الدب الروسي العدو التقليدي والمنافس البراجماتي، عبر وساطات نتنياهو لحل القضية السورية وقضية جزيرة القُرم وما خفي أعظم.
باختصار يسعى ترمب من خلال هذه المؤامرة(صفقة القرن) لتثبيت أركان الكيان القزم المسمى “اسرائيل” عبر الإعتراف بالقدس الشريف عاصمة للكيان، كما الإعتراف له بالجولان، وضم أراضي من الضفة الغربية، واسقاط حق العودة واللاجئين، مع دويلة فلسطينية منزوعة السلاح والسيادة فيها استثمارات تنمي ازدهار “اسرائيل” وأبقى الخيار مفتوحاً أمام سلطة أوسلو للقبول أو الاستبدال، كما يعمل على إضفاء الشرعية والقبول للكيان في المنطقة عبر موجات التطبيع، وتحويل القضية الفلسطينية إلى قضية إقتصادية إنسانية تنتظر عطف ترمب وكوشنير، وطمس شكلها القانوني والحقوقي والسياسي.
ويسعى ترمب ضمن مؤامرته لربط مصير الأنظمة العربية ببقاء “اسرائيل” كأحد عوامل استمرارها وثبات أركانها عبر تعطيل أي مسار ديمقراطي يُلقي بحكامِ هذه الأنظمة للمجهول،ولهذا تجدُهم يُغدقون على ترمب من أموالنا ويمولون صفاقته وصفقاته.
رغم أن الحقيقة الموضوعية تقول أن “اسرائيل” أضأل من أن تكون خصماً للعرب إلا أن بؤس الأنظمة وخلو المنطقة من القادة الكبار الأوفياء أوصلنا لهذه المرحلة من البؤس والضعف، ولن يُعيد ميزان القوى في المنطقة ويُعيد للأمة عزتها وكرامتها وأرضها المسلوبة إلا غضبة شعبية مُوحدة على موقف مبدئي رصين تصطف فيه الأمة خلف المقاومة الفلسطينية بكافة أشكالها في مقارعة المحتل، وتشكل قوى ضغط نخبوية ونقابية وعمالية على شكل مقاومة شعبية ترفض المحتل والأحمق الأمريكي وتبني صخرةً شاهقةً تتحطم عليها أحلام ترمب والكيان المسخ وحمقى العُرب .