الأردن وحماس.. تقارب “محتمل” تفرضه مواجهة دولة الاحتلال

تشير معطيات معادلة المواجهة على أرض فلسطين إلى احتمال حدوث تقارب بين الأردن وحركة حماس، التي أتثبت نفسها بقوة في المواجهة الأخيرة مع إسرائيل، مقابل حرص عماّن على حماية أدوراها تجاه القضية الفلسطينية.


وخلال مؤتمر صحافي مع نظيره المصري سامح شكري بالعاصمة عمّان، أواخر مايو/ أيار الماضي، أعلنها وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي صراحة، حيث أكد تواصل المملكة مع “حماس”، مشددا على أن هدف عمان هو “حماية الفلسطينيين”.


لكن حديث عاهل الأردن، الملك عبد الله الثاني، قبل أيام، عن مؤامرة تحاك ضد الأردن والقضية الفلسطينية يؤكد أن ثمة محاولات من أطراف خارجية لتحييد دور المملكة إزاء قضية تعتبرها جزءا منها، وهي القضية الفلسطينية.


ويعني هذا الوضع أن عمّان ستستخدم كل الأوراق لحماية دورها التاريخي، وتعد “حماس” إحدى أبرز هذه الأوراق، باعتبارها أصبحت لاعبا رئيسيا، لاسيما بعد مواجهة عسكرية مع الاحتلال الإسرائيلي، استمرت 11 يوما، وانتهت بوقف لإطلاق النار، فجر 21 مايو/ أيار الماضي.


والثلاثاء، قال الملك عبد الله، خلال لقائه بشخصيات سياسية، إن “هناك مؤامرة (لم يحدد طبيعتها) كانت تُحاك لإضعاف الدولة الأردنية والقضية الفلسطينية، ولكن تمكنا من التصدي لها”.
وفضلا عن الحدود الجغرافية الممتدة بين البلدين، يرتبط الأردن وفلسطين بعلاقات ديموغرافية، وتعود نسبة كبيرة من سكان المملكة إلى أصول فلسطينية، إضافة إلى وجود نحو 2 مليون لاجئ داخل 10 مخيمات على أراضيها.


وجراء اعتداءات إسرائيلية “وحشية”، تفجرت الأوضاع، منذ 13 أبريل/ نيسان الماضي، في مدينة القدس المحتلة، ثم امتد التصعيد إلى الضفة الغربية المحتلة والمدن العربية داخل الخط الأخض ر1948، وتحول إلى مواجهة عسكرية بين جيش الاحتلال وفصائل المقاومة في قطاع غزة.


وبذل الأردن جهودا مكثفة لوقف العدوان الإسرائيلي، والذي أسفر عن 290 شهيدا، بينهم 69 طفلا و40 سيدة و17 مسنا، وأكثر من 8900 مصاب، مقابل مقتل 13 إسرائيليا وإصابة مئات، خلال رد الفصائل في غزة بإطلاق صواريخ على إسرائيل.


ووفق مراقبين، لن يتوانى الأردن عن التواصل مع جميع الأطراف الفلسطينية، خلال الفترة القادمة، لإفشال أي محاولة من إسرائيل أو غيرها لإقصاء أو تهميش دور المملكة في الساحة الفلسطينية.


وفي 1999، أغلق الأردن مكاتب “حماس” في عمان، بعد خمسة أعوام من توقيعه اتفاقية السلام مع إسرائيل عام 1994، وهو ما اعتبرته السلطة الفلسطينية حينها أنه جاء بطلب منها.

الدور الأردني
محمد الظهراوي، رئيس لجنة فلسطين بمجلس النواب الأردني، قال إن “القضية الفلسطينية هي جزء لا يتجزأ من الأردن”.
وتابع: “نحن معنيون بالحفاظ على دورنا للوصول إلى أهدافنا الأساسية، وهو تمكين الفلسطينيين من الحصول على حقوقهم المشروعة، بقيام دولتهم المستقلة وعاصمتها القدس، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي”.
وأضاف: “الحقيقة أن حماس كان لها دور واضح في العدوان الأخير، وهذا يدفعنا لإعادة النظر بشكل جدي لتحسين مستوى التواصل معها”.


وأردف: “يجب أن نكون على تماس مباشر مع كل الأطراف، خاصة مع محاولات إسرائيل المستمرة لإبعاد الأردن عن الملف؛ لأنها تعلم بأننا لدينا ثوابت لا يمكن أن نحيد عنها، وهذه الثوابت لا ترضي أطماعها”.
واستطرد: “هناك طرق كثيرة تسمح لنا بإبقاء تواصلنا مع حماس، ولا بد لنا من استمرارية التواصل مع كافة الأطراف؛ للحفاظ على المصالح الفلسطينية والدور الأردني”.

شيخوخة السلطة الفلسطينية
حسن أبو هنية، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، أعرب عن اعتقاده بأن “الحرب الأخيرة فرضت واقعا جديدا، سواء في فلسطين أو المنطقة، وبالتالي لم يعد ممكنا تجاوز حركة حماس في أي معالجة للقضية الفلسطينية”.


وأضاف: “منذ حقبة (الرئيس الأمريكي السابق) دونالد ترامب (2017-2021 )، هناك عملية تهميش للقضية الفلسطينية، وإقصاء شبه تام لحماس باعتبارها حركة إرهابية، وهذا أصبح في التصنيفات الدولية”.
وتابع: “رأينا أن دولا، كالأردن ومصر، لم تصنف حماس كحركة إرهابية، لكنها تعاملت معها عمليا كذلك، وأصبحت اتصالاتنا مع حماس شبه مقطوعة”.


واستدرك: “لكن على النقيض من العلاقة الممتازة تاريخيا بين الأردن وحماس حتى 1999، كان هذا (تدهور الاتصالات مع الحركة) خطأ استراتيجيا، فالأردن لا يتعامل إلا مع السلطة الفلسطينية، وهذا أفقد الدور الأردني كثيرا مما كان يتميز به على صعيد القضية الفلسطينية عبر تواصله مع جميع الأطراف”.
وأردف: “الواضح أن هناك على المستوى الدولي إعادة نظر في التعامل مع حماس، حتى من الولايات المتحدة، وهذا يعني أن هناك تغيرا في الموقف”.


وزاد بقوله: “كان يفترض أن يكون هناك دور أردني في الوساطة (بين إسرائيل وفصائل المقاومة الفلسطينية)، لكن الأردن أفقد نفسه هذا الدور، وأصبح لمصر ودول أخرى”.


وشدد على أن “الأردن يحتاج الآن إلى أن يغير مرة أخرى العلاقة مع القضية الفلسطينية ومع حماس”.
وأردف: “أنا غير متفائل، وهي أحاديث عامة ومطالب شعبية بدعم المقاومة، لكننا لم نشهد تواصلا رسميا بهذا الخصوص”.
وأعرب أبو هنية عن أمله أن تكون الأحاديث “مقدمة لعودة جزء من العلاقات مع حماس؛ لأنها مصلحة وطنية عليا للأردن، خاصة في وقت تعاني فيه السلطة الفلسطينية من شيخوخة وتآكل في دورها”.

الظروف لا تمنع من التواصل
أحمد سعيد نوفل، وهو خبير في الشأنين الفلسطيني والإسرائيلي، قال إن “الظروف التي كانت تمنع تواصل الحكومة الأردنية وحماس لم تعد قائمة؛ لأن ظروف العدوان على غزة فرضت معطيات جديدة، ما يفرض فتح صفحة جديدة مع حماس”.
وأرجع نوفل، وهو أستاذ للعلوم السياسية، ذلك إلى أسباب، وهي أن “حماس تمثل الشارع الفلسطيني والعربي، وهي التي فازت بالانتخابات التشريعية في 2006، لذلك فلا مبرر لعدم الحوار معها”.


واعتبر أن “صمود غزة، بقيادة حماس، زاد من الثقة، على أساس أنها تقوم لأول مرة من أجل القدس، والتي تحظى برعاية أردنية هاشمية، وهو ما يعني أنه نصرة لموقف عمان”.
ودائرة أوقاف القدس وشؤون المسجد الأقصى المبارك الأردنية هي الجهة المشرفة رسميا على المسجد الأقصى وأوقاف القدس الشرقية، بموجب القانون الدولي الذي يعد الأردن آخر سلطة محلية مشرفة على تلك المقدسات قبل احتلالها من جانب إسرائيل عام 1967.


ومضى قائلا إن “الحكومة الأردنية تدرك تماما أن حماس تحظى بشعبية وقبول لدى الشارع، خاصة في مستوى مقاومتها للعدوان الإسرائيلي، لذلك من الطبيعي أن يفتح الأردن علاقات مع حماس”.


ورأى أنه “في حال إجراء انتخابات رئاسية أو تشريعية، فهناك اعتقاد كبير بأن حماس ستفوز بها”.


وتساءل نوفل: “بعد كل ذلك ماذا ينتظر الأردن من عدم تواصله مع حماس، تمهيدا للنتائج المتوقعة وأيهما أفضل: التواصل مع من يملك زمام الأمور على أرض الواقع أم مع من لا يملك القرار”، في إشارة منه إلى فروقات الأدوار بين “حماس” والسلطة الفلسطينية.
وأردف أن “الدول الكبرى، أوروبا وأمريكا، بدأت بالسعي لفتح علاقات مع حماس، وهذا يوجب على الأردن أن يكون سباقا بحكم ارتباطه بالقضية الفلسطينية”.


وتطرق نوفل إلى موقف “حماس” المتطابق مع الأردن تجاه ما تُعرف بـصفقة القرن، ورفضها القاطع لها؛ لما لها من أثر على المملكة.
و”صفقة القرن” خطة أمريكية لتسوية سياسية طرحتها إدارة ترامب في 2020، وهي منحازة لإسرائيل ومجحفة بحقوق الشعب الفلسطيني.


وختم نوفل بأن “الأردن الرسمي عليه أن يتعاطى مع الموقف الشعبي المؤيد للمقاومة الفلسطينية التي تقودها حماس”، متمنيا بدء حوار يعيد العلاقات في أقرب وقت بين المملكة والحركة الفلسطينية.

Exit mobile version