لا تكاد تمر ليلة على الضفة الغربية المحتلة، بدون اقتحام واعتقالات ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين، في مسلسل مستمر من الترويع، حيث تباغت النائمين انفجارات هائلة، وخطوات صاخبة، وأصوات “قعقعة” أسلحة، وتحطيم أبواب خشبية.
عائلة التميمي في قرية “النبي صالح” وسط الضفة الغربية المحتلة استيقظت على هذه الأصوات، نحو 200 مرة منذ العام 2009، خلال اقتحام جيش الاحتلال منزلها بهدف اعتقال أحد أفرادها أو تفتيش المنزل بذرائع مختلفة.
وفي أحيان كثيرة كان يستيقظ بعض أفراد العائلة الفلسطينية ليجدوا قرابة 10 جنود من الاحتلال مدججين بمختلف أنواع الأسلحة، داخل غرف نومهم ويسلطون عليهم فوهات بنادقهم وأضواء كشافات ساطعة.
وعائلة باسم التميمي معروفة بمشاركة أفرادها المتواصلة في فعاليات المقاومة الشعبية الفلسطينية السلمية المناهضة للاستيطان الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة.
ذعر مستمر
ويقول رب الأسرة باسم التميمي (53 عاما) لـ”الأناضول”، إن “عمليات الدهم الليلية للمنازل الآمنة، حالات عقاب أكثر منها بحثا عن مطلوبين أو عمليات اعتقال”.
ويتعمد جيش الاحتلال تنفيذ عمليات الاعتقال الليلية، بهدف خلق حالة من الذعر في نفس المعتقل وعائلته، وفق ما ذكره التميمي.
ويتابع: “عندما تكون نائما فأنت في أضعف حالاتك الجسدية لذلك يسيطر عليك الجنود منذ اللحظة الأولى، وهذا جزء من الحرب النفسية على المعتقل”.
“في كل مرة يكون هناك أسلوب مختلف، قد تدخل قوة عسكرية مكونة من عشرات الجنود لاعتقال طفل لا يشكل أي خطر، وقد يفجر الجيش مدخل المنزل لتستيقظ وتجد الجنود في غرفة نومك”، يكمل التميمي.
اقرأ أيضا: قوات الاحتلال تعتقل سبعة فلسطينيين في القدس وبيت لحم
ويرى المتحدث أن “الاعتقال الليلي محاولة لخلق رعب لدى الفلسطينيين وردعهم عن المضي في المقاومة”.
وإضافة إلى حالة الرعب التي تثيرها القوات الإسرائيلية، فإنها تتعمد تخريب وتحطيم أثاث ومقتنيات المنزل في كل مرة تتم فيها عملية اعتقال، تحت ذريعة “التفتيش”، وفق التميمي.
والتميمي سبق أن اعتقل 9 مرات في سجون الاحتلال خلال الفترة بين عامي 1988 و2013، بمجموع 4 سنوات ونصف السنة، تعرض خلالها لتحقيق قاس أصيب على إثره بارتجاج في الدماغ ونزيف داخلي وبشلل استمر عدة أشهر.
واعتقلت قوات الاحتلال زوجته ناريمان وثلاثة من أبنائه في أوقات سابقة لفترات زمنية مختلفة قبل أن يتم الإفراج عنهم.
والطفلة “عهد” (19 عاما)، المعروفة بلقب “أيقونة المقاومة السلمية في فلسطين” لمشاركتها الدائمة بالمقاومة الشعبية ضد الاستيطان والاحتلال، ابنة باسم التميمي.
واعتقلت عهد في العام 2018 لمدة 8 أشهر، بتهمة “إعاقة عمل جنود الاحتلال ومهاجمتهم”.
اقتحام وقت النوم
ناريمان التميمي (43 عاما) زوجة باسم، ما زالت تذكر أنها استيقظت في ليلة لتجد نحو 10 جنود في غرفة نومها، وتقول: “لا ينتظرون أن نفتح لهم المنزل، نستيقظ فزعين لنجدهم أمامنا في غرفة النوم”.
وتضيف: “عندما أرى هذا المشهد، أبدأ في التفكير: ما الذي سيحدث؟ من سيعتقل الجيش من أفراد عائلتي؟ إنها لحظات صعبة للغاية”.
أسرة باسم التميمي ليست وحدها التي واجهت الاعتقالات الليلية، فمعظم العائلات في قرية “النبي صالح” واجهت هذه العمليات خلال السنوات الماضية.
وتعد قرية “النبي صالح” واحدة من أبرز البلدات الفلسطينية في المقاومة الشعبية للاستيطان الإسرائيلي، حيث تنظم فيها مسيرات شعبية أسبوعية ضد الاستيطان.
ويقول ناجي التميمي (55 عاما)، وهو من أسرة أخرى في القرية، إنه “ذات مرة اعتقل الجيش 5 شبان من القرية خلال عملية اقتحام شارك فيها أكثر من 250 جنديا في مشهد مفزع”.
ويتابع في حديثه للأناضول: “هذا العدد الهائل من الجنود الذي يوازي أفراد كتيبة كاملة، شاركوا في عملية الاعتقال رغم أن عدد سكان القرية لا يتجاوز الـ500 شخص”.
ويشير التميمي، إلى أن قوات الجيش تستخدم أيضا الكلاب البوليسية خلال عمليات الاعتقال، في رسالة لسكان القرية بأن من يشارك في أعمال المقاومة السلمية سيكون مصيره “الاعتقال والتنكيل به وبأفراد عائلته”.
“تخيل أن تستيقظ والبنادق مصوبة باتجاه عينيك”، هذا ما حدث مع بشرى (45 عاما) زوجة ناجي التميمي، في ليلة ما عام 2015، اقتحمت قوات الاحتلال فيها منزلها لاعتقال نجلها عنان (25 عاما)، قبل أن تفرج عنه لاحقا.
اقرأ أيضا: إصابات خلال مواجهات مع الاحتلال بالضفة
وتعلق بشرى على ذلك بالقول مستنكرةً لمراسل الأناضول: “أي عنف وإرهاب يمارس بحق العائلات والأطفال في ساعات الليل!”.
منهجية مدروسة
من جانبها، تقول أماني سراحنة، مسؤولة الإعلام في نادي الأسير الفلسطيني، للأناضول، إن “عمليات الاعتقال الليلية مدروسة بشكل ممنهج من قبل القوات الإسرائيلية، ويبنى عليها المراحل اللاحقة من التوقيف والتحقيق”.
وتوضح سراحنة، أن الاعتقال الليلي يشكل صدمة لكثير من المعتقلين وخاصة الذين اعتقلوا لأول مرة.
وتشير إلى أن أسلوب الجيش في الاعتقال يتجسد في اقتحام المنازل المدنية بأعداد كبيرة من الجنود، وتفجير الأبواب، وإطلاق الرصاص الحي داخل المنزل، واحتجاز أفراد العائلة في غرفة واحدة لعدة ساعات مع تخريب مقتنيات المنزل.
وتبين سراحنة، أن لكل حالة اعتقال أسلوبا خاصا ينفذه الجيش بهدف قتل روح المقاومة وترويع المدنيين حتى لا يشاركوا في أي من الفعاليات المناهضة للاحتلال والاستيطان.
وبحسب مؤسسات حقوقية، فإنه يبلغ عدد المعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال قرابة الـ4400، بينهم 39 سيدة، ونحو 155 طفلا، وزهاء 350 معتقلا إداريا.