الانتخابات الفلسطينية 2021 السياق والتوقعات

صالح النعامي

هناك شكوك حول قدرة الفلسطينيين على إجراء الانتخابات في موعدها وفق المرسوم الذي أصدره الرئيس، محمود عباس، ولو جرت فمن المشكوك فيه أن تؤدي إلى إنهاء الانقسام بشكل حاسم أو أن توحِّد الفلسطينيين على برنامج وطني موحد.

أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 15 يناير/كانون الثاني 2021، مرسومًا رئاسيًّا حدد فيه مواعيد إجراء الانتخابات التشريعية والرئاسية والمجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير) على ثلاث مراحل، لتكون المرة الأولى منذ 15 عامًا، التي تنظم فيها مثل هذه الانتخابات. وحُدِّد يوم 22 مايو/أيار 2021 لإجراء الانتخابات التشريعية، ويوم 31 يوليو/تموز 2021 للانتخابات الرئاسية، على أن تعتبر نتائج انتخابات المجلس التشريعي المرحلة الأولى في تشكيل المجلس الوطني الفلسطيني، وعلى أن يتم استكمال انتخابات المجلس الوطني في 31 أغسطس/آب 2021.

تناقش هذه الورقة خلفيات إصدار مرسوم الانتخابات وترصد الاعتبارات التي تحكم توجهات القوى الفلسطينية وإسرائيل وتأثيراتها على المسار الانتخابي، وتستشرف التداعيات المحتملة لنتائج هذا المسار على الواقع الفلسطيني.

خلفيات مرسوم الانتخابات
جاء إصدار مرسوم الانتخابات نتيجة حوارات مطولة جرت بين ممثلي حركتي “فتح” و”حماس” في إسطنبول، والتي عُقدت على خلفية مخطط إسرائيل لضم مناطق من الضفة الغربية وردًّا على اتفاقات التطبيع التي توصلت إليها مع عدد من الدول العربية برعاية الولايات المتحدة(1).

أسفرت حوارات إسطنبول عن إعلان الحركتين، في 24 سبتمبر/أيلول 2020، عن “رؤية مشتركة” تستند إلى المسارات التي توصل إليها مؤتمر الأمناء العامِّين للفصائل الفلسطينية الذي انعقد مطلع سبتمبر/أيلول 2020، في كل من بيروت ورام الله؛ حيث كان التوافق على إجراء الانتخابات التشريعية، والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني، أحد هذه التوافقات(2).

وعلى الرغم من أن حوار إسطنبول ناقش مسائل أخرى ظلت دائمًا محور جهود المصالحة الداخلية، مثل: إصلاح منظمة التحرير، والموقف من الاحتلال، وأشكال “المقاومة”(3)؛ فإن الاكتفاء بتنظيم الانتخابات يعني أن حسم هذه القضايا سيتوقف على نتيجة هذه الانتخابات. فقد توصلت كل من “فتح” و”حماس” لاستراتيجية مشتركة لمواجهة الاستيطان والتهويد في الضفة الغربية عبر استخدام المقاومة الشعبية، لكن هذه الاستراتيجية لم يتم تطبيقها(4).

ومما مهَّد لإصدار مرسوم الانتخابات تراجع “حماس” عن مطالبتها بإجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني بشكل متزامن؛ حيث وافقت بدلًا من ذلك على أن تتم بالتوالي والترابط(5). في حين أن هناك تسريبات تشير إلى أن “فتح”، في المقابل، وافقت على طلب حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” باعتبار المجلس الوطني والمؤسسات المنبثقة عنه “مرجعية الشعب الفلسطيني وكل المؤسسات بما فيها السلطة الفلسطينية”(6).

وتمهيدًا للانتخابات، أحدث الرئيس عباس تعديلًا ذا دلالة سياسية على قانون الانتخاب؛ حيث عدَّل قانون الانتخابات للعام 2007، فجرى استبدال عبارتي “السلطة الوطنية” و”رئيس السلطة الوطنية” بـ”دولة فلسطين” و”رئيس دولة فلسطين”(7). وهذا ما أثار اعتراض بعض قوى الفلسطينية التي رأت أن انتخاب “رئيس فلسطين” يجب أن يتم من قبل عموم أبناء الشعب الفلسطيني، وليس فقط من قبل الفلسطينيين في الضفة وقطاع غزة(8).

موقف الفصائل وإسرائيل من الانتخابات
تلعب البيئة الداخلية ممثَّلة تحديدًا بتوجهات الفصائل الفلسطينية ومصالحها دورًا حاسمًا في توفير الظروف التي تسمح بتطبيق مرسوم الانتخابات حسب الجدول الزمني أو إعاقته. وهنا تناقش الورقة الاعتبارات التي يُفترض أنها تحكم توجهات هذه الفصائل.

أولًا: حركة فتح: يعد احترام التوافق مع “حماس” على إجراء الانتخابات كأحد مخرجات “الرؤية المشتركة” مهمًّا بالنسبة لقيادة “فتح” والسلطة الفلسطينية للحفاظ على قدر من التوافق الوطني، في ظل حالة انعدام اليقين إزاء مستقبل العلاقة مع تل أبيب، عشية الانتخابات الإسرائيلية التي ستنظم في مارس/آذار القادم 2021، لاسيما أن استطلاعات الرأي العام تُجمع على أن قوى اليمين بشقيها، العلماني والديني، ستحقق فوزًا كبيرًا ما سيوفر بيئة لتشكيل حكومة تتبنى مواقف إزاء الصراع، لا تقل تشددًا عن مواقف الحكومة الحالية، مع ما يعنيه ذلك من تواصل سياسة حسم الحقائق على الأرض عبر مشاريع الاستيطان والتهويد(9).

كما أن إجراء الانتخابات يسمح بتجديد شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينية، التشريعية والتنفيذية، سيما أن ولاية الرئيس عباس قد انتهت منذ 11 عامًا، في حين أن المجلس التشريعي الذي انتهت ولايته قبل 10 سنوات، قد تم حله من قبل المحكمة الدستورية.

في الوقت ذاته، فإن الاتحاد الأوروبي، الذي يقدم القدر الأكبر من المساعدات المالية للسلطة، مارَسَ ضغوطًا على الرئيس عباس لتنظيم انتخابات بهدف تجديد شرعية مؤسسات السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة(10). ولم يكن مستغربًا أن يسارع الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة إلى مباركة إصدار مرسوم الانتخابات وحثِّ إسرائيل على السماح بإجرائها(11).

في المقابل، فإن إجراء الانتخابات في هذه الظروف يمثل مخاطرة بالنسبة لحركة فتح؛ سيما بعد إعلانها عن أن الرئيس عباس(12) سيكون مرشحها الوحيد في الانتخابات الرئاسية(13). فحسب آخر استطلاع للرأي العام في الضفة الغربية وقطاع غزة، فإن شعبية عباس متدنية؛ حيث أظهر أن أكثر من 60% من الفلسطينيين يطالبون باستقالته(14).

وعلى الرغم من أن استطلاع الرأي منح “فتح” 37% من أصوات الناخبين مقابل 34% لحماس، فإنه دلَّ، في المقابل، على أن النسبة الأكبر من مؤيدي “فتح” يبدون استعدادًا أكبر للتصويت للقائمة التي قد يشكِّلها القيادي الفتحاوي، مروان البرغوثي، المعتقل في السجون الإسرائيلية، والذي لا يتماثل مع مواقف عباس(15). وفي حال خاضت قائمة تابعة للقيادي الفتحاوي السابق، محمد دحلان، الانتخابات البرلمانية، ستحوز على دعم 20% تقريبًا من مؤيدي “فتح”، سيما في قطاع غزة(16).

وفي حال أُجريت الانتخابات في ظل هذا الواقع، ولم تتمكن “فتح” من خوض الانتخابات بقائمة موحدة، فهذا قد يسمح بحدوث تحالفات بين بعض قوائم الحركة والمستقلين وحتى قائمة “حماس”، مما يسمح بتغيير البيئة السياسية بشكل يحرم قيادة السلطة الفلسطينية و”فتح” من هامش المناورة الذي تتمتعان به حاليًّا.

وحسب بعض التسريبات الإعلامية، أثارت حالة انعدام اليقين بشأن جاهزية حركة “فتح” للانتخابات قلقًا لدى كل من مصر والأردن؛ حيث توجه كل من رئيس المخابرات المصري، عباس كامل، والأردني، أحمد حسني، معًا إلى رام الله للقاء الرئيس عباس وحثَّاه على توحيد فتح عشية الانتخابات والمشاركة في قائمة موحدة لتقليص فرص فوز حماس فيها(17). وحذرت بعض قيادات “فتح” من إمكانية أن تخسر الحركة الانتخابات بسبب جملة السياسات التي تتبعها قيادة السلطة على الصعيد الداخلي تحديدًا(18).

ويمنح تحديد موعد إجراء الانتخابات البرلمانية الفلسطينية بعد أربعة أشهر على تولي إدارة الرئيس الأميركي، جون بايدن، مقاليد الأمور في واشنطن، الرئيسَ عباس القدرة على إخضاع مسألة تطبيق المرسوم الرئاسي إلى خارطة مصالح السلطة. وسيتأثر قرار عباس النهائي بشأن كيفية التعامل مع الانتخابات، من حيث إقامتها أو تأجيلها أو حتى عدم إجرائها، بتقديره لمدى شعبية حركة “فتح” وتماسكها وتأثير توجهات الإدارة الجديدة على مكانته السياسية والواقع الاقتصادي في مناطق السلطة. ويمكن أن يلجأ عباس إلى رفع بعض العقوبات عن قطاع غزة عشية الانتخابات، سيما التي استهدفت موظفي السلطة من أتباع دحلان بهدف تقليص مستوى التأييد له (أي لدحلان). في الوقت ذاته، هناك العديد من المسوغات التي يمكن لعباس الاستناد إليها للتذرع بالتراجع عن تطبيق المرسوم، ضمنها رفض إسرائيل المتوقع إجراء الانتخابات في القدس(19).

ثانيًا: حماس: تراهن حماس على إسهام نتائج الانتخابات القادمة في إفراز بيئة سياسية تساعدها على التخلص من موقعها كعنوان سلطوي في قطاع غزة والتحرر من تبعات المسؤولية عن الواقع الاقتصادي والإنساني الصعب الذي يعيشه القطاع، بفعل الحصار الذي فُرض في أعقاب فوز الحركة في انتخابات 2006، والعقوبات التي فرضتها السلطة قبل ثلاث سنوات.

وتأمل الحركة أن تُرسي نتائج الانتخابات موازين قوى جديدة داخل المجلس التشريعي القادم تسمح بإحداث تحول جذري على سياسة السلطة تجاه القطاع؛ وفي الوقت ذاته ضمان عدم إخضاع مصير سلاحها للنقاش.

ويتوقع أنه في حال تواصل تطبيق الاستحقاقات الانتخابية وأجريت الانتخابات الرئاسية، فإن حماس لن تطرح مرشحًا عنها، لكنها ستدعم مرشحًا آخر غير الرئيس عباس؛ على اعتبار أن نجاح هذا المرشح سيفضي إلى تحول جذري في البيئة السياسية بما يخدم مصالحها(20).

ثالثًا: بقية الفصائل: تدل المؤشرات الأولية على أن عددًا من الفصائل ذات التأثير على الساحة الفلسطينية لن تشارك في الانتخابات. وتشي المواقف الصادرة عن حركة “الجهاد الإسلامي” بأنها ستواصل موقفها الرافض للمشاركة في الانتخابات(21). وهناك أهمية استثنائية لمشاركة “حركة الجهاد” في العملية الانتخابية تفوق حضور التنظيم الجماهيري، على اعتبار أن دخولها النظام السياسي قد يقيدها أو يحد من قدرتها في العمل المسلح ضد إسرائيل. وقد اعترضت “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” على إجراء الانتخابات قبل حل القضايا الجوهرية التي أفضت إلى الانقسام الداخلي(22).

رابعًا: ظروف العملية الانتخابية: تعد ظروف وشروط إجراء الانتخابات أحد أهم التحديات التي يتوجب على الفصائل الفلسطينية التوافق بشأنها في الاجتماع الذي من المقرر أن يعقده الأمناء العامُّون للفصائل في القاهرة، منتصف فبراير/شباط 2021. وتدل المواقف التي عبرت عنها السلطة والفصائل على أن إنجاز توافق بشأن ظروف وشروط الانتخابات سيكون مهمة شاقة. واستَبَقَت المؤسسة الأمنية في السلطة الفلسطينية اجتماع القاهرة بإعلان رفضها أي دور لأجهزة حكومة غزة الأمنية في تأمين الانتخابات في قطاع غزة(23). وفي المقابل، فإن حركة حماس تعد الإشراف القضائي على الانتخابات، وتحديدًا المحكمة المخولة بهذا الإشراف أبرز التحديات التي تواجه العملية الانتخابية(24). وفي حال أصرَّت السلطة الفلسطينية على منح المحكمة الدستورية أي دور في الإشراف على الانتخابات فإن هذا سيقلِّص فرص التوافق على إجرائها، على اعتبار أن حركة حماس ترى أن المحكمة “غير شرعية”(25).

فضلًا عمَّا سبق، فإن حالة الحريات العامة، كما هي سائدة في الضفة الغربية وقطاع غزة لا توفر بيئة للعمل السياسي الحر؛ حيث تتهم المنظمات الحقوقية الدولية حكومتي رام الله وغزة باعتماد الاعتقال السياسي وتقييد حرية التعبير(26).

موقف إسرائيل: يعد الموقف الإسرائيلي حاسمًا في توفير البيئة التي ستسمح بتطبيق مرسوم الانتخابات؛ حيث إن إسرائيل تحتل القدس والبلدات والقرى الفلسطينية المحيطة بها، في حين أن المدن والتجمعات السكانية الفلسطينية في الضفة الغربية تعد مسرحًا للعمليات اليومية التي ينفذها جيشها وأجهزتها الاستخبارية؛ عبر ممارسة الاعتقالات اليومية لنشطاء فلسطينيين بحجة الانتماء إلى هذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك.

وعلى الرغم من التزام القيادة الإسرائيلية الصمت، إلا أن إسرائيل أعلنت أكثر من مرة رفضها السماح بإجراء الانتخابات في القدس المحتلة(27). في الوقت ذاته، ترى المحافل الأمنية الإسرائيلية أن السماح بإجراء انتخابات -يمكن أن تفوز بها حركة حماس أو تحقق فيها مكاسب كبيرة- يعد مخاطرة كبيرة، لأنه يوفر الظروف التي قد تسمح للحركة بتدشين بنى عسكرية على غرار تلك القائمة في قطاع غزة(28).

إلى جانب ذلك، قد تسعى إسرائيل لإحباط الانتخابات لأنها عملت على إفشال أي تحرك فلسطيني لإنهاء الانقسام الداخلي ويفضي إلى استعادة الوحدة السياسية للضفة الغربية وقطاع غزة. وقد لعب رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، دورًا مهمًّا في إحباط تطبيق اتفاق المصالحة الذي توصلت إليه كل من حماس وفتح، في أكتوبر/تشرين الأول 2017، في القاهرة(29).

وبوسع إسرائيل أن تؤثر على مسار الانتخابات الفلسطينية عبر منع تنظيمها في القدس ومحيطها، إلى جانب اعتقال الأشخاص الذين يمكن أن يترشحوا على القوائم المختلفة والفاعلين في الحملات الانتخابية.

الانتخابات وسيناريوهاتها


قبل الخوض في سيناريوهات نتائج الانتخابات وانعكاستها، فإن إمكانية تنظيم انتخابات للمجلس الوطني تبدو متدنية جدًّا؛ لأن هذا الأمر لا يتوقف على إرادة الفصائل الفلسطينية فقط، بل يتطلب تعاون حكومات الدول التي تستضيف اللاجئين الفلسطينيين، والتي لا تسمح ظروف بعضها بإجراء مثل هذه الانتخابات، فضلًا عن أنه يمكن افتراض أن نسبة كبيرة من الفلسطينيين، تحديدًا الذين يحملون جنسيات البلد المقيمين فيه، مثل الأردن، لن يتحمسوا للمشاركة في انتخابات المجلس الوطني.

لذا، ففي حال أُنجزت الانتخابات البرلمانية والرئاسية، فمن المرجح أن يتم تشكيل المجلس الوطني بناء على المحاصصة مع الأخذ بعين الاعتبار موازين القوى كما عكستها الانتخابات البرلمانية.

وفيما يتعلق بنتائج الانتخابات البرلمانية، هناك ثلاثة سيناريوهات محتملة:

أولًا: فوز “فتح”: في حال أسفرت الانتخابات عن فوز “فتح” وحلفائها من المستقلين بالأغلبية المطلقة، هناك احتمال أن تواجه الحكومة تحديات عدة منها الموقف من سلاح الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، على اعتبار أن الحكومة الجديدة سترفع شعار “سلطة واحدة؛ سلاح واحد”؛ وهو ما سيوُاجه برفض فصائل غزة، التي تصر على أن وجود الاحتلال يستلزم الحفاظ على سلاح “المقاومة” وبناها التنظيمية. ومما سيزيد الأمور تعقيدًا أن إسرائيل ستحمِّل حكومة (فتح) المسؤولية عن أي عمل عسكري ينطلق من قطاع غزة بوصفها عنوان “السلطة”. وإذا تم تجاوز قضية السلاح عبر توافق حول ظروف تنفيذ العمل المسلح رغم أن فرص ذلك متدنية، ستواجه الحكومة الجديدة تحدي الجهاز البيروقراطي لحكومة غزة الذي يضم حوالي 30 ألف موظف، والذين لا تعترف بهم حكومة رام الله والذين سيطالبون بتسوية أوضاعهم.

ثانيًا: فوز حماس: فوز حماس قد يعيد الأمور إلى ما كانت عليه بعد انتخابات 2006 -حيث فازت حينها بأغلبية مطلقة- ويُتوقع ألا يسمح الجهاز البيروقراطي والمؤسسة الأمنية التي تخضع لحركة “فتح” في الضفة الغربية للحكومة الجديدة بممارسة صلاحياتها. ومن المرجح أن تلجأ إسرائيل إلى اعتقال نواب ووزراء حماس، كما فعلت في أعقاب انتخابات العام 2006. في حين سيُخضع كل من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، الذي يعدان “حماس” تنظيمًا إرهابيًّا، مسألة الاعتراف بالحكومة الجديدة لشروط اللجنة الرباعية المتمثلة في: الالتزام باتفاقيات أوسلو، والاعتراف بإسرائيل، ونبذ العمل المسلح ضد إسرائيل بوصفه “إرهابًا”. ولا يتوقع أن تعترف الدول العربية التي تتخذ موقفًا معاديًا من “الإسلام السياسي” بالحكومة الفلسطينية الجديدة. وسيفضي هذا الواقع إلى تكريس الحصار مع كل ما يترتب عليه من تواصل تدهور الأوضاع الاقتصادية؛ مما يزيد من فرص حدوث مواجهة عسكرية بين الفصائل في غزة وإسرائيل، لاسيما مع تراجع فرص التوصل لتهدئة طويلة الأمد توافق إسرائيل بموجبها على إحداث تحول كبير في الأوضاع الاقتصادية في القطاع.

ثالثًا: انعدام الأغلبية المطلقة: فشل كل من “فتح” و”حماس” في الحصول على أغلبية مطلقة، سيمكِّن الكتلة التي سيشكلها دحلان(30) من أن تلعب دور لسان الميزان عند تشكيل الحكومة الجديدة. وسيستدعي هذا الواقع أن تتدخل القوى الإقليمية العربية للضغط على الرئيس عباس ودحلان لتجاوز العداء المستحكم بينهما لإفساح المجال أمام تشكيل الحكومة الجديدة. وفي حال تم تشكيل حكومة بدعم دحلان، فمن المرجح أن تتبنى مواقف أكثر مرونة تجاه غزة التي تحتضن معظم مناصريه، سيما على صعيد حل مشكلة الموظفين، ورفع العقوبات التي فرضتها السلطة وتخصيص موازنات ملائمة. ولكن هذا السيناريو لن يحل معضلة سلاح الفصائل وانطلاق العمل المسلح ضد إسرائيل من قطاع غزة دون أن يتم توافق ملزم لجميع الأطراف. وقد يحسِّن هذا الواقع من فرص دحلان للتنافس في الانتخابات الرئاسية.

رابعًا: عدم إجراء الانتخابات: في حال لم تنظم الانتخابات، فإن هذا سيفضي إلى تكريس الوضع القائم على صعيد العلاقة بين حركتي فتح وحماس وتجميد جهود إنجاز المصالحة الوطنية. وسيتوقف مصير المصالحة والأوضاع في الضفة الغربية وقطاع غزة بشكل عام على تحولات ليست مرتبطة بالفصائل الفلسطينية، مثل: سياسات حكومة تل أبيب بعد الانتخابات الإسرائيلية القادمة، وموقف إدارة بايدن، والوضع الصحي للرئيس عباس، وتأثيرات الأزمة الاقتصادية في قطاع غزة، إلى جانب تحولات قد يشهدها الإقليم.

خاتمة
يتضح أن إصدار المرسوم الرئاسي الذي يحدد مواعد إجراء الانتخابات البرلمانية والرئاسية وانتخابات المجلس الوطني ليس ضمانة لتنظيمها بسبب العوائق الكثيرة والمتداخلة التي تعترض طريقها، والتي تفرزها اعتبارات الفصائل الفلسطينية وموقف إسرائيل المتوقع. وفي حال تم التغلب على هذه العوائق ونُظِّمت الانتخابات، فإن فرص أن تسهم نتائجها المتوقعة في تحقيق المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام الداخلي ليست كبيرة.

إن إجراء الانتخابات في بيئة سياسية منقسمة على ذاتها قبل معالجة قضايا الخلاف الجوهرية التي كرست الانقسام يمثل مخاطرة كبيرة ويمكن أن يسهم في تكريس حالة التشظي التي تعيشها الحلبة السياسية الفلسطينية. وإن كانت الفصائل الفلسطينية قد أجمعت في كل جولات الحوار السابقة على أهمية التوافق على برنامج وطني شامل وإصلاح مؤسسات منظمة التحرير، فإن اعتماد الانتخابات مدخلًا لحل هذه القضايا قد لا يسمح بوضع “الرؤية المشتركة” التي توصلت إليها حماس وفتح في حوار إسطنبول ومخرجات مؤتمر الأمناء العامين في بيروت ورام الله، موضع التنفيذ، بحيث تنضم إلى ما سبقها من اتفاقات وتفاهمات، التي انتهت إليها الحوارات السابقة التي امتدت لأكثر من 15 عامًا(31).

Exit mobile version