الانتخابات.. هل هي الأولوية الفلسطينية القادمة؟

ماجد دياك

في تطور مفاجئ وسريع تراجعت حماس عن مطلبها السابق بمزامنة انتخابات المجلسين التشريعي والوطني، وقبلت في رسالة أرسلتها إلى الرئيس أبو مازن بما سمَّته التوالي والترابط، بحيث تجرى انتخابات المجلس التشريعي فالانتخابات الرئاسية ثم انتخابات المجلس الوطني.

وبررت حماس هذه الخطوة بحصولها على ضمانات من قطر وتركيا ومصر وروسيا بالتزام السلطة إجراء هذه الانتخابات وعدم التوقف عند انتخابات التشريعي والرئاسة، وهو التخوف الذي جعلها تتمسك في البداية بإجراء انتخابات متزامنة.

برنامج وطني وتفعيل للمنظمة

اللافت للانتباه أن مبادرة حماس التي قَبِل بها عباس لم تتطرق إلى قضايا المصالحة الأخرى وهي الاتفاق على برنامج وطني، وإنهاء الانقسام السياسي والجغرافي، والاتفاق على المقاومة، والأهداف الوطنية في ظل فشل أوسلو والمفاوضات، وتهيئة أجواء الديمقراطية وحرية الرأي، وإطلاق سراح المعتقلين، ورفع القيود عن المؤسسات الاجتماعية.

وهذا يدفعنا للقول إن إجراء الانتخابات بهذا الشكل سيكون تكريساً لواقع أوسلو وقصراً لأهداف الحكومة القادمة على إنفاذ عملية السلام وإبقاء التنسيق الأمني مع الاحتلال، وهو الأمر الذي يتناقض أساساً مع مواقف حماس الاستراتيجية!

وبدلاً من الانتخابات فإن الأولوية السياسية في المرحلة المقبلة يجب أن تتناقض مع واقع السلطة الحالية وبرنامجها الذي فشل على الأرض وقسم الشعب الفلسطيني وأطاح بآماله بالحرية والاستقلال. وكان يجب التوجه أولاً إلى الاتفاق على برنامج وطني مشترك للفصائل بوجود فتح أو من دونها يستند إلى المقاومة وتفعيل دور الشعب الفلسطيني لمواجهة خطط الاستيطان والضم وتهويد القدس ومحاولة إنهاء قضية اللاجئين.

ويتطلب ذلك تشكيل جبهة وطنية بعيدة عن الارتباط بالاحتلال، وتفعيل دور المنظمة بالانتخابات أو بالتوافق لإدارة دفة الصراع مع العدو، وتأمين متطلبات صمود الفلسطينيين في الداخل، وتفعيل دورهم في الخارج.

الانتخابات أولاً

ولكن حماس قررت سلوك طريق آخر تعتقد أنها تستطيع من خلاله التأثير في المعادلة الوطنية في هذه الظروف الصعبة التي تهدد بتضييق الخناق عليها عربياً ودولياً، من خلال اللجوء إلى صناديق الاقتراع والمجازفة بإمكانية نكث عباس والسلطة بتعهداتهم بإجراء انتخابات المنظمة التي يفترض أن تشكل المرجعية السياسية والتنظيمية للسلطة.

وربما رأت أن ذلك سيمكِّنها من النفاذ إلى الشرعية الفلسطينية (وربما العربية والدولية) التي فقدتها بعد الحسم عام 2007، فتستعيد دورها وحضورها في الضفة وتتخلص من عبء إدارة غزة الثقيل لصالح الحكومة الجديدة.

ولكن ذلك يعتمد على نسبة الأصوات التي ستحصل عليها، وهل تؤهلها لممارسة دور فاعل في الحكومة تتمكن به من تأمين تغطية لبرنامجها المقاوم؟ وهذا يطرح تساؤلاً يتعلق بمدى قبول الاحتلال لدور فاعل للحركة، فضلاً عن القبول الأمريكي والدولي بها في مرحلة تمر فيها القضية بأسوأ حالاتها بسبب اندلاق الدول العربية على التطبيع.

وستكون مجازفة كبيرة بإمكانية حدوث التزوير ومحاولة إخراج الحركة من الشباك بعد أن دخلت من الباب، وهو الأمر الذي سيضعف دورها في المنظمة لو قرر عباس الاستمرار في العملية الانتخابية وفق تعهداته. كما أنه توجد إمكانية لتدخُّل العدو لإفشال الانتخابات من خلال أحداث أمنية يصطنعها ومن خلال رفض إجرائها في القدس أو تعطيله.

وحتى لو تجاوزنا احتمالات التزوير والتلاعب أو افتعال أحداث داخلية تؤثر على نتيجة الانتخابات، فإن احتمال الفوز الكاسح لحماس كما حصل في 2006 مستبعد خصوصاً مع إقرار القائمة النسبية الكاملة. وحتى في حالة الفوز فإن الفيتو الدولي والإسرائيلي جاهز لمنعها من السيطرة على النظام السياسي الفلسطيني وتكرار تجربة الانقسام. وهذا الأمر كان يستدعي من حماس أن تسعى للحصول على ضمانات دولية لقبول دورها في المعادلة الفلسطينية بدلاً من الاكتفاء بضمانات عامة شفهية بإجراء الانتخابات بكل مراحلها.

القائمة الموحدة ومخاطرها

وفي المقابل إذا قبلت حماس بالقائمة الموحدة -مع أنها تشكل حالة غريبة لاتفاق سياسي بين برنامجين متعارضين!-، فستضطر إلى التوصل إلى برنامج مشترك مع فتح لا يمنع استمرار التفاوض مع تشكيلة غطاء للتنسيق الأمني الذي ترفضه الحركة من الأساس، وستعطي على الأغلب دعماً لعباس للاستمرار في رئاسة السلطة وقيادة المفاوضات العبثية وتقديم التنازلات لإسرائيل.

وسيكون تقاسم السلطة على حساب مبادئ حماس ومنطلقاتها السياسية، في الوقت الذي لن يضمن لها دخول المنظمة بسبب معارضة الدول العربية لذلك، وعدم رغبة عباس نفسه الذي سيتذرع بأي ذريعة للتسويف والتأجيل في انتخاباتها أو حتى التوصل إلى توافق للنزول بقائمة مشتركة.

إن مسألة الضمانات التي غيرت موقف حماس لا يمكن اعتبارها ضابطاً لسلوك عباس الذي تملص من اتفاقات المصالحة السابقة برعاية دول عربية، ولن يتردد في إحراج الراعين ما دام أنه يسير الآن مع محور السعودية-مصر-الإمارات الذي سيشكل غطاء له في سلوكه السياسي، لا سيما أن هذا المحور هو الأشد معارضة لولوج حماس والجهاد الإسلامي للمنظمة، إذ سبق أن عبرت مصر عن هذا الموقف بصراحة لقيادة حماس في الحوارات السابقة.

أما لو أسفرت الانتخابات بالتزوير أو من دون تزوير عن حصول حماس على نسبة أدنى من فتح فسيضطرها إلى الاكتفاء بالمعارضة في حكم ذاتي تابع لإسرائيل ومرتهن لها، بعد أن تكون حماس جازفت بشرعنة المفاوضات والتسوية ضمن ديمقراطية شكلية لا تختلف عن مشاركة الإخوان في برلمانات بعض الدول العربية، وهذا بدوره يشكل خطراً على برنامجها السياسي ستخسر بموجبه الهيمنة على غزة واستمرار الاحتفاظ بسلاحها الموجَّه إلى الاحتلال.

المراهنة على القوة

ولذلك فإن خيار الانتخابات هو خسارة صافية للمقاومة بصرف النظر عن النتيجة التي ستسفر عنها، كما أنه ليس المسار المؤدي إلى إطلاق برنامج وطني فلسطيني يتمسك بالحقوق الوطنية ويعتمد المقاومة بكل أشكالها لاستعادة الحقوق المغتصبة.

إن أي مسار للانتخابات لسلطة مرتهنة للاحتلال سيعزز الخلافات، وربما يقود إلى ما هو أسوأ من ذلك مثلما حصل عام 2007، الأمر الذي يستدعي وقفة لمراجعة الحسابات من القوى الوطنية الفلسطينية بعيداً عن أوسلو وسلطتها ومرتكزاً إلى إحياء منظمة التحرير الفلسطينية ودورها الأساسي في المشروع الوطني الفلسطيني.

إن مرحلة الرئيس الأمريكي بايدن لن تنجح في إطلاق المفاوضات الفلسطينية وتجاوز خطة القرن، خصوصاً أن الكيان الصهيوني يتجه إلى تشكيل حكومة أكثر تشدداً مع انتخابات 3/2021، فيما ستستمر مؤامرة التطبيع بما يهدد مجمل القضية الفلسطينية. ولذلك فإن الأولى هو تقوية الجبهة الفلسطينية وتصليبها وإعادة إطلاق المقاومة وتعزيز فعلها على الأرض، بما يؤدي إلى عرقلة التطبيع ومحاولات الدول العربية والإسلامية تحسين علاقاتها مع إسرائيل حماية لنفسها كما تعتقد.

أما السعي للانحناء للواقع وحماية الرأس فلن يؤدي إلى تحقيق أي إنجاز كما قد يخيل للبعض، ولن يؤدي إلا إلى مزيد من الضعف والتراجع وتقدم برامج التطبيع وتضييق الخناق على الشعب الفلسطيني.

المراهنة المقبلة يجب أن تكون على مكامن القوة الفلسطينية لا تكريس اتفاق الذل والهزيمة المتمثل بأوسلو. فإسرائيل والغرب لن ينظرا إلى ديمقراطيتنا وانتخاباتنا بقدر ما سينظران إلى واقعنا وقوتنا على الأرض وما نشكله من تهديد حقيقي للمشروع الاستيطاني الصهيوني.

Exit mobile version