استنكر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان صمت مجلس الأمن الدولي حيال الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وقال موجها كلامه للمجلس: “ماذا تنتظرون لمنع الإبادة الجماعية في غزة ولقول كفى لهذا الظلم والوحشية؟”.
جاء ذلك في خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في مدينة نيويورك الأمريكية، الثلاثاء.
ودعا أردوغان الدول التي لم تعترف بفلسطين إلى الاعتراف بها في أقرب وقت ممكن والوقوف إلى الجانب الصحيح من التاريخ في هذه الفترة الحرجة.
وانتقد أردوغان الأمم المتحدة، مشيرًا إلى أنها “باتت في السنوات الأخيرة قاصرة عن الاضطلاع بمهمتها التأسيسية وتتحول مع الوقت إلى كيان عديم الوظيفة ومتهالك وخامل”.
– غزة أكبر مقبرة
ولفت إلى أن غزة أصبحت “أكبر مقبرة للأطفال والنساء في العالم نتيجة الهجمات الإسرائيلية”.
وذكر أن “الإدارة الإسرائيلية تتجاهل حقوق الإنسان الأساسية وترتكب تطهيرًا عرقيًا وإبادة جماعية واضحة ضد الشعب الفلسطيني وتحتل أراضيه”.
وخاطب أردوغان المؤسسات الإعلامية الدولية، قائلًا: “أليس الصحفيون الذين قتلتهم إسرائيل على الهواء مباشرة واقتحمت مكاتبهم زملاءكم؟”.
وتوجه إلى المجتمع الدولي بالقول: “ماذا تنتظرون لإيقاف شبكة القتل هذه (الحكومة الإسرائيلية) التي تجر المنطقة برمتها إلى الحرب من أجل مستقبلها السياسي؟”.
وطالب أردوغان الأمم المتحدة بإيقاف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وشبكة الجريمة التابعة له، “كما أوقف تحالف البشرية هتلر قبل 70 عامًا”.
وأكد الرئيس التركي أن إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ومتكاملة جغرافيًا وعاصمتها القدس الشرقية، أمر “لم يعد من الممكن تأجيله بعد الآن”.
وأعرب أردوغان عن سروره لرؤية ممثل فلسطين “الصديقة والشقيقة” في المكان الذي يستحقه بين الدول الأعضاء نتيجة لنضال طويل.
وأضاف: “آمل أن تكون هذه الخطوة التاريخية المتخذة بمثابة نقطة التحول الأخيرة على طريق عضوية فلسطين في الأمم المتحدة”.
وذكر أن الأمم المتحدة تأسست لحماية السلام والأمن الدوليين بعد الحرب العالمية الثانية التي قتل فيها ملايين الأشخاص.
– العالم أكبر من خمسة
وشدد الرئيس أردوغان على الحاجة هذه الأيام أكثر فأكثر إلى القيم التي يمثلها شعار “العالم أكبر من خمسة”.
وأكد على أن “سلام وأمن العالم مهمان أكثر من أن يتركا لأهواء 5 دول صاحبة امتياز”.
وتابع: “المثال الأكثر دراماتيكية على ذلك هو المذبحة المستمرة منذ 353 يومًا في غزة، حيث أن أكثر من 41 ألف فلسطيني فقدوا حياتهم جراء الهجمات الإسرائيلية المستمرة دون انقطاع منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023”.
ولفت إلى أن “أكثر من 10 آلاف غزي معظمهم أطفال مفقودون، إضافة إلى لتعرض ما يقرب من 100 ألف شخص لإصابات أو إعاقات في غزة”.
وأشار إلى أن 172 صحفيًا قتلوا وهم يؤدون مهامهم تحت ظروف قاسية.
وأضاف: ” قُتل أكثر من 500 عامل صحة كانوا يعملون على إنقاذ الأرواح، وقُتل أكثر من 210 من موظفي الأمم المتحدة والعاملين في مجال المساعدات الإنسانية الذين قدموا لمساعدة سكان غزة الذين يعانون من الجوع والعطش”.
ولفت إلى أن إسرائيل قصفت 820 مسجداً و3 كنائس ينبغي ألا تمس حتى في الحروب، إضافة إلى عشرات المستشفيات ومئات المدارس وأكثر من 130 سيارة إسعاف تحمل مرضى.
وأردف: “مزقوا ميثاق الأمم المتحدة من على منبرها وتحدوا بلا خجل العالم أجمع وكل أصحاب الضمائر من على هذه المنصة بالذات”.
وأشار إلى أن الصور المسربة من سجون إسرائيل التي تم تحويلها إلى معسكرات اعتقال، تظهر بوضوح كيفية الظلم الذي يواجهه المعتقلون الفلسطينيون.
– الموت لا يقتصر على غزة
وأوضح أردوغان أن منظومة الأمم المتحدة، والحقيقة، والقيم التي يدعي الغرب الدفاع عنها، وآمال الإنسانية في العيش ضمن عالم أكثر عدلا، تموت واحدة تلو الأخرى في غزة وليس الأطفال فقط.
ولفت إلى أن المجتمع الدولي أظهر أداء سيئا للغاية حيال موت الأطفال والرضع بالحاضنات في غزة ورام الله ولبنان، وشدد على أن ما يحدث في فلسطين هو “مؤشر على انهيار أخلاقي كبير”.
وأكد أن الفلسطينيين الذين تم اغتصاب حريتهم واستقلالهم وأبسط حقوقهم الأساسية، يستخدمون حقهم المشروع في المقاومة ضد هذا الاحتلال وممارسات التطهير العرقي ضده.
– المقاومة الفلسطينية نبيلة
وشدد على أن “المقاومة المبررة للشعب الفلسطيني ضد من يحتلون أرضه نبيلة ومشرفة وبطولية لدرجة لا يمكن اعتبارها غير شرعية”.
وقال الرئيس أردوغان إنه يحيي إخوانه الفلسطينيين الذين يدافعون عن وطنهم على حساب أرواحهم.
وأشار إلى أن “السبب الوحيد للعدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني هو الدعم غير المشروط الذي تقدمه حفنة من الدول لإسرائيل”.
وذكر أن “الدول صاحبة النفوذ على إسرائيل شريكة في المجزرة التي ترتكبها ضد الفلسطينيين”.
وأشار إلى أن “من يفترض أنهم يحاولون وقف إطلاق النار أمام العلن يواصلون إرسال الأسلحة والذخائر إلى إسرائيل حتى تتمكن من مواصلة مجازرها”.
وأكد الرئيس التركي أن حركة حماس أعلنت مرارًا وتكرارًا قبولها مقترح وقف إطلاق النار، وأن الحكومة الإسرائيلية أظهرت بوضوح أنها الجانب الذي لا يرغب بالسلام عبر اختلاق الأعذار باستمرار و”قتل الشخصية الذي كانت تتفاوض معه بشكل غادر (اغتيال إسماعيل هنية).
وشدد أردوغان على أهمية تقديم يد العون لسكان غزة الساعين للصمود تحت ظروف قاسية للغاية خاصة قبل قدوم موسم الشتاء الذي تتفاقم فيه الظروف أكثر.
ولفت إلى تدمير 70 بالمئة من موارد المياه، و75 بالمئة من المخابز في غزة، فضلا عن أن 95 بالمئة من المراكز الصحية تضررت جزئيًا أو كليًا.
وأكد أن تركيا تواصل أنشطتها الإغاثية الإنسانية للأشقاء الفلسطينيين منذ اليوم الأول.
وأفاد أن تركيا تعد الدولة الأكثر إرسالًا للمساعدات لغزة عبر مساعدات تجاوزت 60 ألف طن، وأوقفت تعاملاتها التجارية مع إسرائيل.
كما شدد أردوغان على وقوف تركيا إلى جانب لبنان شعبا وحكومة بعد تكثيف إسرائيل هجماتها ضده في الأيام الأخيرة.
وجدد أردوغان دعم تركيا للقضية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية، من أجل محاسبتها على الجرائم التي ارتكبتها.
وأكد أن تركيا ستتخذ جميع الخطوات اللازمة لضمان تحقيق العدالة في هذه القضية التي طلبت الانضمام لها.
وشدد أن تركيا تخوض جميع النضالات القانونية لكيلا تذهب سدى دماء الناشطة التركية الأمريكية عائشة نور إزغي إيغي التي قُتلت برصاص جنود إسرائيليين في رأسها، خلال مشاركتها في مظاهرة سلمية بمدينة نابلس.
وأشار إلى أنهم يتابعون عن كثب الهجمات المتزايدة على المسجد الأقصى، قبلة المسلمين الأولى.
وأردف: “أنا كطيب أردوغان، لا أتحدث بلغة حماسية من على هذه المنصة، إنني أتكلم هنا بالشجاعة التي اكتسبتها من تاريخي ومن موقف أسلافي الوجداني والعادل، لأننا أمة وقفت دائمًا إلى جانب المظلومين وضد الظلم والظالمين عبر التاريخ”.
وتابع: “لقد رحبنا باليهود الذين فروا من محاكم التفتيش قبل 500 عام، وباليهود الذين فروا من معسكرات الاعتقال التابعة لهتلر”.
وأضاف: “مشكلتنا هي مع سياسات المجازر التي تنتهجها الحكومة الإسرائيلية، مشكلتنا هي مع الظالمين والظلم، مثلما كانت قبل خمسة قرون”.
وأكد أن تركيا لن تتوانى عن الصراخ بالحقيقة، ولا تخشى البوح بالحقائق حتى لو انزعج البعض، وستواصل الوقوف إلى جانب المُحقّين حتى النهاية، وقول الحقيقية حتى لو كانت مؤلمة”.
وأعرب أردوغان عن شكره لجميع الشجعان، الذين يظهرون تضامنهم مع الشعب الفلسطيني، بغض النظر عن المعتقد أو البلد أو اللغة أو الدين، والذين يملؤون الشوارع كل أسبوع تقريبًا ويرفعون أصواتهم ضد المذبحة في غزة، وخاصة طلاب الجامعات.
– الطفلة الفلسطينية هند
وتطرق أردوغان إلى قصة الطفلة الفلسطينية هند رجب التي انتظرت المساعدة بعد استهداف إسرائيل السيارة التي كانت بداخلها مع أقاربها.
وقال: “انتظرت لمدة 12 يوما لكي يمد أحد يد العون لها، وعلى الرغم من المستوى الذي وصل إليه عالمنا والتكنولوجيا المتاحة لنا، على الرغم من منظماتنا ذات الميزانية الضخمة التي توظف الآلاف تحت سقفها، إلا أننا كأسرة مكونة من 8 مليارات شخص للأسف لم نتمكن من إنقاذ فتاة تبلغ من العمر 6 سنوات، عصفورة جريحة تكافح أمام أعيننا”.
– مكافحة الإسلاموفوبيا
وفي شأن آخر، أفاد الرئيس أردوغان أن تركيا تنتظر تعيين “ممثل خاص لمكافحة الإسلاموفوبيا” في الأمم المتحدة بأقرب وقت ممكن بموجب مشروع القرار المعتمد في 15 مارس/ آذار 2024.
وشدد على أن تركيا كما تعارض استهداف المسلمين بسبب معتقداتهم فقط فإنها تقف بنفس الشكل ضد معاداة السامية.