قلق متزايد تعيشه الكنيسة الفلسطينية بسبب انخفاض نسبة المسيحيين من سكان القدس إلى 1 بالمئة بعد أن كانت تشكل نحو 25 بالمئة عام 1922، وانحسر المسيحيون في أماكن محددة كالضفة الغربية وقطاع غزة ومدينة القدس الشرقية.
من جانبه يرى وديع أبو نصار، المتحدث باسم مجلس رؤساء الكنائس الكاثوليكية في الأراضي المقدسة، أن انخفاض الأعداد ناتج عن مزيج من الضغوط الاقتصادية، وانعدام الأفق السياسي، وأيضا الإجراءات الإسرائيلية.
وقال أبو نصار: “لا شك أن التحديات تزيد من كل حدب وصوب، سواء الوضع الاقتصادي غير المريح، ثم جاءت جائحة كورونا التي دمرت شبه المدمر، فلا يوجد سياحة أجنبية سواء في القدس أو مدينتي الناصرة وبيت لحم”.
وأضاف: “فضلا عن ذلك فإن الوضع السياسي يسير إلى المجهول، فلا توجد عملية سلام ولا أي أفق حل، وبالتالي هناك نوع من الضبابية التي تخيف الكثير من الناس، المسيحي وغير المسيحي على حد سواء”.
وأشار أبو نصار، إلى أنه دائما في حالات عدم الاستقرار فإن الأقليات العرقية أو الدينية تكون الحلقة الأضعف، وفي أحيان كثيرة ليس من الضرورة ان تستهدف وإنما وجودها في حالة عدم استقرار مستمر يجعل البعض يفكر بالهجرة.
وتابع: “هذا للأسف ما يحدث، فالمسيحيون في القدس كانوا عام 1922 نحو 25 بالمئة من عدد السكان، أما اليوم فهم أقل من 1 بالمئة”.
وأردف: “هذا الأمر مقلق لأننا نقول إن القدس مدينة للديانات الثلاث الإسلام والمسيحية واليهودية، وواحدة من هذه الديانات تكاد تختفي، وهذا عنصر قلق ليس فقط للمسيحيين وإنما أيضا لغير المسيحيين، ولكل إنسان يحب هذه التعددية في القدس”.
واستنادا إلى معطيات شبه رسمية إسرائيلية، فإنه في نهاية 2019، بلغ عدد سكان القدس، بشطريها الشرقي والغربي، 936 ألف نسمة، 62 بالمئة منهم (577 ألف نسمة) يهود، و38 بالمئة فلسطينيين (358 ألف نسمة).
ويوضح أبو نصار، أن أقل من 10 آلاف نسمة من عدد سكان القدس الفلسطينيين من المسيحيين.
وقال: “حسب التقديرات نحن نتحدث عن أقل من 10 آلاف مسيحي فلسطيني في القدس”.
وأشار إلى وجود حوالي 130 إلى 140 ألف مسيحي فلسطيني في إسرائيل، أما في الضفة الغربية وغزة فهناك 40 ألفا.
ويعزو أبو نصار، انخفاض أعداد المسيحيين أساسا إلى انعدام الأفق السياسي.
وبيّن أن الوضع السياسي غير مريح إطلاقا، فلا توجد مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين، ولا يوجد حتى أفق لحل سياسي.
ولفت أبو نصار، إلى أنه بالقدس تحديدا، الوضع أكثر تعقيدا لوجود نشاط استيطاني متزايد في الكثير من أحياء القدس الشرقية، وهذا ليس سرا، وهو يستهدف الكثير من الأماكن ويشمل المقدسات المسيحية.
وأشار إلى أن رؤساء الكنائس أبدوا قلقا من وجود نوع من التهديد للمسيحيين في القدس وأماكنهم المقدسة.
وقال “لا أريد التحدث عن النوايا بوجود تهديد مبطن أو غير مبطن، ولكن الوجود المسيحي قليل العدد، وعنده الكثير من التحديات، وبالتالي فإن أي تحد إضافي، حتى لو كان غير مقصود، تحدٍ كبير”.
وفي نهاية ديسمبر/كانون الأول الماضي، أصدر رؤساء الكنائس المسيحية في الأراضي المقدسة، بيانا، عن التهديد الحالي للوجود المسيحي في الأرض المقدسة.
وأفاد البيان، أنه في جميع أنحاء الأرض المقدسة، أصبح المسيحيون هدفا لهجمات متكررة ومستمرة من قبل جماعات متطرفة.
وأضاف منذ 2012، كان هناك عدد لا يحصى من الاعتداءات الجسدية واللفظية على الكهنة وغيرهم من رجال الدين، والهجمات على الكنائس المسيحية، مع تخريب الأماكن المقدسة بانتظام وتدنيسها، والتخويف المستمر للمسيحيين المحليين الذين يسعون ببساطة إلى العبادة بحرية وممارسة حياتهم اليومية.
وتابع رؤساء الكنائس، يتم استخدام هذه التكتيكات من قبل هذه الجماعات المتطرفة في محاولة منهجية لدفع المجتمع المسيحي إلى خارج القدس وأجزاء أخرى من الأرض المقدسة.
وأشار إلى استمرار محاولات الجماعات المتطرفة للحصول على ملكية استراتيجية في الحي المسيحي بهدف تقليص الوجود المسيحي، وفي كثير من الأحيان استخدام أساليب التخويف والمعاملات المخادعة لطرد السكان من منازلهم، لتقليص الوجود المسيحي بشكل كبير.
رؤساء الكنائس كانوا يشيرون إلى المحاولات المستمرة من جمعية “عطيرات كوهانيم” الاستيطانية الإسرائيلية لوضع اليد على 3 عقارات كبيرة لكنيسة الروم الأرثوذكس في البلدة القديمة بالقدس، بينها فندقي “امبريال” و”بترا”، في باب الخليل، المدخل الغربي الرئيسي للبلدة.
مصادرة أرضي الكنائس
ولكن في فبراير/شباط الماضي، بعد شهرين فقط من نشر الرسالة، تم الكشف عن مخطط لمصادرة أراضٍ تابعة للكنائس في جبل الزيتون بالقدس الشرقية، لتحويلها إلى “حديقة وطنية”.
ثم أعلنت وزارة البيئة الإسرائيلية عن تجميد المخطط بعد رسالة شديدة اللهجة من رؤساء الكنائس بالقدس.
وفي هذا الصدد، قال أبو نصار: “يوجد قلق كبير من أن تعدد المشاريع في مختلف أنحاء الأرض المقدسة، وليس فقط في القدس”.
وتابع: “يوجد قلق كبير (من مصادرة أراضي الكنائس) ومحاولة لمخاطبة الجهات الرسمية الإسرائيلية، وبعض الوزراء يتفهمون القلق”.
واستطرد “مثلا وزيرة البيئة تمار زاندبرغ، وعدت بوضع المخطط في جبل الزيتون على الرف، ولكن كلنا أمل ليس أن يوضع على الرف وإنما أن يُزال نهائيا، فنحن نريد إلغاء المخطط وليس فقط تجميده”.
وإلى جانب محاولات وضع اليد على ممتلكات كَنَسِيَّة، فإن السنوات الأخيرة شهدت العديد من الاعتداءات على ممتلكات كنَسيّة بالقدس والضفة الغربية وإسرائيل، في إطار ما يعرف بتدفيع الثمن، الذي طال أيضا مساجد وممتلكات لمواطنين فلسطينيين.
وقال أبو نصار، “لا شك أن بعض اليهود المتطرفين، بتقديري هم عشرات، يقومون بهذه الاعتداءات”.
واستدرك: “المشكلة ليست معهم فقط، وإنما هناك خلل، فنحن نتحدث عن عشرات عمليات العنف خلال السنوات الأخيرة من اعتداءات وانتهاكات، ففي منطقة جبل الزيتون تعاني الأديرة من انتهاكات واستفزازات شبه أسبوعية وخاصة أيام السبت”.
ويرى المتحدث باسم مجلس الكنائس، أن تكرار الاعتداءات يدل على خلل في التربية.
وأردف: “أنا لا مشكلة لدي مع الأغلبية العظمى من اليهود، ولكن هناك بعض العناصر المتطرفة التي يوجد من يغذيها”.
وأضاف “نحن لا نشعر بأن هناك جهد كافٍ للوصول إلى الجناة، فهناك الكثير من القضايا التي يتم إغلاقها وحتى في حال تقديم لائحة اتهام فإنها تكون هزيلة”.
وإزاء هذه الأوضاع والانخفاض المستمر في أعداد المسيحيين، أشار أبو نصار، إلى عدة خطوات تقوم بها الكنيسة لتثبيت المسيحيين بالقدس بشكل خاص، والضفة الغربية وإسرائيل بشكل عام.
وقال: “الكنيسة تعمل في 5 مناحي متوازية، المنحى الأساسي والأهم هو المنحى الإيماني، وأيضا المنحى المادي، فالكنيسة بإمكانياتها المتواضعة تبني مشاريع إسكان، خاصة في القدس الشرقية والضفة الغربية، لأن هناك الحاجة أكبر، والامكانيات المادية أقل”.
وتابع: “وثالثا المنحى الاجتماعي، فالكنيسة تهتم بجوانب اجتماعية”.
وأوضح أن المنحى الرابع فله طابع سياسي ديني، وهو ما نسميه صوت للعدالة بالمطالبة بحقوق الناس.
أما المنحى الخامس، وفق أبو نصار، فيتمثل في البعد الدولي، بمعنى أن الكنيسة تحاول أن تشرح للعالم من خلال الحجاج الذين يأتون أو من خلال الزيارات الخارجية لرؤساء الكنائس، أو بعض النشطاء في الكنائس، لشرح ليس فقط وضع المسيحيين، وإنما وضع الأرض المقدسة.