المحامون يصعدون احتجاجاتهم ضد قرارات عباس بشأن القضاء
تواصل نقابة المحامين الفلسطينيين، احتجاجاتها الرافضة لقرارات رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس التي تقيد استقلال القضاء.
وفي التاسع من شباط/ فبراير، شارك عشرات المحامين وقضاة سابقين في وقفة احتجاجية في في المجلس التشريعي في رام الله، رددوا فيها شعارات تدعو لحماية استقلال القضاء، وأعلنوا عن اعتصام مفتوح حتى يتم تلبية مطالبهم.
وقال رئيس نقابة المحامين الفلسطينيين، جواد عبيدات، لموقع “ميدل إيست آي”، إنه “لا يمكن تمرير هذا القانون دون رفض نقابة المحامين والاحتجاج عليه، لأنه تدخل واضح في القضاء”.
وانطلقت الحركة في مطلع سنة 2021 بعد إصدار عباس لثلاثة مراسيم رئاسية في 30 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لتعديل قوانين وإجراءات السلطة القضائية بطريقة تمنح للسلطة التنفيذية التي يرأسها، ومن يعينهم في مناصب قضائية عليا، صلاحيات واسعة لصنع القرار ذات تأثير بعيد المدى على القضاة والمحامين ووظائفهم ومستقبلهم.
دخلت المراسيم حيز التنفيذ في 11 كانون الثاني/ يناير، عندما وقع نشرها في الجريدة الرسمية قبل أربعة أيام فقط من الإعلان عن انتخابات المجلس التشريعي الفلسطيني.
بينما من المتوقع أن يتولى البرلمان الجديد مسؤولياته في أيار/ مايو، والذي سيكون لديه القدرة على إلغاء القوانين التي وقع تمريرها، فإن أعضاء نقابة المحامين الفلسطينيين، نظموا احتجاجات أمام المحاكم الفلسطينية في مدن مختلفة في الضفة الغربية المحتلة. كما أصدرت عدة مجموعات حقوقية بيانات استنكرت فيها هذه الخطوة واعتبرتها اعتداء على فصل السلطات داخل السلطة الوطنية الفلسطينية، وسلطت الضوء على غموض قرار إصدار المراسيم في وقت الانتخابات، داعية إلى إلغائها.
وأعربت الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في رام الله، والائتلاف الوطني لإصلاح وحماية القضاء عن قلقهما إزاء “صدور هذه القرارات في هذا الوقت بالذات، مع مناقشات حول إجراء انتخابات عامة وشيكة لأول مرة منذ 15 سنة، ما يشكل عقبة حقيقية أمام الحوار الوطني الفلسطيني”.
ووصف المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان في غزة، المراسيم بأنها تشكل “انتهاكا خطيرا لاستقلال القضاء في توقيت حساس للغاية”، في حين قالت مؤسسة “الحق” الحقوقية إنها تشكل “سابقة خطيرة تقضي على أسس نهج ديمقراطي سليم يقوم على مبدأ الفصل بين السلطات”.
ودعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان الاتحاد الأوروبي إلى مراجعة تعاونه مع السلطة القضائية التابعة للسلطة الفلسطينية، قائلا إن قرارات السلطة التنفيذية “انتهكت مبدأ الفصل بين السلطات الثلاث ومبادئ الحياد”.
طوال فترة تعليق المجلس التشريعي الفلسطيني، أصدر عباس عشرات القوانين بمراسيم، مما أثر على مختلف القطاعات وأثار شكوك العديد من فقهاء القانون الذين اعتبروها تحركات متعطشة للسلطة من جانب السلطة التنفيذية في ظل غياب مجلس النواب.
كان المجلس التشريعي الفلسطيني غير نشط منذ سنة 2007، وفي كانون الأول/ديسمبر 2018 قام عباس بحله بالكامل. وفي السنة التالية، حل الرئيس أيضا مجلس القضاء الأعلى واستبدله بمجلس القضاء الأعلى الانتقالي المؤقت الذي يتمتع بصلاحيات واسعة على القضاء والنيابة العامة، بما في ذلك القدرة على تعيين القضاة بشكل مباشر وعزلهم على جميع المستويات، وإحالتهم للتقاعد المبكر أو إعادة تعيينهم في مؤسسات الدولة.
في عام 2019، قام عباس بترقية قضاة محددين إلى المجلس الأعلى وأحال عشرات القضاة الآخرين إلى التقاعد المبكر وخفض سن التقاعد ليطبق على جميع القضاة باستثناء قضاة المجلس، ما أثارت هذه القرارات انتقادات حادة من منظمات المجتمع المدني والناشطين والقضاة في ذلك الوقت، الذين وصفوها بأنها “أوسع تدخل في القضاء في تاريخ السلطة الفلسطينية” و “احتكار غير مسبوق في صنع القرار من السلطة التنفيذية”.
في 12 كانون الثاني/ يناير، عين عباس عيسى أبو شرار، الذي يتجاوز عمره الثمانين سنة، رئيسين لمجلس القضاء الأعلى الانتقالي، وهو قرار رفضته نقابة المحامين، التي تعتبر المجلس غير شرعي لأن قضاته وقع تعيينهم بدلا من انتخابهم. كما قام عباس بترقية عدد من قضاة المحكمة الابتدائية لقضاة استئناف وأحال ستة إلى التقاعد المبكر.
وقع نقل بسام زيد، قاضي بالمحكمة الابتدائية في نابلس، للعمل في مؤسسة حكومية دون منصب أو مهام واضحة. وهو يعتقد أن هناك دافع خفي وراء القرارات الأخيرة التي صدرت بحجة الإصلاح.
وقال زيد: “ما حدث كان انتقاما شخصيا من مجموعة من القضاة رفضوا ما كان يحدث في القضاء من تدهور وانهيار النظام وسيطرة السلطة التنفيذية وتطفلها”.
وأشار إلى أنه “تم عزل جميع القضاة الذين رفضوا تجاوز السلطة التنفيذية للسلطة القضائية ونقلهم للعمل في مؤسسات الدولة بهدف إرساء أسس عزلهم بالكامل”.
ويرى رئيس اللجنة القانونية لنقابة المحامين، داود الدرعاوي، أن السلطة التنفيذية كانت تستفيد من تعليق المجلس التشريعي الفلسطيني طوال هذه السنوات، وقال إن القرارات الأخيرة أكدت محاولتها “استباق العملية الانتخابية أو التدخل فيها أو إبطال مفعولها”.
وتابع أن “غياب المجلس التشريعي الفلسطيني دفعنا للعيش في وضع استثنائي تحكمها الميول والطغيان والقمع. المجلس التشريعي هو بيت الشعب، والشعب وحده هو مصدر السلطات. ولا يمكن لأحد أن يتكلم باسم الشعب دون أن يأخذ منه الشرعية من خلال صناديق الاقتراع”.
وأضاف أن الحركة تتخذ موقفا لمقاطعة ليس فقط مجلس القضاء الأعلى، بل أيضا الهيئات المعدلة الأخرى مثل محاكم الاستئناف والمحاكم الإدارية.
وقال: “من غير المعقول أننا في القرن الحادي والعشرين، وسيكون هناك قانون يسمح لقاض منفرد بإصدار حكم بالسجن لمدة تصل إلى 15 عاما دون مداولات ودون حضور هيئة لضمان حق المتهم”.
وأضاف الدرعاوي: “في حين أن السلطة التنفيذية كانت تتعدى على القضاء لسنوات وتتدخل في عمليته ، فإن تقنين هذه الممارسات هو نقطة تحول، وهذه القرارات تحمل رسالة خطيرة للغاية للعملية الديمقراطية بأكملها، ولم تأت من فراغ في هذا الوقت”.