طوفان الكلمةمقالات

المرأة الفلسطينية على ثغري التربية والمقاومة

رانية نصر، باحثة وكاتبة / عضو هيئة علماء فلسطين / عضو الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين

نعيش اليوم عبق الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، ذلك الطوفان المبارك الذي انطلق للدفاع عن الحرمات والمقدسات، حيث أحيا الأمة من جديد وبعث فيها الروح بإحياء فريضة الجهاد. إن عزة الأمة بجهادها ووقوفها مع الحق في وجه الباطل ومحاربته، ومقاومة الاحتلال الغاصب.

إن حق الشعب الفلسطيني في العيش على أرضه بكرامة وعزة، ودفاعه عنها وعن مقدساته هو حق أصيل ومشروع تُقرّه قوانين الأرض قاطبة، فضلاً عن كونه حقًا شرعيًا وواجبًا دينيًا. فما شُرع الجهاد إلا للدفاع عن الحقوق، ومن يحد عن هذا الطريق فقد خسر خسرانًا مبينًا كما يقول سبحانه وتعالى في محكم التنزيل: (إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ).

لقد كان طوفان الأقصى مبعثًا للإيمان وروحًا للتجديد. فرغم شلال الدماء النازف منذ عام وعدد الشهداء والجرحى الهائل، إلا أنه أحيا أمة، كما يقول تعالى: (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا). وقد جدد الدماء النابضة بالقضية الفلسطينية في عروق الأمة بعد أن كادت تتلاشى تأثرًا بموجات التطبيع الثانية، وجهود الغرب في تصفية القضية، في ظل عجز العالم عن اتخاذ موقف حاسم، وخذلان القريب والبعيد.

وما كان لهذا الصمود المشهود وسط أبناء الطوفان ليكون لولا فضل الله على عباده، ولولا دور المرأة الفلسطينية التي ربت هذا الجيل على حبال القرآن، والعمل بأحكامه امتثالًا لأوامر الله عز وجل، وعلى رأسها الجهاد في سبيل الله.

لقد عززت المرأة الفلسطينية لدى أبناء هذا الجيل قيم العزة والكرامة، وعدم الرضوخ لعدو يتربص بهم ليكسر عزيمتهم، فهيهات هيهات أن ينال مراده حين يقف أمام رجال تربوا على هذه العقيدة المنبثقة من حب الله ورسوله، ذلك الجيل الذي يعرف تمامًا ماذا يريد وإلى أين يسير، ويُعظم قيمة الشهادة.

إن المرأة الفلسطينية، وهي أسطورة الصمود ونموذج الثبات والصبر، قادرة على تخطي المحن والابتلاءات مهما بلغت صعوبتها. فالمرأة الفلسطينية صُنعت في فضاء الأحداث والتحديات، واستجابتها لهذه التحديات زادتها صلابة وشدة، فكانت امرأة استثنائية، عاشت على ثغر التربية وثغر المقاومة والمواجهة تحت ظروف صعبة للغاية، صنعت منها حالة فريدة.

يمكننا القول إن المرأة الفلسطينية هي التي تدير الأحداث من خلف الستار، بوقوفها ذائدةً عن ثغر التربية القرآنية والجهادية، مُحدثةً نقلةً نوعيةً في المقاومة والصمود من خلال إعدادها لأبنائها. وخير ما يدل على ذلك أن معظم فتية الطوفان كانوا من حفظة القرآن.

ومن هذا المقام، نُحيي شموخ المرأة الفلسطينية وندعو حرائر المسلمين إلى الحذو حذوها في مسيرة الجهاد والرباط المقدس، وإلى مشاركتها في هذا الجهاد من خلال دعمها ومساندتها، وذكر قصص المجاهدات والمرابطات الفلسطينيات، ونقل معاناتهن والوقوف عليها في الدروس والمجالس والمواعظ.

فاليوم، كل امرأة مسلمة تقف على ثغر من ثغور الإسلام تستطيع أن تقدم الكثير، فالثغور كثيرة وأهمها ثغر التربية على القرآن والسنة والأخلاق والقيم، وثغر التثقيف بالقضية الفلسطينية، وثغر البذل والتشجيع عليه، وثغر العبادات والدعاء والتضرع إلى الله لكشف الضُّر وطلب النصر، وثغر المقاطعة الاقتصادية، وثغر الثقافة السياسية، التي لم تعد ترفًا بالنسبة للمرأة المسلمة، بل واجبًا لفهم الواقع ومجريات الأحداث المتسارعة يومًا بعد يوم.

لا بد أن يكون الحراك على بينة وهدى وبصيرة، فالعمل دون إدراك وفهم ونية خالصة لا يكتمل! وعليه، فإن ثغر الإعداد من أهم الثغور التي ترعاها المرأة المسلمة اليوم. فالله الله بما استأمننا عليه، وسنلقاه به! فالله الله في حمل الأمانة بحقها وواجبها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى