المسلوخي يحذر السلطة الفلسطينية من التفريط بالإنجاز التاريخي في المحكمة الجنائية

أكد المحامي والباحث القانوني، معتز المسلوخي، أن “قرار المحكمة الجنائية الدولية، يعدّ نقطة تحول مفصلية في مسيرة العدالة الدولية، ويؤذن ببداية حقبة جديدة مبشرة بسيادة القانون، ويعكس إرادة دولية حقيقية وجادة في ملاحقة مجرمي الحرب الصهاينة”.

وأوضح المسلوخي، في حديث خاص لـ”قدس برس”، أن “أهمية القرار تكمن في أنه مهد الطريق وفتح الباب على مصراعيه لملاحقة ومقاضاة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية، وذلل كافة الصعاب والمعوقات القانونية التي كانت تحول دون ذلك”.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، الجمعة، “قرارا بموافقتها علي التحقيق في جرائم حرب محتملة من قبل الاحتلال الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وقررت أن اختصاصها يمتد إلى الأراضي التي يسيطر عليها الاحتلال الإسرائيلي منذ حرب الأيام الستة عام 1967”.

أهمية القرار
وعن أهمية قرار الجنائية الدولية، شدد أنه “قد يفضي في النهاية لإدانة مجرمي الحرب الصهاينة من قادة عسكريين وسياسيين ومستوطنيين وملاحقتهم وإصدار مذكرات توقيف بحقهم، والزج بهم في السجن، وما يتبع ذلك من إلزام دولة الاحتلال الاسرائيلي بسداد تعويضات مالية كبيرة لأسر الضحايا الفلسطينيين”.

كما يؤكد على الوضع القانوني للضفة الغربية وغزة والقدس، بوصفها أراض فلسطينية ما زالت محتلة، وأن سيادة “إسرائيل”، القوة القائمة بالاحتلال على هذه الأراضي، مؤقتة، بحكم الأمر الواقع على الرغم من إبرام اتفاقات أوسلو والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة.

وأشار إلى أن القرار يدحض الادعاءات والحجج الإسرائيلية والأمريكية كافة، التي تطعن في عضوية دولة فلسطين في المحكمة الجنائية الدولية، وتعتبر الإجراءات التي تمارسها، فيما يتعلق بالمحكمة إجراءات غير قانونية.

اختراقات مهمة

ويرى الباحث القانوني أن القرار أحدث عدة اختراقات مهمة لصالح القضية الفلسطينية، فهو أكد على انطباق اتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين وقت الحرب المؤرخة في 12 آب /أغسطس لسنة 1949 على الأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس.

كما أكد على حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير والاستقلال في دولته الفلسطينية على الأراضي المحتلة منذ العام 1967، إذ استشهدت الدائرة التمهيدية في المحكمة بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة في رقم 67/19 الصادر في 29 نوفمبر 2012، والذي قرر منح فلسطين مركز دولة غير عضو لها صفة مراقب قي الأمم المتحدة.

كما يعد “إعلانا لبطلان قرارات الضم الإسرائيلية للأراضي الفلسطينية المحتلة، بما فيها قرار الاحتلال بضم مدينة القدس وفرض سيادته القانونية عليها وإعلانها عاصمة موحدة لهم وبالتبعية، وبطلان اعتراف الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترمب، بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني ونقله سفارة بلاده إليها، وكذلك بطلان قرار مجلس الشيوخ الأمريكي الأخير، بتاريخ 5 شباط /فبراير، الإبقاء على سفارتهم في القدس، باعتبارها عاصمة لدولة الاحتلال الاسرائيلي”.

رسالة قوية وحازمة
و”بالإضافة إلى ما سبق بيانه، فإن القرار يمثل في جوهره رسالة قوية من أهم هيئة جنائية دولية، ورداً شرعياً وحازماً على الحملة الدبلوماسية والإعلامية التي تشنها الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني الذين شككوا مشروعية المحكمة ونزاهتها واستقلاليتها واتهموها جزافاُ، بأنها مسيسة وتم تهديدها علانية من قبل ترمب، والذي أصد قرارا تنفيذياً بعقوبات على قضاتها ومدعيتها العامة واستهداف أملاكهم ومنعهم من دخول الولايات المتحدة، إذا لاحقوا أميركيين أو إسرائيليين”، بحسب المسلوخي.

وأردف، “هذا ما يجعل دولة الاحتلال الإسرائيلي والولايات المتحدة الأمريكية يعارضان القرار، حتى وصل الأمر برئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، أن يصرح ويصف القرار بمعاداة السامية، وهذا يعكس حجم الأزمة والصدمة التي يعيشها قادة الاحتلال خوفا من الملاحقة الجنائية الدولية”.

وتابع: “ناهيك عن تأثير ذلك على الصورة الذهنية الكاذبة لإسرائيل وتسويقها في الغرب والمحافل العالمية والدولية، بأنها واحة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، ويكشف عن صورتها الحقيقية كاحتلال استعماري إجرامي اقتلاعي ارتكب جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية وتطهير عرقي وإبادة جماعية ضد الشعب الفلسطيني”.

إرادة فلسطينية
وأكد “المسلوخي” أن المرحلة اللاحقة بعد بداية التحقيقات من قبل مكتب المدعية العامة، ستشهد جمع الأدلة وتقديم الدعاوى والشهادات، ولكن هذا يحتاج إرادة سياسية حقيقة من القيادة الفلسطينية، التي تمسك بزمام السلطة، وتسخير الامكانيات والتسهيلات والتعاون المطلوب مع المحكمة وفرق التحقيق لتحقيق ذلك.

وحذر “المسلوخي” من محاولات الاحتلال تسييس قرارات المحكمة الجنائية لاحقا، نتيجة ضغوط أمريكية وإسرائيلية متوقعة، “إذ قد تسعى القيادة الفلسطينية الحالية وحتى بدون ضغوط أمريكية أو اسرائيلية لاستخدام ملف المحكمة الجنائية كورقة تفاوضية لتحقيق مكاسب سياسية، فيما يسمى العملية السلمية واستكمال نهج أوسلو في التفريط بحقوق شعبنا الفلسطيني”.

وشدد أن اللجنة القانونية في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، تؤكد بأن “دماء شهدائنا وآلام جرحانا وعذابات أسرانا ومعاناة شعبنا الفلسطيني اليومية لا يجب أن تكون بأي حال من الأحوال محل مساومة أو مفاوضات ومقايضة رخيصة، ومهما كانت الظروف والضغوط السياسية لا يجب التفريط بملف المحكمة الجنائية الدولية أو عرقلته أو التنازل عنه مما سيؤدي لافلات مجرمي الحرب الاسرائيليين من العقاب”.

وشدد على أن القيادة الفلسطينية وبكل وضوح مطالبة بالتمسك المطلق بهذا الإنجاز التاريخي، “كحق أصيل لأبناء شعبنا الفلسطيني المقاوم والصامد منذ أكثر من سبعة عقود، وأن ترفض أن يكون هذا الشأن محل تفاوض أو مقايضات أو مساومات سياسية مهما كان حجم المكاسب السياسية والمالية المعروضة أو المرتقبة”.

وأضاف، “قيادة السلطة عليها مسؤولية قانونية وأخلاقية ووطنية بالمضي قدماً في محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين دون هوادة ودون الخضوع لأي ضغوط أو إغراءات سياسة أو مالية، وعليها مسؤولية كبيرة ومباشرة في تسخير الإمكانيات والموارد المالية والعلمية والقانونية والإعلامية والدبوماسية والاستفادة من وفرة الكفاءات العلمية لأبناء شعبنا الفلسطيني في الخارج خاصة في الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية وول العالم الأخرى”.

وحذر “المسلوخي”، أنه “في حال تم رصد أي نية أو مؤشرات لأي تواطؤ أو تفريط، سيكون أبناء شعبنا الفلسطيني لهم بالمرصاد وسيسجلهم التاريخ كخونة ومتاجرين بدماء أبناء شعبهم ومفرطين بتضحياته وآلامه ومضيعين لمستقبله وحلمه في التحرر والاستقلال والعودة لفلسطين المحتلة”.

وختم حديثه لـ”قدس برس” بقوله: “على الرغم من كون القرار، جاء متأخراً، وبعد أكثر ست سنوات من بدء الدراسات الأولية التي باشرتها المدعية العامة في المحكمة الجنائية الدولية للحالة في فلسطين منذ 16 كانون أول / يناير 2015ـ إلا انه يعد قراراً تاريخياً وانتصاراً قانونياً كبيراً للشعب الفلسطيني ولجميع الأحرار في العالم”.

Exit mobile version