رانية نصر – باحثة دكتوراة في الإعلام السياسي
حدّثَتنا أخت كريمة كيف أنّ السّلطات الإسرائيلية منعتهم من الخروج من الضفة الغربية إلى الأردن وكانت تعتزم زيارة أهلها حيث لم ترهم منذ فترة طويلة، وبعد جهود طويلة ومحاولات عديدة جاء الرد بالرفض النهائي بل وباستحالة خروجهم من الضفة لأسباب أمنية.
وبعد عدة أيام تقابل أحد أقرباء هذه الأخت مع جارهم الصهيوني في المصعد ودار بينهم حوار وِدّي عَلِم فيه الأخير الظروف التي تمر به العائلة من صعوبة الخروج من الضفة إلى الأردن، فقال الصهيوني للفلسطيني لا عليك أنا سأعمل على حل الإشكالية لكن قل لقريبتك أن تذهب في اليوم التالي إلى المكان الفلاني لتأخذ تصريح الخروج.
لم يكترث كثيراً قريب هذه السيدة لما قاله الصهيوني لعدم ثقته بما يقول؛ حيث إن الأمر كان معقداً جداً!
وفي اليوم التالي طرق الصهيوني الباب على جيرانه الفلسطينيين وسأل الرجل لماذا لم تذهب قريبتك إلى المكان الذي أعطيتك عنوانه؟؟ فتفاجأ الرجل وقال لم آخذ الموضوع على محمل الجد، فرد عليه الصهيوني قائلاً: دعها تذهب غداً فهم في انتظارها لإعطائها التصريح.
وبالفعل ذهبت هذه السيدة إلى المكان الذي حدّده الصهيوني ووجدتهم في انتظارها وقد أعطوها تصريح الخروج إلى الأردن..
وعندما أخبرت قريبها بأنها قد حصلت بالفعل على التصريح أصابته الدهشة والصدمة، وتوجه على الفور إلى بيت جاره الصهيوني ليشكره على هذه الخدمة العظيمة ولكن ” فش إشي ببلاش غير العمى والطراش”!!
فقال الصهيوني: إذا أردت أن تشكرني فلن تستطيع ذلك إلا بطريقة واحدة، فسأله وكيف ذلك؟ فأجابه: أنا أريد أن أجرب أكلة “المْسَخَّنْ” المشهورة عندكم، بل وأريد أن تقولوا لي كيف تقومون بإعداد هذه الوصفة اللذيذة، فرد الفلسطيني: “بس هيك؟ تكرم”.
وبالفعل قاموا بإعداد مأدبة فخمة من “المْسَخَّنْ” ووصفوا له طريقة عمل المسخن .. وبعد الانتهاء أخبرهم بأنه يقوم بإعداد رسالة الدكتوراة في أكلة المسخن على أساس أنها من التراث اليهودي .. انتهت القصة
هي قصة قصيرة لكنها تشرح لنا حال الفلسطينيين مع العدو الصهيوني منذ عام 1948 وما قبل هذا التاريخ، وتختزل بين ثناياها حال الدول العربية مع الغرب وسياسة الخداع والمؤامرات التي ترجمتها معاهدة سايكس بيكو ووعد بلفور وإتفاقية أوسلو، والأدهى والأمرّ من ذلك كله أن هذه الحِيَل كانت وما زالت تنطلي على البعض، ومن هذا التزييف والخداع أكذوبة شعب الله المختار والجيش الذي لا يهزم ونقاء العرق، كلها بروباجندا إعلامية وظّفوا لها جيوشاً إعلامية لتمرير الرواية الصهيونية المزيفة والمُلفّقة، فتراثنا يُسرق بكل فجاجة وبجاحة ووقاحة، حتى أنهم يحاولون الترويج الآن لنسب الثوب الفلسطيني على أنه من تراثهم وتاريخهم؛ فهيهات هيهات لهذه الشرذمة التي جاءت من كل بقاع الأرض أن يجمعهم تراث أو توحدهم ثقافة أو تؤلفهم عادات وتقاليد، سيظلون قطيعاً تائهاً يرعب أمنهم أصغر طفل فلسطيني يصدح بقول الله أكبر.
نطالب نحن كشعب فلسطيني له تاريخه الطويل والعريق المنظمات الدولية بحماية قانونية لتراثنا الثقافي، وتشريع عقوبات دولية على من يحاول سرقة تاريخ شعب كامل بكل عنجهية وصفاقة، فسرقة التراث والتاريخ لا يقلان أهمية عن سرقة الأرض.
رانية نصر