“بالمدرعات والسلاح”.. قراءة في إغلاق مكتب الجزيرة برام الله وتداعياته

د. فايد أبو شمالة إعلامي وكاتب سياسي

الصورة التي شاهدها العالم عبر شاشة الجزيرة، بعد منتصف الليل وقبيل فجر الأحد، يجب أن تبقى محفورة في الأذهان، لما تحمله من دلالات ورسائل هامة. جنود الاحتلال الإسرائيلي، مدججون بالسلاح، يقتحمون مكتب قناة الجزيرة، أحد أبرز المؤسسات الإعلامية في العالم، ويحيطون بالصحفي وليد العمري، المخضرم الذي اعتاد الحياة تحت الاحتلال، وهو يبث مباشرةً ما يجري. برباطة جأش، واجه العمري الجنود وهم يبلّغونه بقرار إغلاق المكتب ومصادرة المعدات، بينما كان فريق الجزيرة يغطي تطورات المعركة الدائرة بين الاحتلال الإسرائيلي وحزب الله، والتي شهدت حينها إطلاق عشرات الصواريخ نحو شمال فلسطين المحتلة.

المثير للسخرية أن مكتب الجزيرة في رام الله يقع على بعد أكثر من 130 كيلومترًا من مسرح العمليات العسكرية، فلماذا استدعى الأمر حضور هذا الكم من الجنود والمدرعات؟ وكيف تمكنت قوات الاحتلال من اختراق مدينة رام الله، التي تصنف وفق اتفاقيات أوسلو كمنطقة “أ” تحت السيادة الفلسطينية؟ الاقتحام يُبرز استهانة الاحتلال بالاتفاقيات الدولية، إذ تتكرر الاقتحامات دون أي تنسيق مع السلطات الفلسطينية، في تجاوز فاضح لكل القوانين.

العلاقة المتوترة بين الاحتلال وقناة الجزيرة ليست وليدة اللحظة، فقد سبق لحكومة نتنياهو أن أصدرت قرارات بإغلاق مكاتب القناة ومنع مراسليها من العمل داخل إسرائيل. لكن اقتحام مكتب رام الله تحديدًا يحمل دلالات أعمق. فمن المؤكد أن موظفي الجزيرة لا يشكلون تهديدًا لقادة الاحتلال العسكريين، ولا يمثل المكتب خطرًا على خططهم الحربية. الهدف الحقيقي يبدو أنه إغلاق قناة توصل للعالم الحقيقة عن مجريات الأحداث، وتقديم تغطية احترافية في وقت حساس.

تساؤلات كثيرة تثار حول توقيت وحيثيات هذه العملية. لماذا يُقلق الاحتلال وجود صحفيين قادرين على إيصال الأخبار الحقيقية، وجمع المعلومات، وبثها للعالم؟ وما الذي يزعجهم في تغطية القناة للأحداث منذ بداية “طوفان الأقصى”؟ الجزيرة كانت دائمًا تقدم تقاريرها بحرفية ومهنية، منذ تأسيسها قبل ثلاثة عقود، ولم يتغير شيء في سياستها التحريرية أو طريقة تغطيتها للأحداث.

القرار الذي صدر بحق الجزيرة وطريقة تنفيذه، يكشفان عن تجاهل تام للواقع السياسي في الضفة الغربية، وإسقاط لأي اعتبار لوجود السلطة الفلسطينية، التي منحت مكتب الجزيرة ترخيصه. طريقة تنفيذ هذا القرار تعزز فكرة أن الاحتلال يعتبر الضفة الغربية بكاملها منطقة خاضعة لسيطرته العسكرية المباشرة، وتنسجم مع تصريحات نتنياهو وخطاباته التي تلغي وجود الضفة من الخريطة لصالح مصطلحات استيطانية مثل “يهودا والسامرة”.

هذا الإجراء قد يكون خطوة أولى في خطة أكبر لضم الضفة الغربية بالكامل، وإنهاء وجود السلطة الفلسطينية، خصوصًا في ظل تصريحات وزراء حكومة نتنياهو المتطرفين. وربما يخشى الاحتلال من تغطية الجزيرة لما قد يصاحب هذه العملية من مجازر وجرائم حرب، والتي قد تؤدي إلى ردود فعل عالمية وتحرك ضد إسرائيل في المحاكم الدولية.

Exit mobile version