غزة/ يحيى اليعقوبي
من فوهات الراجمات والبنادق المتأهبة، ومن تحت الأرض وفوقها وسمائها، انطلق قرار قيادة القسام ببدء المعركة، ليتفجر “الطوفان” قبل أن تشق خيوط الشمس غيوم السماء في يوم السبت، 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. هذا التاريخ وُلِد ليُخلد مرة أخرى، وتوالت رشقات الصواريخ القسامية المحملة بغضب جهنمي يحرق دولة الاحتلال.
لساعة كاملة، لم تتوقف الصواريخ التي انطلقت من جميع محافظات قطاع غزة، متسابقة للوصول إلى أهدافها في المستوطنات المحاذية للقطاع، وامتدت إلى بئر السبع وعسقلان وتل أبيب والقدس، حاملة معها آمال التحرير، ومحملة بنسمات النصر في صباح خريفي بارد.
استيقظ المستوطنون مفزوعين، ليتفتح أمامهم مشهد الدخان المتصاعد من سياراتهم وبيوتهم المحترقة. ولكن الدهشة كانت أعظم عندما رأوا مركبات أبناء القسام تصل إلى “سديروت” ونحو 50 موقعاً إسرائيلياً محيطاً بقطاع غزة حيث دارت المعارك.
الذهول سيطر على الفيديوهات التي نشرها المستوطنون، وهم يوثقون تجول أبناء المقاومة داخل المستوطنات والكيبوتسات. أصواتهم اللاهثة وقلوبهم المذعورة عكست حالة الخوف التي عاشوها، بينما انهالت صواريخ المقاومة على كل شبر في دولة الاحتلال.
القبة الحديدية ودور المتفرج
وقفت القبة الحديدية عاجزة أمام عنفوان الصواريخ الفلسطينية، ولم تستطع إلا أن تراقب، غير قادرة على التصدي للثأر الذي أطلقته المقاومة، ولا لدموع أمهات الشهداء وآهات الأسرى.
شرق القطاع، تحطمت الدبابات الإسرائيلية الأكثر تحصيناً في العالم تحت ضربات المقاومة. لم تتحرك دبابات أخرى أمام الهجوم المباغت الذي استهدف الجنود داخلها. ولأول مرة، حلق سرب من “صقور” المقاومة في سماء المعركة، مع مظلاتهم التي تجاوزت كل الجدران والعوائق التي نصبها الاحتلال شرق غزة.
داخل غزة، احتفل الأهالي بفرحة لا توصف، وهي فرحة لم تحلم بها القلوب التي تشوقت لطيف التحرير. مشاهد المقاومين داخل المستوطنات، وهم يجوبون بدراجاتهم النارية والمركبات العسكرية، كانت لحظات خيالية تحولت إلى واقع ملموس.
شمعة أمل في السجون
داخل سجون الاحتلال، كبّر الأسرى وسجدوا لله، مع توالي أنباء أسر جنود الاحتلال. أعادت المقاومة إشعال شمعة الأمل، كما فعلت في عام 2014، حين أسرت أربعة جنود إسرائيليين.
الأسرى باتوا يترقبون نسائم الحرية، مدركين أن المقاومة التي وضعت ملفهم على سلم أولوياتها هي وحدها القادرة على تحقيق أحلامهم بالخروج من خلف القضبان.
نصر تاريخي
في القطاع، صدحت مآذن المساجد بتكبيرات النصر، وزفت شهداء المقاومة الذين حملوا حلم العودة إلى الديار، وعبَروا السياج الفاصل بأجسادهم وأرواحهم، ليكتبوا بدمائهم ملحمة ستظل محفورة في تاريخ فلسطين.
المقاتلون، الذين وصلوا إلى “سديروت” وساحات أخرى، ركبوا الدراجات النارية والمركبات، وهبطوا من الجو بالمظلات، واشتبكوا مع جنود الاحتلال في معارك ضارية. دماؤهم روت تراب فلسطين، ليظل حب الوطن محفوراً في ذاكرتها.
وتزامن عبور المقاومة للسياج الفاصل في السابع من أكتوبر مع ذكرى عبور الجيش المصري لخط “بارليف” في حرب أكتوبر، ليسجل المقاومون نصراً جديداً على الاحتلال، وهزيمة لن تُمحى من ذاكرة الأجيال القادمة.