يخشى الفلسطينيون في مدينة القدس الشرقية فقدان أجزاء واسعة من أراضيهم وعقاراتهم، بعد إطلاق حكومة الإسرائيلي الإسرائيلي تطبيق “إعلان تسوية الأراضي” في المدينة.
ويعزو الفلسطينيون مخاوفهم إلى عدم وجود إثباتات بممتلكاتهم، أو وجود بعض أصحاب الحصص بالأراضي والعقارات خارج المدينة، والذين تعتبرهم إسرائيل “غائبين” تجيز لنفسها مصادرة أراضيهم.
كما أنه سيترتب على تسجيل الأملاك دفع ضرائب باهظة للحكومة الإسرائيلية على ممتلكات في مدينة محتلة.
وفي 19 مارس/ آذار 2018، أعلنت وزيرة العدل الإسرائيلية السابقة إيليت شاكيد، البدء بتسوية وتسجيل الأملاك في مدينة القدس الشرقية.
يقول زكريا عودة، منسق الائتلاف الأهلي لحقوق الفلسطينيين في القدس (غير حكومي): “في حينه قالت شاكيد إن من شأن هذه الخطوة تعزيز ما سمّتها السيادة الإسرائيلية على القدس وإجبار الفلسطينيين في المدينة على دفع ضرائب”.
ويضيف: “ننظر بخطورة بالغة إلى إطلاق الحكومة الإسرائيلية هذه الخطوة، لأنه سيكون من شأنها وضع يد حارس أملاك الغائبين الإسرائيلي وصندوق أراضي إسرائيل على مساحات واسعة من أراضي المدينة وعقاراتها”.
رؤية إسرائيلية.. وثغرات
وقال “الائتلاف الأهلي”، في تقرير تلقت الأناضول نسخة منه، إن “الدائرة الإسرائيلية لتسجيل الأراضي أعلنت مؤخرا عن بدء العمل في بعض الأحياء الفلسطينية بالقدس الشرقية، ومنها بعض الأحواض في بيت حنينا وصور باهر والشيخ جراح والعيساوية والطور”.
وأردف: “إن اختيار تلك الأحياء أو المناطق للبدء فيها ليس بمحض الصدفة، بل بناء على رؤية إسرائيلية ووجود ثغرات في تلك المناطق تساعد سلطة الاحتلال على مصادرة كمية كبيرة من الأراضي، وخاصة من خلال تطبيق قانون أملاك الغائبين أو وجود مستوطنات في المنطقة أو عدم وجود أية تسوية خلال الإدارة الأردنية”.
ويخشى الفلسطينيون بشكل أساسي من وضع إسرائيل اليد على أملاكهم بحجة أن أصحابها غائبون.
قوانين.. أم أدوات للسيطرة؟
وقال المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل “عدالة” (غير حكومي)، إن القانون الذي أقره الكنيست عام 1950 “يعرّف من هُجّر أو نزح أو ترك حدود دولة إسرائيل حتى نوفمبر/ تشرين الثاني 1947، خاصةً إثر الحرب، على أنّه غائب”.
وأضاف أن كل أملاك الغائب، بما يشمل الأراضي، والبيوت وحسابات البنوك وغيرها، تعتبر “بمثابة أملاك غائبين تنقل ملكيّتها إلى دولة إسرائيل، ويديرها وصيّ من جانب الدولة”.
ورأى أن “قانون أملاك الغائبين هذا هو الأداة الأساسية لدى إسرائيل للسيطرة على أملاك اللاجئين الفلسطينيين، وكذلك أملاك الوقف الإسلامي في الدولة”.
وفي هذا الصدد، يقول عودة إن “التقديرات المتوافرة لدينا تشير إلى أن مساحات واسعة مسجلة بأسماء أشخاص يقيمون خارج مدينة القدس”.
ويتابع: “بالتالي، فإنه في حال إجراء عمليات حصر إرث، فإن الحكومة الإسرائيلية ستعتبر هذه الأملاك على أنها أملاك غائبين، وستقوم بتسجيلها باسم ما يسمى بحارس أملاك الغائبين الإسرائيلي أو دائرة أراضي إسرائيل”.
ويوضح أن “إسرائيل صادرت منذ 1967 أكثر من 35 بالمئة من مساحة القدس الشرقية لإقامة مستوطنات عليها، وفي حال تنفيذ عملية تسجيل أراضٍ في المدينة، فإنه سيتم تسجيل الملكية نهائيا باسم الحكومة الإسرائيلية”.
ويبين أن “هناك أيضا خلافات بين أصحاب الأراضي الفلسطينيين أنفسهم حول الملكية، وسيكون من الصعب جدا تجميع كل الورثة من أجل تسجيل قطعة أرض أو عقار”.
“تاريخ” من وضع اليد “الإسرائيلية”
يشير عودة إلى أنه “ما بين أملاك غائبين وخلاف على الملكية، فإننا نخشى أن تضع الحكومة الإسرائيلية يدها على مساحات واسعة من الأراضي والعقارات”.
ويُذكّر بأنه في فترة الأردن ما قبل عام 1967، تم تسجيل طابو (سند ملكية) نحو 5 بالمئة من الممتلكات في مدينة القدس الشرقية.
ويزيد: “منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي قبل 53 عاما، لم يتم تسجيل أي أرض وعقار في المدينة”.
واعتبر “الائتلاف الأهلي” أن “سياسة تجميد تسوية الأراضي في مدينة القدس خلال السنوات الخمسين من الاحتلال قد سهلت عملية مصادرة الأراضي في نهاية الستينات وبداية السبعينات”.
ويلفت عودة إلى أنه “إضافة إلى مخاوف وضع اليد على الأملاك من خلال قانون أملاك الغائبين، فإن عملية التسجيل بحد ذاتها مكلفة جدا وستتطلب من المواطنين دفع ضرائب باهظة قد لا يكون الكثيرون قادرين على تحملها”.
ويكمل: “كما أن غياب وضوح الملكيات بسبب تعدد الورثة سيسبب مشكلة، وقد يعكس بنفسه سلبا على حقوق المواطنين خلال عمليات تسجيل الأراضي”.
مخاطر.. وصعوبات
وفي هذا السياق، يرى زياد الحموري، مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية (غير حكومي)، أن “مخاطر الخطوة الإسرائيلية كبيرة على الأراضي والعقارات في المدينة المحتلة، ولكن بشكل خاص هناك مخاوف من الاستيلاء على الأراضي والعقارات تحت مبرر ما يسمى بقانون الغائبين”.
ويقول الحموري، إن “السكان قد يواجهون صعوبات في إبراز سجل الملكيات أو عدم القدرة على دفع الضرائب الباهظة المطلوبة لإتمام عملية التسجيل”.
لكن عودة يشير إلى أنه “في حال مرور فترة زمنية معينة دون التقدم لتسجيل أراضٍ وعقارات، فإن الحكومة الإسرائيلية قد تدعي أن لا أصحاب لهذه الأراضي والعقارات، وتقوم بمصادرتها”.
ويعتبر أن “العملية شائكة وخطيرة، إذ إن على الناس أخذ الحيطة والحذر في التعامل مع الموضوع واستشارة جهات قانونية وحقوقية ورسمية قبل الإقدام على التسجيل”.
رفض فلسطيني.. للمشروع
وكان “الائتلاف الأهلي” حث المقدسيين على “حل الخلافات بين سكان الأحياء حول الأملاك المتنازع عليها، وإيجاد آلية لمواجهة قانون الغائبين”.
والأحد الماضي، قررت الرئاسة الفلسطينية بعد سلسلة اجتماعات شملت الجهات الرسمية في منظمة التحرير، وكل اللجان المكلفة بمتابعة شؤون القدس، وبمشاركة وزارة الخارجية، رفض مشروع “التسوية الإسرائيلي في مدينة القدس المحتلة”، عدم الاعتراف به.
ودعت الرئاسة “أبناء شعبنا في مدينة القدس المحتلة، إلى عدم التعاطي مع ما يسمى مشروع التسوية الإسرائيلي، لأنه يمثل جزءا خطيرا من المخطط الاستعماري الإسرائيلي لضم المدينة المقدسة، والذي يجري تنفيذه تحت عنوان “القدس العاصمة الموحدة لإسرائيل”.
وأعلنت أنه “سيتم تكليف لجنة عليا لمتابعة هذه القضية الخطيرة، حفاظا على الموقف الفلسطيني الموحد، ومنع المخاطر المترتبة على تنفيذه”.
وحذرت من أن هذا المشروع سيكون بمثابة مقدمة للاستيلاء على عقارات المواطنين، بذريعة ما يسمى “قانون أملاك الغائبين”، مجددة تأكيد أن القدس الشرقية هي عاصمة دولة فلسطين الأبدية بمقدساتها، وتراثها، وفقا لقرارات الشرعية الدولية والقانون الدولي.
ويدعو عودة، المجتمع الدولي والمؤسسات الحقوقية الدولية إلى “التحرك لوقف هذه الممارسات والمخططات الإسرائيلية”.
ويقول: “القدس مدينة محتلة، ولا يجوز لدولة الاحتلال استخدام تسوية الأراضي لتمرير مصادرات، فالقدس، بإجماع المجتمع الدولي هي قضية مفاوضات، إضافة إلى التمسك بحل الدولتين”.
ويختم: “يجب عدم السكوت على هذا الإجراء الأحادي الإسرائيلي الذي من شأنه أن يلغي أي فرصة لأن تكون القدس الشرقية عاصمة للدولة الفلسطينية المستقبلية”.