قال كاتبان إسرائيليان إن “الزحف الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية بعد ربع قرن من توقيع اتفاق أوسلو، يدمر ما تبقى من الاتفاق، ولم يعد ما تشهده الضفة الغربية بين الفلسطينيين والمستوطنين صراعًا على دونم أرض ومجموعة مواشي، بل عودة إلى عدم الاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، حتى في الجيوب التي يقل حجمها الإجمالي عن نصف الضفة الغربية”.
وأضاف درور إتكيس ويهودا شاؤول في مقالهما على موقع “محادثة محلية” ترجمته “عربي21” أن “الزحف الاستيطاني الإسرائيلي يحدث في الميدان، أو بشكل أكثر دقة في المناطق الفلسطينية دون الحاجة لإعلان تنفيذ خطة الضم وفرض السيادة وتطبيق القوانين الإسرائيلية، وكأن إسرائيل تلغي بأذرعها المختلفة، الرسمية وغير الرسمية، ما تبقى من اتفاقية أوسلو التي وقعتها مع منظمة التحرير الفلسطينية قبل 27 عامًا”.
وأشار الباحثان في شؤون الاستيطان بالضفة الغربية، ومن مؤسسي منظمة “كسر جدار الصمت”، إلى أنه “من أجل التعرف على التغيير بالضفة الغربية، يجب تجهيز خرائط من نوعين: تاريخي يدرس العمليات طويلة المدى؛ وجيو-سياسي تحددت فيه أحرف أ، ب، ج، التي تميز مختلف مناطق السيطرة بالضفة، مع أنه بعد أشهر قليلة من احتلال الضفة في 1967، استثمرت إسرائيل موارد كبيرة للتقليل من خطر قيام دولة فلسطينية”.
وأكدا أن “هذه الاستراتيجية المتطرفة للسياسة الإسرائيلية حتى أيام مؤتمر مدريد واتفاقات أوسلو، جاء بدلا منها استراتيجية تفاوض وتسوية، وهو تغيير تبين فيما بعد أنه قصير العمر، رغم أنه بتوقيع اتفاق أوسلو تخلى إسحاق رابين عن محاولة إحباط إنشاء كيان سياسي فلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة، وبدأ بالمساومة على نطاقه وحدوده المستقبلية ومساحة المناورة السيادية التي سيكسبها: دولة أو “دولة ناقصة”.
وأوضحا أنه “رغم أن الاتفاقية المؤقتة الموقعة في سبتمبر 1995 لم تحدد الوجهة النهائية للطريق، إلا أنها حددت اتجاهاً واضحاً، فقد أنشأت في البداية ثلاث مناطق إدارية، وذكرت أن الجانبين اتفقا على أن الضفة الغربية وقطاع غزة، باستثناء القضايا التي ستتم مناقشتها في الوضع الدائم، سيتم نقلها للمجلس الفلسطيني على أن يكتمل تدريجيا في غضون 18 شهرا من تشكيله”.
وأضافا أنه “تم تحويل منطقة “أ” بنسبة 18٪ منها للإدارة الكاملة للفلسطينيين، والمنطقة “ب” وتمثل 21٪ من الضفة الغربية نقلت إليها السلطات المدنية، بما فيها صلاحيات التخطيط والبناء للسلطة الفلسطينية، وبقيت 61٪ تشكل منطقة “ج” تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة، وأصدر الجيش أمرا عسكريا واسع النطاق أوائل 1996 يحظر البناء على طول معظم طرق الضفة الغربية، وتمتد تراكميا لأكثر من 40 ألف دونم”.
وكشفا أنه “على مدى السنوات، ركزت إسرائيل جهودها للسيطرة على منطقة “ج”، ومنع تسرب مناطق إضافية تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، وفُرضت قيودا على البناء بهذه القرى، بإصدار 19 ألف أمر هدم لأكثر من 30 ألف مبنى، وهدم آلاف المباني، وفي الوقت نفسه، أنشأ المستوطنون حقائق جديدة على الأرض بإقامة عشرات البؤر الاستيطانية دون تصريح، وحظيت بدعم الدولة السخي لتوفير البنية التحتية، وحماية الجيش لها”.
وأضافا أنه “بدلاً من المضي قدماً لإقامة كيان فلسطيني مستقل، فقد تكثف الوجود الإسرائيلي في المنطقة “ج”، بينما كان الوجود الفلسطيني محدودًا ومقلصًا، وعدنا من جديد لنقطة البداية بفرض السيطرة الإسرائيلية في المناطق التي تم نقلها سابقًا للسلطة الفلسطينية، ويبدو أن الاتجاه الذي تسير فيه الأمور يحدده المستوطنون بشكل واضح، لأنهم يعتقدون أن جذر الصراع على الأرض، ولا يمكنهم التعايش مع مفهوم الدولة الفلسطينية”.
وأكدا أن “فحص ما يحدث على الأرض في الضفة الغربية يظهر أن إسرائيل والمستوطنين حذفوا التفرقة بين مناطق أ، ب، ج، ولم يعد ذلك مسألة بلاغية، بل عملية ملموسة، واليوم بعد ربع قرن من توقيع اتفاق أوسلو التاريخي، فإن إسرائيل تبطل ما تبقى منه، ليس من خلال النظام القديم بمصادرة الدونمات، ولكن من خلال تغيير نموذج كامل، سعيًا لإبطال الأساس المنطقي والاعتراف بحق الفلسطينيين في تقرير المصير”.
وشرحا أن “الوسائل الرئيسية المستخدمة من المستوطنين تتمثل في منع المزارعين الفلسطينيين من الوصول لآلاف الدونمات، والاستيلاء على الأراضي الزراعية الفلسطينية وزراعتها، واقتحام المباني في المناطق الخاضعة للسلطة الفلسطينية، ووضع اليد على العديد من المواقع التاريخية، والاتجاه آخذ في الازدياد، والجيش يقوم بالحراسة وتأمين هذه الممارسات”.
وأكدا أن “دور الجيش لا يقتصر على هذا، فبعد سنوات من انتهاء الانتفاضة الثانية، ورغم التعاون الأمني مع السلطة الفلسطينية، يقوم الجيش بآلاف الاجتياحات في الأراضي الفلسطينية كل عام من أجل الاعتقالات، وفرض الوجود، وهكذا بعد ربع قرن من اتفاق أوسلو، وأكثر من عقد من حكم نتنياهو المستمر، ومع انتهاء ولاية ترامب، وصل النضال من أجل مستقبل الضفة الغربية مرة أخرى إلى نقطة حاسمة”.
وأشارا إلى أنه “في الوقت الذي تم فيه إسقاط خطة الضم الرسمية في الوقت الحالي، فلم يعد الضم الميداني زاحفًا، بل يتم تعزيزه بقوة دفع كبيرة، الأمر الذي يتطلب أن يكون نقطة البداية لمواصلة النضال من أجل أي سيناريو مستقبلي للتعايش في هذا البلد، ولا يقوم على الفصل العنصري والقمع العنيف تجاه الفلسطينيين”.