تقرير استراتيجي يدعو لإنقاذ اللاجئين الفلسطينيين في لبنان

دعا تقرير استراتيجي المجتمع الدولي عامة ومنظمة التحرير الفلسطينية والدولة اللبنانية خاصة، إلى أن إنقاذ الوضع المعيشي للاجئين الفلسطينيين في لبنان من الانهيار الشامل وتعزيز صموده في مواجهة الأزمات المركبة التي يعانيها، بات أولوية وطنية وإنسانية لم تعد تحتمل المزيد من الانتظار أو الدرس أو التنظير.

واعتبر تقرير أصدره مركز الزيتونة للدراسات في بيروت اليوم، وأرسل نسخة منه لـ “فيميد”، أن وضع المجتمع الفلسطيني في لبنان تجاوز الحاجة إلى الإحصائيات والمسوحات الميدانية، ودخل مرحلة الأولويات الطارئة.

وأكد التقرير أن مسؤولية مواجهة تداعيات الأزمة اللبنانية، التي وصفها بـ “المركبة”، على مجتمع اللاجئين هي مسؤولية مشتركة يتحملها كل من المجتمع الدولي، ممثلاً بالأونروا، بالإضافة إلى منظمة التحرير الفلسطينية والدولة المضيفة، مع اختلاف طبيعة الدور الواقع على كاهل كل طرف من هذه الأطراف وحدوده.

وأعرب التقرير عن أسفه لغياب أي برنامج إغاثي عاجل وفاعل تقوم به الأطراف المذكورة مجتمعة، وأكثر من ذلك غياب خطة عمل تنموية اجتماعية/ اقتصادية شاملة تحاكي الحاجات المزمنة للفلسطينيين في لبنان.

ورأى التقرير أنه في ظل غياب الدور الدولي والفلسطيني واللبناني، فإن على مجتمع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذي يمتلك تجربة غنية في مواجهة معاناة اللجوء منذ النكبة وحتى يومنا الحاضر، أن يطور باستمرار آليات تكيف مرنة مع كل التحديات والصعاب والمشكلات، كما هو حاصل في التعامل مع الأزمة الحالية. 

ودعا إلى تعزيز آليات التكافل الاجتماعي الموروث عن تقاليد المجتمع الفلاحي في فلسطين قبل النكبة، وتشجيع مبادرات الشباب المهاجر من المخيمات المقيم في مختلف بلدان العالم، إما بخصوص تقديم مساعدات عينية لأهالي مخيماتهم في وقت الأزمات، أو دعم مشاريع إغاثية أو مشاريع صغيرة مولدة للدخل، وتعزيز الاقتصاد المنزلي، وزيادة الاعتماد على إنتاج بعض حاجات العائلات من الغذاء (الخبز، والخضروات، والأغذية المجففة، والمربيات… إلخ)، سواء لغرض الاستهلاك الداخلي أم للتسويق المحلي.

وشدد على ضرورة تعزيز دور المجتمع الأهلي في أوقات الأزمات من خلال تقديم المساعدات العينية والنقدية، ومختلف الخدمات التعليمية والصحية والدعم النفسي.

وحول السيناريوهات المحتملة للأزمة التي يعيشها اللاجئون الفلسطينيون في لبنان، رأى التقرير أن هناك سيناريوهين محتملين: الأول هو سيناريو الهشاشة؛ ويعني تدهور مؤشرات الوضع المعيشي (البطالة والفقر)، وتداعياتها الاجتماعية والنفسية المذكورة سابقاً (وأهمها الهجرة إذا ما أصبحت متاحة) إلى الحد الذي ينذر بانهيار شامل في قدرة المجتمع الفلسطيني على الصمود، وخصوصاً إذا ما ظلت الأزمة اللبنانية بمركباتها المختلفة من دون معالجات ومخارج، وإذا ما قادت إلى انفجار اجتماعي شامل في لبنان.

والسيناريو الثاني هو سيناريو الصمود؛ ويعني قدرة المجتمع الفلسطيني على التكيف مع تداعيات الأزمة، عبر استمرار عمل وتأثير آليات واستراتيجيات التكيف (التكافل الاجتماعي والأسري، والتحويلات من الخارج، وتدخل المجتمع الأهلي، وتعزيز الاقتصاد المنزلي)، وربما تطوير آليات تكيف جديدة تفرضها تطورات الأزمة.

ورأى أن السيناريو الأخير لا يعني بأي حال من الأحوال الإفلات من تداعيات السيناريو الأول، وإنما التخفيف من تأثيراتها فحسب، ما يعني استمرار المعاناة وتغيير نمط الحياة اليومي (التقشف، وتغيير أنماط الإنفاق والاستهلاك، وإعادة ترتيب الأولويات والاحتياجات المعيشية… إلخ).

ورجح التقرير السيناريو الثاني، ودعا إلى تعزيزه بتعظيم دور منظمة التحرير الفلسطينية والفصائل من خلال زيادة دعمها وتقديماتها للفئات الأكثر حاجة من المجتمع الفلسطيني، وخصوصاً سكان المخيمات؛ وأيضاً إذا ما خفت حدة الأزمة المالية للأونروا، مع التغير المتوقع في سياسة الإدارة الأمريكية الحالية عن سابقتها؛ وكذلك إذا ما تخلت الحكومة اللبنانية عن سياساتها التمييزية بحق الفلسطينيين، وهذا مستبعد في الغالب. 


ودعا التقرير أونروا إلى متابعة نداءاتها العاجلة لتلبية الاحتياجات الفورية في الأجل القريب، بما في ذلك إطلاق مشروع إغاثة طارئة لتوفير الاحتياجات الأساسية للاجئين الفلسطينيين المتضررين من هذه الأزمة المركبة لمدة عام على الأقل، ومن خلال دعوة المانحين كي يشملوا اللاجئين الفلسطينيين في خطط الاستجابة الطارئة للبنان.

كما أنه طالب بإنشاء شبكة أو مظلة أمان اجتماعي واقتصادي في الأجل المتوسط لتأمين الحماية اليومية لحقوق الفلسطينيين في لبنان، بمشاركة الأونروا، ومنظمة التحرير الفلسطينية/ السلطة الفلسطينية، والهيئات الرئيسية التابعة للأمم المتحدة مثل اليونيسف، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومنظمة الصحة العالمية، وكل ذلك بالتنسيق مع البلد المضيف.

وحث التقرير الحكومة اللبنانية الحالية والمقبلة على تبني سياسة مسؤولة وشفافة إزاء اللاجئين الفلسطينيين. وعليها تحديداً أن تحرص على شمول اللاجئين الفلسطينيين في المساعدات الإنسانية العاجلة المتدفقة إلى لبنان، من حيث الغذاء والدواء والرعاية الصحية وغيرها من المجالات، وشمولهم كذلك في برامج التقديمات الاجتماعية مثل “البطاقة التموينية” في حال اعتمادها.

ودعا منظمة التحرير الفلسطينية إلى إنشاء”صندوق إغاثة” خاص لمساعدة مجتمع اللاجئين في لبنان على تجاوز تداعيات الأزمة، وتخصيص جزء من المساعدات والهبات الدولية التي حصلت عليها السلطة مؤخراً (لدعم صمود أهلنا في مناطق السلطة) لهذا الصندوق، ودعوة رجال الأعمال الفلسطينيين في فلسطين والشتات للإسهام في تمويله.

كما أنه دعا إلى تنشيط دور “هيئة العمل الفلسطيني المشترك” التي تأسست سنة 2018، ليس فقط بوصفها مرجعية سياسية، بل أيضاً كمرجعية اقتصادية واجتماعية، من أجل مجابهة التحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني في لبنان، وخصوصاً المخيمات، وفي مقدمتها التحديات الاقتصادية الاجتماعية الناجمة عن الأزمة، وكذلك التحديات المتعلقة بالاستقرار الأمني في المخيمات.

ووفق التقرير فقد أشارت دراسة مسحية أجرتها وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا) والجامعةُ الأمريكية في بيروت في 2015 إلى أن 65% من الفلسطينيين في لبنان كانوا يعيشون تحت خط الفقر مقارنةً بنسبة 35% عند اللبنانيين، وأن نسبة البطالة عند الفلسطينيين بلغت 56%. 

وأكد التقرير أن معدلات الفقر والبطالة بين الفلسطينيين قد تفاقمت بشكل كبير منذ تاريخ إجراء تلك الدراسة.

وأشار إلى تقرير أصدرته منظمة الإسكوا عن عمق الأزمة التي يعيشها اللبنانيون والمقيمون على الأراضي اللبنانية، على حدّ سواء، وفقاً لتقديرات سنة 2020، ومنها: ارتفاع نسبة الفقر بين اللبنانيين من 28% في 2019 إلى 55% حتى أيار/ مايو 2020، وتضاعف نسبة الفقر المدقع ثلاث مرات من 8% إلى 23%، وبلوغ نسبة تضخم الأسعار 131% بين أيلول/ سبتمبر 2019 وأيلول/ سبتمبر 2020، مع توقعات بارتفاع إضافي للأسعار وتراجع في قيمة العملة الوطنية، مما سيزيد من خطر عدم الاستقرار وتعرض العائلات للفقر والضعف.

ويعيش 174 ألفا و422 لاجئا فلسطينيا، في 12 مخيما و156 تجمعا بمحافظات لبنان الخمس، بحسب أحدث إحصاء لإدارة الإحصاء المركزي اللبنانية لعام 2017.

ويعاني لبنان، منذ شهور، أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية (1975- 1990) أدت الى تدهور سعر صرف الليرة أمام الدولار، وتدهور القيمة الشرائية لمعظم الموظفين، وزيادة معدل البطالة.

Exit mobile version