مع حلول شهر رمضان المبارك، يحظى جامع السلطان أيوب في تركيا بإقبال غير مسبوق من العرب والأتراك، لما يتميز به من أجواء الروحانيات المفعمة بالرحمة والسكينة التي يعيشها الزائر خلال تواجده فيه لإداء الصلوات خاصة التراويح والفجر.
ويحتضن الجامع قبر الصحابي أبو أيوب الأنصاري الذي عاشر الرسول محمد عليه الصلاة والسلام.
وفي كل ليلة من شهر الصوم وخاصة في أيام العطل، يزحف آلاف من الأتراك والجاليات المسلمة نحو الجامع لأداء صلاتي العشاء والتراويح، في أجواء روحانية فريدة.
تاريخ الجامع
الجامع هو أول مسجد بناه العثمانيون في إسطنبول عام 1458 بعد فتح القسطنطينية عام 1453م.
وتعود التسمية لوجود قبر الصحابي في باحة المسجد، إذ توفي ودفن عام 52 للهجرة (نحو 672 ميلادي)، خلال محاولة المسلمين في نفس العام فتح القسطنطينية، التي لم تتكلل بالنجاح حينها.
وطلب الصحابي أبو أيوب الأنصاري، عندما اشتد عليه المرض، وكان كبيرا في السن (نحو 98 عاما)، أن يدفن عند أقرب نقطة من أسوار إسطنبول.
وهذا الصحابي شهد بيعة العقبة وغزوتي بدر وأُحد مع النبي محمد (ص)، وخصه الرسول بالنزول في بيته عندما هاجر إلى المدينة المنورة، حيث أقام عنده حتى بنى حُجرة ومسجدا وانتقل إليهما.
وتقديرا ومحبة له، يسمي الأتراك الصحابي الجليل “أبا أيوب الأنصاري” “السلطان أيوب”.
وساهم استضافة الجامع لقبر الصحابي الجليل في إضفاء مزيد من الأجواء الروحانية.
عبادة وروحانيات
لا يقتصر زوار الجامع على الأتراك فقط، حيث يقصده طوال العام وخاصة في رمضان، سائحون عديدون ولا سيما المسلمون منهم، حيث يأتون لقراءة الفاتحة على روح الصحابي الجليل.
ويقع الجامع في منطقة جميلة على ساحل خليج القرن الذهبي المتفرع من مضيق البوسفور خارج أسوار المدينة القديمة، ويعكس في الليل منظرا خلابا يبعث الهدوء في نفوس الزائرين.
ومع صلاة العشاء يبدأ تدفق المصلين على الجامع، وما أن يفرغوا من الصلاة حتى يبدأ المصلون بقراءة القرآن والأذكار والدعاء إلى الله بالقبول والغفران رافعين أيديهم للسماء بكل خشوع.
ووصولا إلى صلاة الفجر تعود الجموع ليتكثف وجودها من أجل الصلاة بعد إتمام فترة السحور، ويرافق قبل الصلاة وبعدها أجواء روحانية من تلاوات قرآنية وأدعية وعبادات واستغفار.
وخلال هذه الفترة تُتلى الأدعية الجماعية مع الإمام، ويتم قراءة القرآن بشكل جماعي، فضلا عن التسابيح، ما يضفي أجواءً رائعةً من الروحانيات في الجامع قلّ نظيرها.
مكانة هامة
ويحتفي الأتراك باستضافتهم قبر الصحابي في إسطنبول، وهو أقدم شخص كان على اتصال بالرسالة السماوية التي حملها نبي الإسلام، وسعى للمشاركة بفتح القسطنطينية أملا بأن يكون من “نعم الجيش الذي يفتح المدينة” حسب حديث الرسول (ص).
ويعتبر الجامع مزارا مهما على مدار العام، ويجد كثير من الزائرين الراحة فيه وبمحيطه حيث الأشجار القديمة والجو المنعش الذي يزيد من شعورهم بالطمأنينة مع العبادات التي يؤدونها.
واعتاد السياسيون والمشاهير الأتراك زيارة الجامع في المناسبات، كما أن العديد من الأصدقاء يتفقون على الالتقاء في الجامع على صلاة الفجر والانتقال لاحقا للتجمع وتبادل أطراف الحديث.
وكما كل عام، وعلى عادة الجوامع الشهيرة، تتزين مئذنتا جامع السلطان أيوب بـ”المَحيا”.
والمحيا، لافتات ضوئية تعلق في رمضان بين مآذن المساجد، وتحمل عبارات دينية تتغير على مدار الشهر، ويرجع تاريخها إلى العهد العثماني.