عقد المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج، الأحد 28-2-2021، الجلسة الثانية من المؤتمر الدولي لمقاومة التطبيع تحت عنوان “التطبيع العربي بين الاستراتيجية الصهيونية والهرولة العربية”.
وشارك في الجلسة، الدكتور محسن صالح رئيس مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (لبنان)، والأستاذ وضاح خنفر رئيس منتدى الشرق (قطر)، والأستاذ معين الطاهر المفكر والباحث الفلسطيني (الأردن)، والأستاذ أحمد الشيبة أمين عام الرابطة الإعلامية الإماراتية لمقاومة التطبيع (بريطانيا)، والدكتور عزيز هناوي الأمين العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع (المغرب). وأدارتها الإعلامية وجدان الربيعي (بريطانيا).
وبحث المشاركون في الجلسة، خلفيات الهرولة لبعض الأنظمة العربية للتطبيع مع الاحتلال والأسباب الدافعة له، وجذور التطبيع العربي مع الاحتلال، مع قراءة معمقة للاستراتيجية الصهيونية للتطبيع، والتأثير الاستراتيجي للتطبيع على الوطن العربي.
صالح: المشروع الصهيوني يستهدف من خلال التطبيع ضرب جهاز مناعة الأمة
وقال الدكتور محسن صالح، في ورقته التي حملت عنوان “استراتيجية إسرائيل التطبيعية”، بأن “جوهر أزمة المشروع الصهيوني أنه أنشئ ككيان غريب في بيئة معادية، وبالنسبة له فإن جوهر حلّ مشكلته هو بالتحول إلى كيان طبيعي في بيئة صديقة أو غير معادية، وهو ما يُعرف بالتطبيع”.
وأضاف: “المشروع الصهيوني يستهدف من خلال التطبيع ضرب جهاز المناعة في الأمة، وتحويل حالته السرطانية إلى ظاهرة صحية وهذا لن يكون”.
وتابع: “ويستهدف تحقيق حالة استلاب ديني وحضاري وثقافي وتاريخي في الأمة، وأن تحل الرواية اليهودية الصهيونية مكان الرواية الإسلامية، العربية، الفلسطينية. وهذا لن ينجح”.
ورأى د. صالح، بأن “الأنظمة الفاسدة والمستبدة حاولت صناعة إنسان خاضع ضعيف منكسر، لتحافظ على نفسها، ولتمرّر مشاريع التطبيع وغيرها؛ غير أن أمتنا أثبتت أصالتها ومناعتها”.
وأشار إلى أن العدو أراد من خلال التطبيع “عزل قضية فلسطين عن محيطها العربي والإسلامي، وتضييع بوصلة الصراع، وإغراق المنطقة في صراعات طائفية وعرقية”.
واعتبر د. صالح بأن “المسجد الأقصى والقدس وصمود الشعب الفلسطيني ومقاومته المستمرة؛ تعيد بوصلة الأمة دائماً إلى وجهتها الحقيقية ضدّ المشروع الصهيوني”.
خنفر: التطبيع لن يسير قدماً وفلسطين لن تندثر فهي في المركز من الإجماع الشعبي العربي
من جانبه، اعتبر الأستاذ وضاح خنفر في ورقته، التي كانت بعنوان “التأثير الاستراتيجي للتطبيع على الوطن العربي”، أن مصطلح “التطبيع” الذي تم الترويج له لا ينطبق مع الحالة التي يتم الحديث عنها اليوم، بخصوص الاتفاقيات لبعض الأنظمة العربية مع الاحتلال “الإسرائيلي”. مشيراً في الوقت ذاته إلى أن التطبيع هذا لن يسير قدماً لأنه تطبيع غبي قائم على البهرجة.
وقال: “نحن لسنا أمام حالة تصبح العلاقة طبيعية بين الكيان وبين الدول التي وقعت اتفاقيات، والسبب أن إسرائيل نفسها وفلسفة الدولة الإسرائيلية هو يهودية الدولة، وهو أهم ما تريد إسرائيل أن تحققه، وهذا هو الناظم للفكر الاستراتيجي فيها. وهي لا تريد علاقة طبيعية مع المحيط وتريد أن تؤكد على أنها حالة استثنائية”.
وأضاف: “إسرائيل لا تريد التطبيع بالمفهوم الذي تحدث عنه الزعماء العرب، وإسرائيل دولة غير طبيعية ولا تريد أن تصبح جزءاً من المنطقة ولا جزءاً من نسيجها الاجتماعي والاقتصادي، والتطبيع هنا علاقة من طرف واحد يحاول تقديم جملة من التنازلات لمصالح ضيقة له”.
وتابع: “الاستراتيجية مفقودة في الأنظمة العربية التي وقعت على التطبيع، وما نراه هو جملة من التكتيكات التي لا تنسجم مع الاستراتيجية، وهي قائمة على مصالح ضيقة”.
ونوه خنفر إلى أن “إسرائيل” لديها استراتيجية واضحة وهي “على الرغم من تعدد السياسات وتمزق البنى الاجتماعية فيها، إلا أن هناك إجماعاً أن إسرائيل دولة تقوم من خلال منظور أمني على حماية ذاتها، دولة أمنية تراقب الفضاء من المحيط إلى الخليج، وإذا ما كان هناك جهة يمكن أن تهددها ولو بعد عقود من الزمن؛ فسوف تحاربه”.
وأوضح خنفر بأن العالم العربي، “ليس لديه دولة بالمفهوم العميق، ونحن لدينا دول سطحية ومجتمع عميق، والمجتمع العربي هو الذي يجمع القيم، وهومجمع ومخزن ما نسميه بالوعي الإدراكي العميق. وهذا الوعي لو نال الحرية سيعود إلى السطح ويتفاعل”.
وتابع: “الإجماع الشعبي العربي، فلسطين في المركز فيه، وهذا مؤشر على أن قضية فلسطين لن تندثر”.
ورأى خنفر، أن “الدول التي وقعت على التطبيع ستخسر، ولن تحصل على أي فوائد منه، فهذه الدول فشلت في تقديم الخدمات لشعوبها، وتعيش الجهالة في أعلى معدلاتها والبطالة وأعلى بطش على مستوى النظام والفساد، وكانت تقدم الموضوع الفلسطيني لشعوبها بأنها تقف إلى جانب القضية الفلسطينية (وتتستر خلفها)”.
ونوه إلى أن “العالم يتغير، والدول المطبعة لا ترى الأمور بشكل صحيح، والكيان الصهيوني هو صنيعة لكيان دولي، ولم يعد الآن كما هو سابقاً، وهناك تغير في موازين القوى ولو تدريجي، وهناك حالة أمريكية تدعو للتقليل نحو الاندفاع في الشرق الأوسط”.
وأرجع خنفر التطبيع الذي تقوم به بعض الدول على أنه “محاولات يائسة لبعض الأنظمة لحماية أنفسها أمام قوى تراها قائمة في المستقبل. الحرية جمعت الشعوب لمئات السنين وهي عائدة يوماً ما.. وما تقوم به هذه الدول المطبعة يسرع في ذلك”.
النعيمي: الإمارات تقود التطبيع بذوبان كامل في الاستراتيجية والمشروع الصهيوني
من جانبه، الدكتور أحمد النعيمي قال: “الوضع مؤلم اليوم، بصفتي إماراتياً وخليجياً، ولكن الوعي الموجود لدى الشعوب الخليجية وارتباطها مع القضية لم يكن قادراً على استيعاب هذا التحول الحاصل والتخلي عن القضية الفلسطينية”.
واعتبر النعيمي في ورقته “الأسباب والخلفيات للتطبيع”، بأن التطبيع مر بمراحل تدريجية وخاصة في منطقة الخليج، ورأى بأن “الدول العربية وخاصة الخليجية، ليست لديها رؤية ولا عمقاً استراتيجياً في التفكير حتى يكون لها مشروع”.
واعتبر النعيمي بأن خلفيات تطبيع الإمارات مع الاحتلال الإسرائيلي كان تحت مبررات عديدة منها بأن “الإمارات قادت التطبيع على أنه إقامة علاقات لمصلحة الفلسطينيين، ثم انتقلت لشراكة استراتيجية وتحولت إلى أمر غير متوقع لتصالح بين النظام الإماراتي والعدو الصهيوني، وحالياً نرى الذوبان الكامل في الاستراتيجية الصهيونية والدخول الكامل في المشروع الصهيوني”.
وأوضح النعيمي بأن الحكومة الإماراتية حالياً “تتبنى المشروع الصهيوني حماية لنفسها ولذاتها وتخوفها، وهي تخشى ما حصل في دول الربيع العربي، وتخوفها من المشاريع فهي لا تملك مشروعاً حقيقياً ولا أي رؤية مستقبلية”.
ورأى النعيمي أن التطبيع قائم على 3 أمور رئيسة” تحسين الصورة عن الشخصية الصهيونية لدى الوعي الخليجي العربي عموماً، وشيطنة الشخصية الفلسطينية، وسلخ القضية من حالة التبني من الوعي للشخصية الخليجية”.
الطاهر: افتقار التطبيع للشرعية الشعبية عامل هام في منع المزيد منه وفشله
بدوره المفكر الفلسطيني معين الطاهر، أشار إلى أن “محاولات الحركة الصهيونية منذ نشأتها لم تتوقف عن فرض نفسها وترويج فكرتها، وتطبيع علاقاتها مع العرب والمسلمين، واستغلال ذلك لمنحها موطئ قدم في فلسطين”.
وأضاف: “بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد قطعت الدول العربية كلها علاقتها بمصر، ولم يجرؤ أي نظام عربي على عقد صفقة مشابهة، إلا بعد اتفاق أوسلو الكارثي. فتغيّرت النظرة إلى التطبيع مع الكيان الصهيوني، فبدأ يتجه نحو العلانية، بذريعة أن أصحاب القضية ذاتهم قد اعترفوا بالعدو وانتقلوا إلى مرحلة التفاوض معه”.
وأوضح الطاهر إلى اتفاقيات التطبيع الأخيرة، جاءت تحت عدة مبررات وحجج واهية وهي: “دفع لعقوبات ظالمة فرضتها الولايات المتحدة، وتارة يتم مقايضة العلاقات بين المغرب وإسرائيل باعتراف أمريكي بالإقليم الصحراوي إقليمًا مغربيًا! وتارة أخرى هي تطوير لتطبيع قائم فعلياً ليتحول إلى تحالفات أمنية في مواجهة محاور إقليمية وعدو خارجي مفترض”.
واعتبر الطاهر أن التطبيع “ثمرة من ثمار هشاشة النظام العربي وانقسامه وفشله، وما كان من المحرمات حتى للنظام الرسمي العربي أصبح مباحًا اليوم. ومع ذلك، لا يزال التطبيع يفتقر تمامًا للشرعية الشعبية، ما يجعل أصحابه يتمسحون بالقضية الفلسطينية، ويستترون بها، ويدّعون خدمتها وتأييدها”
وأكد بأن الرفض الشعبي للتطبيع “يشكل عاملاً هاماً في منع المزيد من الإقدام على هذه الخطوة. ومقاومة التطبيع تستند أساسًا إلى الجمهور العربي، والذي لا يزال يعتبر فلسطين قضيته القومية الأولى”.
وعلى الساحة الفلسطينية، اعتبر الطاهر أن الشرط لقياس جدية السلطة الفلسطينية في مقاومة التطبيع هو “سحب اعترافها بالكيان الصهيوني، وإلغاء اتفاق أوسلو، ووقف التنسيق الأمني، إذ لا تستطيع أن تنهى عن الشيء وهي تأتي مثله”.
هناوي: إسقاط الاستبداد ممر لإفشال التطبيع وإسقاط الكيان الصهيوني
بدوره، أكد الدكتور عزيز هناوي، في ورقته “الابتزاز في التطبيع- المغرب نموذجاً”، أن “التطبيع هو تخريب لكل مكونات الأمة، رغم ما يدعيه المروجون له، بأنه مصلحة للقضية الفلسطينية ومصلحة وطنية”.
وقال: “الاستبداد العربي هو توأم الكيان الصهيوني، والهرولة العربية هي طبيعية لأنها ترتبط بالحبل السري لهذه الأنظمة لأنه في منشأها ارتبطت بوجود الكيان والمؤامرة الصهيونية العالمية. والاستعمار رعى قيام هذا الكيان كما رعى قيام حدود وجغرافية مرتبطة لهذا اليوم به”.
ورأى بأن “الكراسي العربية هي بنادق في خدمة المنظومة الصهيونية الأمريكية وتقدم هذه الأنظمة لشعوبها بأنها قائمة على أمنها” منوها إلى أن الهرولة العربية تواجها الشعوب عبر محورين، “مقاومة التطبيع ومقاومة الاستبداد وحرية فلسطين تنطلق من حرية الشعوب”.
ودعا د. هناوي، إلى أن السبيل لإسقاط الكيان الصهيوني هو “إسقاط الاستبداد باعتباره ممراً لإسقاط الكيان الصهيوني، الذي يتحالف مع الغرب الإمبريالي ويراهن على إبقاء الشعوب مستبدة”.
واختتم مداخلته بالقول: “إذا كان الكيان الصهيوني وهو يعيش انعدام عناصر توازن الرعب مع المقاومة الفلسطينية، والمنظومة الإسرائيلية السياسية تعيش حالة انهيار للآن، يقابلها هرولة تطبيعيه لإنقاذ هذه المنظومة. والاستبداد العربي يعاني ترهلاً وهذا التطبيع ساقط بالطبيعة؛ فهذا الكيان إحلالي عنصري مهما هرولت الأنظمة لتطبيع العلاقة معه”
وكان قد انطلقت أمس السبت 27-2-2021، أولى جلسات المؤتمر الدولي لمقاومة التطبيع، الذي ينعقد عبر منصة ZOOM الافتراضية، بملتقى افتتاحي شاركت فيه، شخصيات فلسطينية وعربية وأجنبية من مختلف دول العالم.
ويهدف المؤتمر، الذي تستمر فعالياته، حتى 3 من آذار/مارس 2021، بحث سبل مواجهة التطبيع بأشكاله كافة مع الاحتلال “الإسرائيلي”، ومواجهة مشاريع تصفية القضية الفلسطينية ويسلط الضوء على حقوق الشعب الفلسطيني.
ويتناول المؤتمر في جلسته الثالثة غداً الإثنين، النبض الشعبي العربي المناهض للتطبيع والحديث عن دور الشعوب العربية في قطع الطريق على اتفاقيات التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، وستتطرق الجلسة الرابعة في المؤتمر (الثلاثاء 2مارس) إلى الحديث عن حصاد التطبيع، والجلسة الخامسة (الأربعاء 3مارس) ستكون حول الاستراتيجية العربية والدولية لمقاومة التطبيع.