يُجري إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية “حماس”، جولة يزور خلالها دول عربية وإسلامية، ويلتقي فيها مسؤولين رسميين، ونخباً سياسية ومجتمعية.
وتُمثل الجولة، وفق محللين سياسيين، حراكاً سياسياً، يسعى إلى دعم “المقاومة الفلسطينية”، والتصدي لعملية “تطبيع العلاقات” بين بعض الدول العربية وإسرائيل، والتي انطلقت العام الماضي.
ويرى المحللون، في أحاديثَ منفصلة لـ “الأناضول”، أن دلالة توقيت الزيارة، الذي جاء بعد العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، تشير إلى “التأكيد على الالتفاف حول المقاومة وفشل الجهود الإسرائيلية لمحاصرتها”.
وبدأ “هنية” الجولة، بزيارة للمغرب استمرت 5 أيام، هي الأولى من نوعها بعد استئناف الرباط لعلاقاتها مع دولة الاحتلال الإسرائيلي في ديسمبر/ كانون أول الماضي.
والتقى هنية في الرباط، بمسؤولين حكوميين أبرزهم رئيس الحكومة سعد الدين العثماني، ورئيسا مجلس النواب ومجلس المستشارين، كما التقى زعماء أحزاب سياسية موالية ومعارضة، وهيئات حكومية وغير حكومية، لمناقشة تطورات القضية الفلسطينية.
وعقب زيارة المغرب، توجّه هنية إلى موريتانيا، التي وصلها الإثنين الماضي، والتقى بالرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، إلى جانب عدد من قادة الأحزاب السياسية، ومؤسسات مجتمعية، وفعاليات شعبية.
ويعتزم هنية مواصلة جولته على “عدد من دول المنطقة”، وفق ما أعلنته حركة حماس، دون تحديد تلك الدول أو مواعيد زيارتها.
ويحمل توقيت جولة هنية، والذي جاء عقب انتهاء العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة، وفي ظل حالة التطبيع العربي مع إسرائيل، عدة دلالات، أهمها “سعي لحماس لتعزيز الحاضنة العربية للمقاومة”.
وتفجرت الأوضاع في الأراضي الفلسطينية المحتلة، منذ منتصف أبريل/نيسان الماضي، جراء اعتداءات “وحشية” ارتكبتها شرطة الاحتلال ومستوطنوها في المسجد الأقصى وحي “الشيخ جراح” بالقدس في محاولة لإخلاء 12 منزلا فلسطينيًا وتسليمها لمستوطنين.
وانتقل العدوان إلى قطاع غزة، حيث شنت إسرائيل عدواناً واسعاً، بدءاً من 10 مايو/أيار، واستمر مدة 11 يوماً، وأسفر عن استشهاد وجرح المئات.
ويقول مصطفى الصواف، الكاتب والمحلل السياسي، إن جولة هنية تمثّل “ضربة لمسار التطبيع”.
وتوقّع الصواف، في حديث للأناضول، إحجام الأنظمة العربية عن التفكير في تطبيع العلاقات مع الاحتلال، خصوصاً بعد أداء المقاومة في “معركة سيف القدس” العدوان الإسرائيلي على غزة.
ورأى الصواف في استقبال الدول العربية والإسلامية لـرئيس حركة حماس هنية، “قبولا واضحاً للمقاومة”.
وأضاف “في حماس، لا انفصال بين العمل السياسي والمقاوم، وبالتي فإن استقبال هنية يُعدّ تأكيداً من الدول العربية على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة التي تحتضنها شعوبها”.
وأشار إلى أن أهم أهداف الزيارة، هي “التواصل مع الشعوب والحكومات العربية لشرح أبعاد القضية الفلسطينية حالياً، والمخاطر المترتبة على التطبيع مع إسرائيل”.
بدوره، يقول حسام الدجني، الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إن “هذه الزيارة تأتي انعكاساً لرغبة هنية في الانفتاح والتواصل مع الإقليم العربي والإسلامي، بما يخدم القضية الفلسطينية”.
ووصف الدجني، في حديث لـ”الأناضول”، زيارة هنية للمغرب بـ “المهمة”، وبرغم أنها تأتي في سياق حزبي، إلا “أنها تُشكّل انفتاحاً على مكونات المجتمع المغربي لرفض التطبيع، وتشكيل لوبي ضاغط ضد استئناف المغرب علاقاته مع إسرائيل”.
ورأى أن الزيارة جاءت “لبناء جسور الثقة مع مكونات المجتمع المغربي رسمياً وشعبياً، خاصة في ظل الدعاية الإسرائيلية التي ترمي لتسويق التطبيع، وتحسين صورة إسرائيل لدى الجمهور العربي، وتقبّلها كصديق”.
كما تؤكد زيارة هنية للمغرب، وفق الدجني، على “دور الرباط، المحوري، في دعم القدس المحتلة، من خلال رئاسة لجنة القدس”.
و”لجنة القدس”، هي مؤسسة عربية إسلامية انبثقت عن منظمة المؤتمر الإسلامي (التعاون الإسلامي حالياً) عام 1975، يترأسها العاهل المغرب محمد السادس، ومهمتها حماية مدينة القدس والتصدي لمحاولات سلطات الاحتلال طمس الطابع العربي الإسلامي في المدينة.
وحول انعكاساتها على القضية الفلسطينية، أوضح الدجني أن زيارة هنية للمغرب “جاءت لتملأ فراغات أحدثها توتر العلاقة على إثر إعلان المغرب استئناف علاقاتها مع إسرائيل”.
واعتبر أن الانفتاح الفلسطيني مع الدول العربية والإسلامية “يخلق علاقات متوازنة تُخلّف آثاراً إيجابية متعددة”.
وقال إن زيارة هنية للمغرب تحمل رسالة للاحتلال بأن جهوده في “محاصرة المقاومة وعزلها من خلال التطبيع، باءت بالفشل”.
من جانبه، قال أسامة حسين، الباحث في الشأن السياسي، إن هذه جولة هنية تأتي في إطار السباق الدبلوماسي بين الاحتلال وحماس، إذ تسعى الأخيرة لتحقيق التوازن في العلاقات مع دول المنطقة، وتقليص حجم إنجاز الدبلوماسية الإسرائيلية الذي تحقق مؤخراً عبر التطبيع.
وأضاف في حديث للأناضول، أن حماس تحاول الموازنة في ذلك من خلال تطوير علاقاتها بالأنظمة التي عقدت اتفاقيات للتطبيع مع الاحتلال؛ وعدم إخلاء الساحة للدبلوماسية الإسرائيلية لتحقيق المزيد من الاختراق.
وأوضح أن أبرز ملامح هذه الزيارة، تتمثل في “التصدّي لمحاولات التطبيع الشعبي مع الاحتلال، وتجريم المقاومة وحركة حماس، وتصويرها كعدوّ لهذه الشعوب، وذلك عبر عقد لقاءات ومباحثات مع مختلف المكونات؛ لتوضيح مخاطر التطبيع”.
وتسعى حماس، بحسب حسين، إلى بلورة مصالح مشتركة مع تلك الدول، من خلال “تعزيز دورها في القضية الفلسطينية”.