سعيد الحاج
قال الرئيس التركي إنه حان الوقت لنقاش صياغة دستور جديد لتركيا، وإنه في حال التوافق مع حليفه حزب الحركة القومية فإنه يمكن البدء في ذلك. دولت بهجلي، زعيم الحركة القومية، أيد كلام اردوغان عن حاجة البلاد لدستور جديد كما كان متوقعاً، فعادة لا يخرج اردوغان بتصريح من هذا النوع قبل جس نبض حليفه مسبقاً.
1) ما زال الدستور ساري المفعول في تركيا هو دستور عام 1982، والذي وضعته المجموعة العسكرية التي قامت بانقلاب عام 1980، وهو دستور مرر بظروف غير طبيعية تكفي نتيجة الموافقة عليه (%91.4) للتدليل عليها، فضلاً عن المشاكل الكثيرة في مضامينه، التي حاولت تركيز السلطات وتأكيد الوصاية على الحياة السياسية.
2) عُدِّلَ هذا الدستور 19 مرة منذ 1982، 9 منها قبل حكم العدالة والتنمية و10 منها خلاله، آخرها التعديل الدستوري الذي أقر الانتقال للنظام الرئاسي عام 2017.
3) ورغم ذلك يرى الأتراك في عمومهم وعلى اختلاف توجهاتهم وأحزابهم أن كل تلك التعديلات خففت فقط من وطأة الدستور لكنه ما زال معيوباً وفيه إشكالات كثيرة وأنه ما زال يحمل “روح الانقلاب” وكذلك “آثار الوصاية” وفق اردوغان. ولذلك فهم يسعون لصياغة دستور “مدني” جديد.
4) كان هناك محاولات سابقة لتوافق الأحزاب التركية الممثلة في البرلمان على صياغة دستور جديد للبلاد في عهد العدالة والتنمية، عام 2015 إن لم تخني الذاكرة. ورغم أن الأخير وافق حينها على أن تُمثَّل الأحزاب في “لجنة التوافق على الدستور” بالتساوي وليس وفق نسبة تمثيلها في البرلمان الذي كان يملك أغلبيته، إلا أن اللجنة لم تفلح حينها في التوصل لتوافق يمكنها من صياغة دستور جديد.
5) ما هي المواد التي يسعى الحزب لتعديلها في الدستور الجديد؟
ليس هناك مواد محددة، وإنما هناك رغبة في صياغة دستور مدني من جهة، وإلغاء المواد الداعمة لـ “نُظُم الوصاية” المتبقية في الدستور كما يقول، والتناغم مع المتغير الجديد وهو النظام الرئاسي. فمثلاً، بعد الانتقال للنظام الرئاسي بات هناك حاجة أكبر لتعديل قانونَيْ الأحزاب والانتخاب (بما في ذلك التحالفات الانتخابية) وغيرها.
على الهامش، لم يَدْعُ العدالة والتنمية سابقاً ولا يدعو اليوم لتغيير أي من المواد الأربع الأولى في الدستور، وهي المواد الرئيسة المتعلقة بتوصيف الجمهورية التركية وأسس إنشائها ومبادئ تأسيسها ووحدة أراضيها.
6) هل يملك العدالة والتنمية القدرة على تمرير دستور جديد؟
حالياً لا. لا منفرداً ولا حتى مع حليفه الحركة القومية. ذلك أن تمرير دستور جديد (أو تعديل دستوري) من البرلمان مباشرة يحتاج لموافقة ثلثي الأعضاء (400 من 600 نائب) وعرضه بعد البرلمان على استفتاء شعبي يحتاج نسبة %60 (360 نائباً)، وتحالف “الجمهور” الذي يضم حزبي العدالة والتنمية والحركة القومية يملك أقل من 340 نائباً، بالتحديد 337 (289 للعدالة والتنمية و48 للحركة القومية).
يعني ذلك أنه ما لم يطرأ تغيير جوهري على منظومة التحالفات (وهو أمر مستبعد حالياً) أو يستطع التحالف إقناع أحد أحزاب المعارضة على الأقل بالموافقة على الدستور الجديد (وهو أمر شبه مستحيل لأن أحزاب المعارضة تصر على العودة للنظام البرلماني) فلن يستطيع التحالف الحاكم تمرير دستور جديد من البرلمان مباشرة ولا عبر استفتاء شعبي.
6 ) لماذا إذن قال اردوغان ما قال؟
أولاً، لأن البلاد تحتاج فعلاًً لدستور جديد.
ثانياً، تماشياً مع المسار الإصلاحي الذي اختطه الحزب مؤخراً، حيث أعلن عن حزمة إصلاحات قانونية واقتصادية، لتمتين جبهته الداخلية (بعد تأسيس الأحزاب الجديدة التي خرجت من عباءته) وتخفيف الضغوط الخارجية عليه (من إدارة بايدن مثلاً).
ثالثاً، ليكون موضوع الدستور – ومضامينه وقوانينه – هو مناط النقاش السياسي في البلاد في الفترة المقبلة (المعارضة اتهمته بتحويل الأنظار عن مشاكل تركيا الرئيسة) وليكون الموضوع الأهم في الانتخابات المقبلة وحملتها الانتخابية ربما.
رابعاً، لسحب البساط من تحت أحزاب المعارضة التي سُرِّب أنها تتناقش على صياغة مسودة لدستور جديد تتضمن العودة للنظام البرلماني.
باختصار شديد، من الصعب على العدالة والتنمية أن يصوغ دستوراً جديداً للبلاد مع حليفه الحركة القومية قريباً، لكنه سيبدأ هذا النقاش والعمل عليه، وغالب الظن أنه لن يطرأ عليه جديد قبل الانتخابات المقبلة، في 2023 كما هو مخطط أو قبل ذلك إن حصلت انتخابات مبكرة.