حوار على رصيف الانتخابات الفلسطينية

أحمد الحيلة

أعلن الرئيس عباس قراره بتعطيل الانتخابات الفلسطينية فجر الجمعة الماضي، والتي كان يُعوّل عليها طريقاً للوحدة ولإعادة بناء المنظومة السياسية الفلسطينية في مواجهة الاحتلال.

هذا الإعلان واجه غضباً عارماً واستهجاناً وتنديداً كبيراً من شرائح الشعب الفلسطيني والقوائم الانتخابية كافة، لأنه إعلان رهن حق الشعب الفلسطيني في الانتخاب وتقرير المصير بقبول الاحتلال المسبق، الأمر الذي عُدّ فارقة وعجيبة من عجائب الزمان.

تلك الأزمة الجديدة لاقت نقاشاً واسعاً؛ نقاشاً بين نخب وساسة، بين مؤيد للانتخابات ومعارض لها، بين متفائل بها ومتحفّظ عليها. وهنا أنقل إليكم بعضاً من تلك النقاشات التي جرت على رصيف الانتخابات في ليالي رمضان المبارك، حيث يحلو السمر والسهر الذي لا يخلو من وجبة سياسية بنكهة فلسطينية.

محمد: ألم أقل لك يا صديقي بأن الانتخابات مجرّد ملهاة ومضيغة للوقت والجهد، فحركة “فتح” لن تقبل بالانتخابات إلا إذا كانت ضمانة لإعادة تجديد الشرعية للرئيس عباس ولفريق أوسلو، ففتح لا تؤمن بالشراكة الوطنية ولا بالتداول السلمي للسلطة، وتجربتها الطويلة في منظمة التحرير الفلسطينية وفي انتخابات العام 2006 شاهد على ذلك؟

علي: كلامك ليس دقيقاً، ففي حركة “فتح” تيار وطني يريد الانتخابات ويقبل بالشراكة الوطنية مع استشعارهم بخطورة المرحلة التي تمر بها القضية الفلسطينية. وانظر إلى قائمة محمد دحلان، وقائمة ناصر القدوة المدعومة من مروان البرغوثي، والتيار الذي يتزعمه جبريل الرجوب تحت جناح محمود عباس؛ كل أولئك يمثّلون حركة “فتح” وهم يمثلون الأغلبية الداعمة للوحدة وللشراكة الوطنية، ولكن المشكلة في شخص الرئيس عباس، فهو من يتحمل المسؤولية عن تعطيل الانتخابات، ويجب ألا نقطع الأمل، وأن نمارس الضغط عليه لتحديد موعد جديد وعاجل للانتخابات، فالجميع غاضب منه وهذه فرصة لاستعادة المسار.

محمد: لا زلت تحلم يا صديقي، وتركض وراء السراب والأوهام، فقوائم “فتح” بقيادة محمد دحلان، وناصر القدورة ومروان البرغوثي، وحتى جبريل الرجوب لا تريد الانتخابات لتسلّم السلطة ومؤسساتها الأمنية، وإنما تريد الانتخابات لتعزيز مواقعها التنظيمية في مواجهة محمود عباس المتفرّد بالسلطة والقرار داخل حركة “فتح”، ولتقدّم نفسها بديلاً أفضل من عباس للصهاينة والأمريكان فجميعهم أبناء أوسلو. ألم يكن محمد دحلان مسؤولاً عن الاقتتال في غزة وسبباً في الانقسام، ألم يكن جبريل الرجوب مسؤولاً عن تسليم خلية صوريف وملاحقة شباب المقاومة عندما كان مسؤولاً عن الأمن الوقائي في الضفة الغربية، هل نسيت يا صديقي؟

علي: لا لم أنس ولكن الزمن تغيّر والدنيا لا تقف في مكانها، وقوة المقاومة وقدرتها على حسم أية محاولة عابثة بسلاحها الوطني غيّرت المشهد، ولم يعد سلاح المقاومة محلاً للنقاش. أما قصة دحلان، ومروان، والرجوب يقدمون أنفسهم بديلاً أوسلويًّا للصهاينة والأمريكان فهذا محل نظر؛ لأن الانتخابات وخيارات الشعب الفلسطيني هي التي ستحسم من يمثل الفلسطينيين. فالنترك للشعب حسم خياراته، والمقاومة اليوم حظّها قوي، ألم يؤجّل محمود عباس الانتخابات لأنه يخشى الهزيمة أمامها؟

محمد: يا صديقي عباس يخشى هزيمته أمام فصائل المقاومة في ظل انقسام حركة “فتح”، كما يخشى هزيمته أمام قائمتي دحلان ومروان الفتحاويتين أيضاً، لأنها منافسه له ولزعامته في حركة “فتح” وفي رئاسة السلطة الفلسطينية وفي رئاسة منظمة التحرير، هذا الأمر لا يروق لعباس الذي يحظى باعتراف عربي ودولي، فلماذا يذهب إلى انتخابات تضعفه وتشكك في شرعيته؟

علي: كلامك حجة عليك، فإذا كانت قراءتك للمشهد على النحو الذي ذهبت إليه، فهذا مدعاة للتمسك بالانتخابات واللعب على تناقضات المصالح داخل حركة “فتح”، ما يشكل فرصة لتقدم برنامج المقاومة الذي يشكل حصانة للحقوق الوطنية. أليس كذلك؟

محمد: قد يبدو لك الأمر كذلك، ولكن حتى لو حصلت الانتخابات ودخلت “فتح” بقوائمها الثلاث، فليس مستبعداً أن تتّحد تلك القوائم ضد تيار المقاومة تحت قبة المجلس التشريعي، فكلهم أبناء أوسلو، وخصومتهم للمقاومة وعصبيتهم لحركة “فتح” ستجمعهم بدعم عربي ودولي. هذا ناهيك عن موقف الاحتلال وقدرته على الحيلولة دون تمكين فصائل المقاومة من الشراكة في مؤسسات السلطة أو إدارتها، وتجربة العام 2006 ماثلة. وهذا يعيدنا إلى نقطة البداية.

علي: هذه تخوفات مبالغ فيها وتحول دون المبادرة والإقدام على التجريب والتغيير، وإذا بقينا نفكر بهذه الطريقة فسنبقى منقسمين نراوح مكاننا أمام الاحتلال.

محمد: لا زلت يا صديقي مؤمناً بمصداقية حركة “فتح” وتثق ببعض قادتها، وتعوّل على الشراكة معها. إذا كان لظنك هذا محلاً للإعراب فعلى تلك القيادات أن تعلن موقفاً عمليًّا رافضاً لقرار محمود عباس بتأجيل الانتخابات، وأن تنهي احتكاره للقرار الفتحاوي وأن تتجاوزه بالتقاطع والشراكة مع الفصائل والقوى الوطنية في مواجهة الاحتلال، وإذا لم تقم بذلك فهي إما شريكة مع محمود عباس وتتحمل المسؤولية الوطنية معه، أو أنها أضعف من أن يعوّل عليها.

علي: أنت متحامل على حركة “فتح”، وتبالغ في تقدير الموقف منها. نحن مصيرنا مشترك وواحد، ولا غنى عن بعضنا البعض، ومصداقية ذلك أن الاحتلال يسعى لإدامة الانقسام بيننا لأن في وحدتنا قوة للقضية.

محمد: كلام جميل، ولكن الواقع يسير بغير ما نرغب؛ فسياسات حركة “فتح” وقيادتها المتنفّذة جرّت القضية إلى ما نحن عليه، وللأسف أنها تحوّلت إلى وكيل أمني وإداري تحت سيادة الاحتلال طوال ثلاثة عقود، ولا تزال تتسوّل حقوق الشعب الفلسطيني من الاحتلال. أليس ربطها لحق الشعب الفلسطيني في الانتخاب وتقرير المصير في القدس بإرادة الاحتلال، خير دليل على استمرار تلك السياسة المقيتة التي تجعل حقوقنا الوطنية في مهب الريح.

واسمح لي يا صديقي علي أن أقول كلمتين تتعلقان بالثقة والمصداقية الوطنية؛ أَمَا وإن الرئيس عباس أخذ قراراً بتعطيل الانتخابات بذريعة عدم سماح الاحتلال لها في القدس، فإن على عباس وحركة “فتح” ومن باب المصداقية الوطنية أن يعلنا إنهاء اتفاقيات أوسلو مع الاحتلال ووقف التنيسق الأمني فوراً، والشروع في معالجة مظاهر الانقسام السياسي، وتوحيد المؤسسات الوطنية وفي مقدمتها إعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية على أسس سياسية جديدة بالتوافق مع الأمناء العامين للفصائل ومع 35 قائمة انتخابية. هذا أولاً.

وثانياً؛ عليهما أن يعيدا الاعتبار للمقاومة ولكافة معالم النضال ضد الاحتلال؛ فانتفاضة باب العامود قبل إعلان إلغاء الانتخابات، وعملية حاجز “زعترة” ضد جنود الاحتلال بعد إعلان إلغاء الانتخابات، رسالة واضحة من الشعب الفلسطيني بأنه حسم خياراته بانتزاع حقوقه الوطنية بالقوة، ولن ينتظر عطف الاحتلال أو الرهان عليه. الكرة الآن في ملعب الرئيس عباس وحركة “فتح” وعليهم أن يختاروا دون تردد؛ فإما الشراكة الوطنية دون قيد أو شرط أو أنهم قد حسموا خيارهم مع الاحتلال، وعلى القوى الوطنية أن تمضي في طريقها نحو التحرير والعودة وألا تلتفت خلفها. 

Exit mobile version