إبراهيم المدهون
أنهيت الثانوية العامة في 1996، وهي أول امتحانات تشرف عليها السلطة الفلسطينية، يومها تعرضت لضغط هائل، فنحن جيل الانتفاضة الأولى التي كان شعارهم لا دراسة ولا تدريس إلا بفك المحابيس، وكانت أيام الإضراب والمواجهات وإغلاق المدارس هو الدارج، حتى امتحانات التوجيهي تدار بطريقة مختلفة لا داعي لذكرها حفظا لماء الوجه الجمعي.
تنبهت أنني بالثانوية العامة قبل شهر واحد فقط من الامتحانات، ودخلت بنوبة قراءة وتركيز استمرت لخمس ساعات في اليوم، وهذه أصعب ايام حياتي النفسية، واكثرها ضغطا، الكل يترقب انت محط وتساؤل انظار الجميع، هاجس الرسوب يخيم فوق رأسي، ولكن الله سلم، نفذت منها بأعجوبةـ لولا قراءاتي الخارجية المكثفة، لكنت في خبر كان.
بعد أكثر من 25 عاما من توجيهي، مازلت أعيش لحظاته ومغامراته وهواجسه، واتذكره كأنه اليوم، ففي ذات نهار وقبل الامتحانات بايام كنت أجلس في صحن البيت “قاع الدار” وانظر للاسبست وأعد تموجاته، وإذ بي أقول في نفسي متى أتخلص من هذا كله؟ أقدم الامتحانات وتخرج النتائج وأنجح، وها أنا اليوم بعد عقدين ونصف، وقد مرت كلمح البصر، وأبنائي الأعزاء شكرا، الواحد تلو الآخر يلتحقون بهذا النظام المرهق المتعب الصارم والمبهج في الوقت نفسه، مع تضخم الاهتمام بالنتائج لدرجة تشكل عبئا نفسيا واجتماعيا ثقيلا، على الطالب وأهله.
وحقيقة هناك مبالغة بالتركيز والتقييم والاهتمام والتداخل المجتمعي، مبالغة بالفرح والمفرقعات والاتصالات والتهاني، ومبالغة بالحزن والانكسار، فقد أضحى طقسا اجتماعيا اكثر منه معيارا حقيقيا للنجاح والرسوب.
ألف مبارك لطلابنا الأحبة من تجاوز منهم الثانوية، ومن لم يحالفه الحظ، ونقول لهم هذه ليست نهاية المطاف، وثق أن الدنيا اعقد بكثير من توجيهي. وأن الحياة جميلة عشها كما هي.