رحلة تاريخية لقيمة الليرة التركية أمام الدولار

استعرض الباحث الاقتصادي ياسر التركي رحلة الليرة التركية صعودا وهبوطا منذ بدايتها ومدى تأثر الشارع المحلي بذلك اذ يعد أسعار صرف الدولار الأمريكي أو اليورو أو الجنيه الإسترليني من أكثر المؤشرات الاقتصادية اليومية متابعة بالنسبة للمواطن التركي العادي، حيث يعتبر الكثيرون التقلبات قصيرة المدى في قيم العملات مؤشرا على سير الاقتصاد المحلي وخاصة في العصر الذي تسارعت فيه العولمة والتتبع الفوري لأسعار صرف العملات.

حتى الثمانينيات من القرن الماضي، طبقت تركيا نظام سعر الصرف الثابت الذي يتم تحديد قيمة الليرة التركية من قبل البنك المركزي التركي، إلا أنه بسبب التغيرات في الاقتصاد العالمي والتقلبات في التجارة الخارجية للدول جعل سعر الصرف الذي يحدده البنك المركزي أمر غير مستدام.

فقد تركت الجمهورية التركية الفتية منذ تأسيسها عام 1923 حتى عام 1930، قيمة عملتها لتقلبات العرض والطلب، وفي عام 1931 تم إجراء تعديلات مختلفة وطفيفة على قيمة الليرة التركية من قبل البنك المركزي.

تخفيض قيمة العملة في 7 سبتمبر 1946

كانت الثلاثينيات من القرن الماضي فترة شهدت ميلًا نحو سياسة تدخل الدولة في الاقتصاد وتم تطبيق ضوابط صارمة على النقد الأجنبي، وخلال الحرب العالمية الثانية، ظلت قيمة الليرة التركية مرتفعة مقابل العملات الأخرى.

إلا أنه نتيجة للتضخم الذي حصل خلال الحرب والمناخ المشجع للتحرر في الاقتصاد مابعد الحرب أدى إلى تخفيض قيمة الليرة التركية  بقرار من حكومة رجب بكر عام 1946 بنسبة 40 في المئة ليرتفع الدولار من 1.3 إلى 2.8 ليرة تركية.

تخفيض قيمة العملة في 4 أغسطس 1958

كان الاقتصاد العالمي بعد الحرب العالمية الثانية مختلفًا تمامًا عن الثلاثينيات من جميع النواحي، حيث انقسم العالم إلى معسكرين محور الولايات المتحدة ومحور الاتحاد السوفييتي، وأصبحت المساعدات الرسمية التي قدمتها القوى العظمى عنصرًا تنافسيًا بين المحورين واختارت تركيا حينها الوقوف إلى جانب الكتلة الغربية في الحرب الكورية، وغير برنامج المساعدات الخارجية الأمريكية واقتصاد السوق الحر المصاحب له، سياسات الاقتصاد التركي.

وحينها أجبرت الظروف وزيادة الديون الخارجية  لتركيا للتعرف لأول مرة في تاريخها على صندوق النقد الدولي، الذي تسبب في تخفيض قيمة الليرة التركية بنسبة 321 بالمئة إلى 9 ليرات مقابل الدولار في 4 أغسطس 1958.

تخفيض قيمة العملة في 10 أغسطس 1970

خلال فترة الستينات مرت تركيا فترة تخطيط وتحديد لأولويات سياسات الاستثمار خلال الخطة الخمسية التي بدأت مع تأسيس هيئة تخطيط الدولة عام 1960 بالإضافة لمؤسسات أخرى، ولكن عدم التوافق بين الخطط الموضوعة وإدارة الاقتصاد الكلي قصير الأجل كان أهم عقبة في سياسات التخطيط.

ومنذ 1964، تسببت سياسات التسعير وأزمة ميزان المدفوعات إلى تخفيض قيمة الليرة التركية بنسبة 66 بالمئة من 9 إلى 15 ليرة مقابل الدولار.

تعديلات سعر الصرف خلال الأعوام 1970-1980

كانت فترة السبعينيات تشهد حالة عدم استقرار اقتصادي على مستوى عالي في تركيا والدول النامية والمتقدمة، من حيث الصراع ثنائي القطب الذي تسبب في زيادة النفقات الدفاعية وتقييد الموارد من الدول العظمى للبلدان في معسكراتها، وانهيار نظام بريتون وودز الذي حدد النظام الاقتصادي من جديد.

في أغسطس 1971، أعلن رئيس الولايات المتحدة ريتشارد نيكسون فك ارتباط الدولار بالذهب أي إلغاء التحويل الدولي المباشر من الدولار الأمريكي إلى الذهب، وتحولت العملات العالمية إلى التعويم الحر.

وفي نهاية عام 1973 أدى تضاعف أسعار النفط أربع مرات في منظمة أوبك في غرق الاقتصادات النامية في الديون، بما في ذلك تركيا، ودخول أزمة جزيرة قبرص وحظر السلاح الأمريكي على تركيا، أدخل تركيا في أزمة دائرية مستمرة.

وبسبب عدم قدرتها على سداد ديونها المستحقة، أجبرت تركيا على عقد اتفاقية مع صندوق النقد الدولي عام 1978، وفي إطار البرنامج المنفذ من قبل الصندوق تم خفض قيمة الليرة التركية ليبلغ الدولار الواحد 25 ليرة تركية، ثم في العام التالي تم خفض الليرة ليصل قيمة الدولار 47 ليرة تركية.

وتميزت فترة نهاية السبعينيات في تركيا بقصور المواد الأساسية، والركود الاقتصادي، وارتفاع التضخم، والاضطرابات الاجتماعية والسياسية، وبرامج الاستقرار غير القابلة للتنفيذ، كما تسببت أزمة النفط الثانية التي أثارتها الحرب العراقية الإيرانية عام 1979 صدمة اقتصادية كبرى، تسببت في حدوث أزمة ديون عالمية، أجبرت تركيا للاقتراض لمنع وصول اقتصادها إلى نقطة لا يمكن السيطرة عليها.

وكانت حركة التحرر الاقتصادي التي قادها الرئيس الأمريكي رونالد ريغان ورئيسة الوزراء البريطانية مارغريت ثاتشر في ثمانينيات القرن العشرين، قد أجبرت تركيا على الانفتاح على السوق الحر في 24  يناير 1980 للحصول على قرض صندوق النقد الدولي في إطار البرنامج الاقتصادي الجديد الذي اعدته لتركيا، والانتقال إلى نموذج النمو الموجه للتصدير.

وفي ظل هذا النموذج الاقتصادي الجديد تطلب أن يكون سعر الصرف متقلبا لضمان القدرة التنافسية، ووفقا لذلك تم خفض الليرة التركية ليرفع الدولار من 47 إلى 70 ليرة تركية.

الانتقال إلى نظام سعر الصرف الحر

واعتبارا من 1 مايو/ أيار 1981، بدأ البنك المركزي التركي الإعلان بشكل يومي عن القيمة السوقية  لليرة التركية مقابل الدولار، لتتحول تركيا من نظام الصرف الثابت إلى العائم الموجه من قبل البنك المركزي.

ومع إنشاء أسواق النقد الأجنبي داخل المركزي التركي في أغسطس 1988، ترك سعر صرف الليرة التركية يحدد يوميا وفقا لتقلبات العرض والطلب.

انخفاض الليرة التركية 28 بالمئة في أزمة 2001

شهدت تركيا أكبر انخفاض في قيمة عملتها خلال الأربعين عاما الماضية في 22 فبراير 2001، حيث لعبت التوقعات الاقتصادية السلبية والتوترات السياسية الدور الأكبر في ارتفاع الدولار الأمريكي من 685 ألف إلى 957 ألف ليرة تركية، وتسبب ذلك حدوث تغيرات سياسية واقتصادية في البلاد.

حذف 6 أصفار من العملة

بعد النمو الاقتصادي الذي تحقق خلال حكم حزب العدالة والتنمية، أصبح من الضروري إجراء تعديلات على الليرة التركية، ولأجل ذلك أصدر قانون تنظيم العملة للجمهورية التركية يوم 28 يناير/كانون الثاني 2004، جرى بعدها حذف 6 أصفار من العملة بتاريخ 1 يناير/كانون الثاني سنة 2005 ليبدأ الجيل الثامن من النقود.

منذ ذلك الحين بدأت رحلة جديدة لليرة التي باتت تساوي 1.34 دولار، لكن ذلك السعر لم يستمر طويلا، إذ تراجع سعر الصرف لنحو 1.43 ليرة للدولار مع نهاية عام 2006.

انخفاض قيمة الليرة التركية بعد 2018

أدت التوقعات الاقتصادية السلبية والعلاقات المتوترة بين الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا بسبب القس برونسون إلى زيادة الدولار الأمريكي من 3.75 ليرة تركية في بداية عام 2018 إلى 7 ليرة تركية خلال العام.

وانخفضت قيمة الليرة التركية بنسبة 9٪ في 13 أغسطس، و 13.6٪ في 14 أغسطس مقابل الدولار الأمريكي.

وحدث آخر انخفاض مرتفع خلال العقد الماضي، في 22 مارس 2021، بنسبة 8 في المئة مع التقلبات الناجمة عن إقالة محافظ البنك المركزي التركي ناجي أغبال.

Exit mobile version