سنديانة الكرامة في ذكرى يوم الأرض

عبير الرنتيسي – باحثة ومحللة سياسية

يهبّ علينا عبق ذكريات المجد والكرامة في ذكرى يوم الأرض (30 مارس 1976م)، يوم أن اشتعلت الأرض تحت أقدام المحتل لظىً من أرض النقب الثائر حتى أرض الجليل والمثلث، هذا اليوم الذي تعانقت فيه دماء الشهداء الزكية مع ترب أرض فلسطين الطاهرة في رسالة صارخة في وجه المحتل أنّا هنا باقون ما بقي الزعتر والزيتون.

في ذكرى يوم الأرض لا يمكن أن ننسى سنديانة الكرامة الفلسطينية التي تنتمي بحق لهذه الأرض المباركة، وتتجذر روحها فيها كما تتجذر أشجار فلسطين في أرضها ، لا يمكن ان ننسى صورة المسنة الحاجة محفوظة وهي متشبثة بشجرة زيتون، وتبكي لتحميها وكأنها تحوطها بروحها، بينما جنود الاحتلال الصهيوني ينظرون بكل خسة وعنجهية.

وتعود الذكرى السادسة والأربعون ليوم الأرض في ظل التحديات والمعاناة التي تواجهها المرأة الفلسطينية بأبشع صورها من قتل و تهجير وتنكيل وإيذاء واعتقال وسجن وترهيب ، هذا هو المشهد الذي تعيشه المرأة الفلسطينية يوميا وكم من سنديانة للكرامة تأبى إلا أن تتثبت بأرضها وبشجر الزيتون التي ستظل في عيون وذكريات الأجيال شرارة الثورة وشارة الكرامة والفداء.

وكم من سنديانة للكرامة مثال الأم الفلسطينية التي تربي أبناءها على التمسك بحقهم في هذه الأرض الطاهرة، كما تمسك بها أجدادها، وتربيهم على ألا يفرطوا بحبة رمل منها ، ولا يتهاونوا بورقة شجر فيها . فالمرأة الفلسطينية هي الحارس الفعلي للقضية الفلسطينية والداعم الأول للرباط، وصمودها من صمود رجالنا وأطفالنا فهي شعلة القضية المتقدة التي لم تنطفئ ولن تنطفئ.

وكم من سنديانة للكرامة في صورة الانتماء الفطري الذي يزداد في قلب كل فلسطينية حرة ذات كرامة وعزة، والتي تصرخ من أعماقها، لا للتفريط بأرضنا، لا وألف لا لمشاريع الإستسلام المذلّة، والتي ستصفي قضيتنا، وستحرمنا من ثرى بلادنا.

ولن تنجح كل محاولات الالتفاف على الحق الفلسطيني سواء كان ذلك بالعدوان المباشر أو كان ذلك بتزوير الوثائق وادّعاء ملكية عقارات وأراض أو حتى إن كان ذلك باقتلاع شجر الزيتون، فإن سنديانة الكرامة ليس في واردها أن تتقهقر أو تستسلم.

ويتجسد كل هذا في روح البطولة وقيمة الحرية ومعنى الفداء، فيتجدد في وعيها قوة الدم الذي نزف شلالًا دفاعًا عن الأرض التي ثارت كالبركان في وجه المحتلين رغم التنكيل والقمع والإرهاب والتمييز العنصري وسلب الأرض وهدم القرى، كما أنها تؤكد في كل مرة أنّ المرأة الفلسطينية كانت وما زالت وستبقى متشبثةً بالأرض، متمسكةً بها، مستعدةً للتضحية من أجلها مهما كلّف ذلك من ثمن. فكم من سنديانة للكرامة تشارك الرجل في النضال ضد الاحتلال الصهيوني في كل الأراضي الفلسطينية.

على الرغم من أنهن خضنّ الحروب ضد المحتل الإسرائيلي واستشهد أبنائهن واعتقل أشقائهن وأصيب أبائهن، إلا أن لديهن قدرة على العطاء المتواصل في الدفاع عن فلسطين وحماية الأسرة، وبناء جيل يناضل المحتل حتى التحرير، في رسالة واضحة وصلت إلى العالم بأن المرأة الفلسطينية بنضالها وكفاحها وصمودها أصبحت نموذجاً للكرامة يجب أن يحتذى به في كل بقاع الأرض.

في ذكرى يوم الأرض ألف تحية للمرأة الفلسطينية القوية التي تسير وهمُّ تحرير الأقصى على كتفيها، حيث تقف بتجذر وثبات وأمل بالتحرير، وإيمانها بأنها تمتلك الحق في هذه الأرض هون عليها تقديم الغالي والنفيس لاسترجاع ما أخذ بالقوة.
وإن قالوا لها انحني قالت بل انحنوا، هي التي تقبّل قيعان الأرض قدميها ورغم خوضها كل الصعاب ركبتاها ما إنثنوا، وعبثاً يحاول هذا المحتل أن ينزع المرأة الفلسطينية من أرضها، أو أن ينتزع الأرض من قلبها، فكانت ومازالت في يوم الأرض سنديانة للكرامة والحرية ، همها الوطن وعينها على القدس وحق العودة حقها المقدس.

Exit mobile version