طوفانٌ هادر.. رسالة المقاومة ودرسٌ للأجيال

بقلم: هدى نزار عوض الله

في بقعةٍ جغرافية صغيرة لا تتعدى مساحتها 365 كم²، مكبلة منذ عقود بقبضة الاحتلال، خاض شعب غزة حرباً لم تكن في حسبان أحد. ورغم محاولات الاحتلال الدؤوبة لكسر إرادة هذا الشعب، إلا أن ما حصل كان مختلفًا عن توقعاتهم.

بحنكة القادة وإيمانهم، بسواعد المجاهدين وعدّتهم، انطلقت شرارة البداية. خرجت الرشقات التي جُهزت لسنواتٍ من مكمنها، وانطلق المجاهدون عبر حدود الغلاف، محصّنين بقوله تعالى: “وجعلنا من بين أيديهم سداً ومن خلفهم سداً فأغشيناهم فهم لا يبصرون”. تسارعت الأحداث، وارتفعت التكبيرات في السابع من أكتوبر، ذلك اليوم الذي خلّد في ذاكرة التاريخ كأحد أيام الله.

القائد العام وإطلالة الملثم

“فإننا نعلن بدء عملية طوفان الأقصى”، كلماتٌ ألقاها القائد العام لكتائب الشهيد عز الدين القسام، تبعها ظهور الملثم بكلمة التوحيد على لثامه، وقوله تعالى: “عباداً أولي بأسٍ شديد”. بزيّه العسكري وسبابته المهددة، وجّه رسالة واضحة للكيان المحتل، مؤكداً أن طوفان الأقصى جاء كردٍ على الاعتداء على مسرى نبينا وانتهاك حرماته، وأعلن عن وقوع جنودٍ قتلى وأسرى لدى شباب المقاومة. وكعادته، ختم بعبارته الشهيرة: “وإنه لجهاد، نصرٌ أو استشهاد”.

صمودٌ لا ينكسر

لمّا شعر المحتل بالهزيمة، صعّد من قسوته على أهل غزة، فاستهدف البيوت الآمنة وأمعن في تدميرها. لكن رغم ذلك، كان الناجون يخرجون من تحت الركام، رافعين إشارات النصر قائلين: “كلنا فداءٌ للمقاومة”. أبناء غزة بقوا ثابتين، مثل ذاك الصحفي الذي فقد أهله واحداً تلو الآخر، ليكون هو وأسرته الخبر نفسه. حتى في ظل هذه المآسي، كان يهدّئ ابنته بعبارة: “معلش”، ويواصل نضاله.

أما عن سعيهم وراء العلم، فهناك من نال درجة الدكتوراه تحت الخيام، وآخرون تحدّوا الصعوبات ليواصلوا دراستهم، حتى في أماكن غير متوقعة. وفي خضم هذا الصمود، اختاروا موائد القرآن بديلاً عن الطعام، يتلون ويعلمون أبناءهم كتاب الله، صامدين بوجوه شاحبة وقلبٍ مفعم بالإيمان. غزة هنا تجسّد روح الأمة، بصمودها وصبرها، بأمهاتها اللواتي يودعن أبناءهن، بأبطالها الذين يرددون: “حسبنا الله ونعم الوكيل”.

الاغتيالات تطال القادة

لم يكتفِ الاحتلال بمحاولة تغطية فشله في غزة، بل وسّع دائرة استهدافه، حيث نفذ سلسلة من الاغتيالات ضد قادةٍ بارزين. فقد اغتال الشهيد القائد صالح العاروري في بيروت، وتلاه اغتيال القائد إسماعيل هنية في طهران، واستشهد قبل أيام البطل المغوار يحيى السنوار خلال اشتباكٍ مسلح. سلامٌ على قادتنا الذين مضوا، فهم الذين قدّموا وضحّوا.

ختاماً: “وكلٌّ على ثغره”

الآن، ما المطلوب منا؟ فلنجدّد الإيمان والولاء، ونوجّه قلوبنا لله بالدعاء لإخوتنا المستضعفين. فلندعم المنتجات البديلة ونقاطع داعمي الاحتلال، لنخرج في المسيرات، ونغلق السفارات، ونرفع الشعارات. لنكتب وننشر، وليؤدّ كلٌّ منا دوره في هذه المعركة. لنسأل أنفسنا: هل أدّينا الواجب حق أدائه؟ فلنغيّر أنفسنا نحو الأفضل، “إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم”.

Exit mobile version