يكاد محمد الصباغ لا يغادر منزله في حي “الشيخ جراح” الفلسطيني شرقي القدس المحتلة خشية إخلائه وأفراد أسرته من المنزل الذي يقيمون فيه منذ عام 1956 بعد لجوئهم من مدينة يافا عام 1948.
وتتكون عائلة الصباغ من 5 أسر يبلغ عدد أفرادها 32 فردا، بينهم 6 أطفال وهم يخشون اللجوء الثاني لصالح جماعات استيطانية إسرائيلية.
في العامين 2008 و2009 تم إخلاء 3 عائلات فلسطينية من منازلها في الحي القريب من البلدة القديمة بالمدينة، فيما تلقت 7 عائلات أخرى إنذارات بإخلاء منازلها خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وقال الصباغ، في غرفة صغيرة بمنزله المتواضع المكون من طابقين في حي الشيخ جراح، للأناضول: “نحن وجيراننا من العائلات الأخرى في هذه المنطقة لاجئين، فعائلتنا لجأت من يافا (شمال) وهناك عائلات لجأت من حيفا (شمال)”.
وأضاف: “بعد حرب 1948 لجأنا إلى القدس حيث يتواجد أقارب لنا وقد استضافونا حتى عام 1956، عندما أقمنا منازلنا هذه بموجب مشروع نفذته الحكومة الأردنية آنذاك بالتعاون مع وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)”.
استمرت حياة العائلات الفلسطينية في المنطقة حتى العام 1972 حينما قالت مجموعات استيطانية إسرائيلية إن المنازل أقيمت على أرض امتلكها يهود قبل عام 1876.
وذكر الصباغ: “في حينه كنا 28 عائلة وقمنا بتكليف محامي يهودي بالدفاع عنا لأن المحامين الفلسطينيين كانوا يخوضون إضرابا عاما، وفي عام 1976 نجح (المحامي) في منع إخلاء 4 عائلات”.
– إيجار رمزي مدة 99 عاما
وقال الصباغ: “عام 1982، توصل المحامي اليهودي ومحامي المستوطنين إلى أنهما لم يتمكنا من تحقيق أي تقدم في المحاكم وعليه فقد أبرما اتفاقا بينهما يقضي بأن تدفع العائلات الفلسطينية إيجارا رمزيا مقابل بقائها بمنازلها مدة 99 عاما”.
وأردف: “المحامي اليهودي وقع نيابة عن 17 عائلة كانت أوكلته مهمة الدفاع عنها ولكن العائلات رفضت هذا الاتفاق لأن اعترافها بأنها مستأجرة يعني ضمنيا إقرارها بأن الأرض للمستوطنين وهذا غير صحيح”.
واستطرد: “لم يجري أي تقدم في القضية حتى عام 1997، حينما توفي المحامي اليهودي، فقامت العائلات بتكليف محام فلسطيني بمهمة الدفاع عنها أمام القضاء الإسرائيلي وما زال يقوم بهذه المهمة حتى الآن”.
واستدرك: “في عام 2002 نجح محامي المستوطنين باستصدار قرار بإخلاء عائلة الغاوي من منزلها في الحي ولكن في 2006 نجحت العائلة بالعودة إلى منزلها بعد تقديم التماس إلى المحكمة العليا الإسرائيلية”.
ولكن في العام 2008 بدأت جماعات المستوطنين بخطوات عملية في إخلاء عائلات فلسطينية من منازلها بالحي.
ففي ذلك العام تم إخلاء عائلة الكرد من منزلها رغم الاحتجاجات المحلية والانتقادات السياسية الفلسطينية والدولية.
ولاحقا في العام 2009 تم إخلاء عائلتي الغاوي وحنون من منزليهما في الحي وانتقل مستوطنون إسرائيليون إلى هذه المنازل وما زالوا فيها حتى الآن.
– تجميد قرار الإخلاء
وقال الصباغ: “إخلاء العائلات الفلسطينية استند إلى الاتفاق الذي توصل إليه المحامي اليهودي مع محامي المستوطنين دون علم السكان”.
واستدرك: “فالمحكمة اعتبرت أنه طالما أن هذه العائلات لم تدفع الإيجار فإنها أخلت بالعقد وبالتالي يمكن إخلائها”.
في عام 2009، تمت دعوة الصباغ وعائلته للقدوم إلى المحكمة بعد تقديم جماعات المستوطنين دعوى إخلاء ضدها، رغم أنها كانت من أصل 11 عائلة لم يشملها اتفاق المحامي اليهودي.
وأوضح أنه “في عام 2012 قررت محكمة الصلح الإسرائيلية أن اتفاق المحامي اليهودي يسري على جميع العائلات الـ28 وطلبت من عائلة الصباغ إخلاء منزلها”.
وأردف: “توجهنا إلى المحكمة المركزية ثم إلى المحكمة العليا التي رفضت عام 2018 بحث موضوع الملكية وقررت أن نخلي منزلنا في مارس (آذار) 2019”.
واستطرد: “لكننا تمكنا لاحقا من تجميد الإخلاء حتى سبتمبر (أيلول) 2019، ثم تم تمديده إلى يناير (كانون الثاني) 2020”.
وتابع “توجهنا لاحقا باستئناف إلى المحكمة المركزية وجمدنا الإخلاء ونحن الآن بانتظار قرار المحكمة”.
وأشار إلى أنه خلال هذه الفترة أصدرت محاكم إسرائيلية قرارات بإخلاء 7 عائلات فلسطينية من منازلها في نفس المنطقة.
وقال الائتلاف الأهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في القدس (غير حكومي)، في تصريح مكتوب للأناضول، إن جماعات المستوطنين تنوي إقامة مستوطنة تضم 200 وحدة استيطانية على أنقاض المنازل الفلسطينية المقامة على أرض مساحتها 45 دونما.
– وثائق عثمانية تثبت ملكية الفلسطينيين للأرض
وذكر الصباغ، أن 80 عائلة تتكون من 550 فردا، تقيم حاليا في حي الشيخ جراء بالقدس الشرقية.
ورفض مزاعم الملكية اليهودية للأرض، مشيرا إلى أن العائلات حصلت على وثيقة عثمانية من تركيا تؤكد على أن ملكية الأرض تعود لعائلة حجازي الفلسطينية.
وأردف: “المحاكم الإسرائيلية ترفض دون مبرر بحث موضوع ملكية الأرض، بما في ذلك هذه الوثيقة العثمانية، لأن من شأن ذلك إثبات زيف مزاعم جماعات المستوطنين”.
ولفت إلى التناقض والتمييز الصارخ الموجود بالقانون الإسرائيلي في التعامل مع المطالب الفلسطينية والإسرائيلية.
وتابع: “بموجب القانون الإسرائيلي يحق لليهود المطالبة بأملاك يزعم ملكيتها قبل العام 1948 بينما لا يحق لي كفلسطيني المطالبة باسترداد أملاكي ما قبل العام 1948”.
وأردف: “نحن نملك منزلين في يافا فلماذا لا نستردها؟نحن نطالب بهذه العقارات منذ زمن ولكن لا يقبلون حتى البحث بهذا الأمر”.
وما زال الصباغ يحتفظ بصور لوالده وأعمامه في منزلهم في يافا، الذي يقول أن إسرائيليين يقيمون فيه الآن.
وفي هذا الصدد، تقول حركة السلام الآن الإسرائيلية (غير حكومية)، في تقرير وصلت نسخة منه للأناضول، “في عام 1970، تم سن قانون الشؤون القانونية والإدارية في إسرائيل، والذي نص، من بين أمور أخرى، على أن اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم في القدس الشرقية عام 1948 يمكنهم استرداد ملكيتها”.
واستدركت الحركة: “من المهم الإشارة إلى أن القانون الإسرائيلي (قانون أملاك الغائبين لعام 1950) لا يسمح للفلسطينيين الذين فقدوا ممتلكاتهم في إسرائيل عام 1948 باستعادتها”.
وأضافت “هكذا، ودون التصريح بذلك صراحة، ينص القانون الإسرائيلي على قانون لليهود وآخر مختلف للفلسطينني”.
وتابعت: “في حالات معينة، كما في حالة الشيخ جراح، يؤدي تطبيق القانون إلى إخلاء اللاجئين الفلسطينيين من منازلهم، وفي الواقع يجعلهم لاجئين للمرة الثانية”.
وأوضحت أنه “علاوة على ذلك، حرصت حكومة إسرائيل على تعويض جميع اليهود الذين فقدوا ممتلكاتهم عام 1948 ومنحتهم أصولا بديلة داخل إسرائيل”.
وأفاد الصباغ قائلا: “لا نعرف ماذا سيحدث، فإذا أخرجونا إلى أين سنذهب؟ نخشى الترحيل من جديد، نحن سنبقى بالمحاكم حتى النهاية”.
وأردف: “لن نخرج إلا إذا أجبرونا على الإخلاء، ولكننا ندرك أن المحكمة الإسرائيلية لن تنصفنا في نهاية الأمر”.
وتابع: “تم تهجيرنا من ممتلكاتنا في العام 1948 ونخشى تهجيرنا مرة أخرى من ممتلكاتنا الآن”.