غزة تواجه ثلاثية القتل والنزوح والتجويع في ظل غياب القانون الدولي

وردة رضوان – غزة

تتواصل حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة، بوتيرة متصاعدة، تحت ما يسميه الاحتلال الصهيوني بـ”زيادة الضغط العسكري”. وكما هو الحال منذ بدء العدوان، لا خطوط حمراء تُحترم، ولا حرمة لمدني أو مرفق إنساني تُراعى. فكل ما في القطاع مستهدف: البشر والحجر، البيوت والمخيمات، وحتى المؤسسات الدولية.

في الأيام الأخيرة، تضاعفت جرائم الاحتلال، الذي بات يستهدف النساء والأطفال بشكل مباشر، قتلاً وتشويهاً وحرقاً، وصولًا إلى قطع الرؤوس، في مشاهد دامية تتجاوز حدود التصور الإنساني، وتشكّل إمعانًا فجًّا في انتهاك كل القوانين والأعراف الدولية.

وفي فصل جديد من فصول الكارثة، يتجدد النزوح القسري لعشرات الآلاف من سكان رفح وخانيونس وبيت حانون وبيت لاهيا، ضمن خطة الاحتلال لزيادة الضغط العسكري على غزة. غير أن موجة النزوح هذه تُعدّ الأخطر والأكثر قسوة منذ بدء الحرب؛ إذ إنّ الناس الآن منهكون جسدياً ونفسياً، ولا يملكون شيئاً تقريباً. بات النزوح اليوم نزوحًا للروح قبل الجسد، بعد أن أثقلت كواهل الناس جراح الحرب الطويلة، وأرهقتهم الأيام الثقيلة، لا سيما مع وجود الجرحى وكبار السن، والأطفال حديثي الولادة، وذوي الإعاقة، وهم من ضحايا هذه الحرب أصلاً.

يزداد المشهد قتامة مع تعمّد الاحتلال فرض سياسة التجويع، عبر تشديد الحصار وإغلاق المعابر، منذ بداية شهر رمضان الماضي، ما فاقم من معاناة الناس في أبسط تفاصيل حياتهم، بدءًا من الحصول على الطعام، مرورًا بالماء والدواء، وصولًا إلى حرمانهم من التنقل أو العلاج.

وفي ظل هذا القتل والتجويع والتهجير القسري، لا تزال جرائم الاحتلال تُوثّق بالصوت والصورة: استهدافٌ مباشر لفرق الهلال الأحمر، وطواقم الدفاع المدني، والمخيمات الواقعة في المدارس والمرافق الصحية التابعة لوكالة الغوث الدولية، وقصف للاجئين المدنيين، وسط صمت دولي مخيف، وتفرج مجلس الأمن، واكتفاء الأمم المتحدة بالتعبير عن “القلق العميق”، في مشهد يعكس غياب سلطة القانون الدولي وعجزه الفاضح عن وقف هذه الحرب الإجرامية، التي تجاوزت كل المعايير الإنسانية والقانونية.

وقد تخطى شعبنا في غزة مرحلة التعجب والدهشة من هذا الغياب المدوي للقانون الدولي، ومن الصمت العالمي المخزي، والتخاذل العربي والإسلامي. لكننا، رغم كل شيء، لا نزال نناشد أصحاب الضمائر الحية حول العالم، التحرك الجاد لوقف حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بحقنا، فهذا عدو نازي وفاشي لا يتورع عن ارتكاب أبشع الجرائم.

أما نحن، في غزة، فلا ملجأ لنا ولا منجى إلا إلى الله، القادر على أن يوقف هذا النزيف، ويُري العالم عظيم قدرته، فهو مولانا ولا مولى لهم. نعم، نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلاً، لكن الحياة غابت، والخيارات تلاشت، والقصف لا يتوقف، والطائرات والدبابات والبوارج والطائرات المسيرة تلاحقنا ليل نهار. كلٌّ منّا ينتظر دوره، وما هي إلا مسألة وقت لا أكثر.

لكن في قلب هذا الظلام، نبتهل إلى الله:
اللهم آتنا من القوة ما نُذيب به صلب الجبال، ويسّر لنا بعد العسر، فإنّا على عهدك ووعدك ماضون.
فلسطين وطننا، وغزة رمز صمودنا، والديار ديارنا، نعشقها، ونؤمن أننا سنعود وننتصر.
‏ولَسوفَ يَفتَحُهَا الإله فأَيقِنُوا .. ‏ما كَان صَعبًا بالتَّوَكُّلِ يَسهُل.

Exit mobile version