قراءة في عام من طوفان الأقصى: بين الصمود الفلسطيني والفشل الإسرائيلي
د. أميرة فؤاد النحال – كاتبة فلسطينية
أحدثت معركة طوفان الأقصى، التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023، نقلة نوعية غير مسبوقة في مسار القضية الفلسطينية وطبيعة الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي. هذه المعركة جاءت كجزء من سلسلة طويلة من المقاومة التي يخوضها الفلسطينيون منذ أكثر من 75 عامًا، وبدأت بهجوم مفاجئ نفذته كتائب القسام على مستوطنات غلاف غزة، والذي وُصف بأنه غير مسبوق من حيث حجمه وتوقيته. شمل الهجوم عمليات برية وبحرية وجوية، واستخدمت فيه الطائرات الشراعية، ما أدى إلى سيطرة مؤقتة لمقاتلي حماس على عدة مستوطنات، وأسفر عن مقتل أكثر من 1400 إسرائيلي وجرح المئات، بالإضافة إلى أسر حوالي 200-250 شخصًا، حسب تصريحات أبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام.
غزة تحت الحصار والمقاومة المستمرة
غزة تعاني من حصار خانق منذ عام 2007، وخلال 16 عامًا، خاضت ست حروب كبرى، بدءًا من حرب الفرقان (2008-2009) وحتى معركة وحدة الساحات (2022). هذه الحروب تسببت في آلاف الشهداء والجرحى، بالإضافة إلى دمار كبير في البنية التحتية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات والجامعات. أدت الحروب والحصار إلى انهيار الاقتصاد المحلي وارتفاع معدلات البطالة والفقر، إلا أن طوفان الأقصى جاء ليعكس استمرار المقاومة الفلسطينية في مواجهة الاحتلال، رغم كل التحديات.
الفشل الاستخباراتي والعسكري الإسرائيلي
من أبرز النقاط في معركة طوفان الأقصى هو الفشل الاستخباراتي الإسرائيلي في التنبؤ بالهجوم. التحضيرات اللوجستية المعقدة التي سبقت الهجوم لم تلتقطها أجهزة المخابرات الإسرائيلية، مما أثار تساؤلات حول كفاءة وفعالية هذه الأجهزة. الهجوم شكّل صدمة ليس فقط للقيادة العسكرية بل أيضًا للمجتمع الإسرائيلي ككل، وفتح باب التساؤلات حول جاهزية الجيش الإسرائيلي للتصدي لمثل هذه التهديدات.
التصعيد الإقليمي وتدخل القوى الخارجية
بعد الهجوم، شنت “إسرائيل” هجمات جوية مكثفة استهدفت البنية التحتية للمقاومة في غزة، لكن هذه الهجمات شملت أيضًا مناطق مدنية، ما أدى إلى دمار هائل وخسائر بشرية كبيرة. في الوقت نفسه، تدخلت قوى إقليمية لدعم غزة، مثل حزب الله الذي فتح جبهة في الشمال، إضافة إلى جماعة الحوثي في اليمن التي شنت هجمات صاروخية على “إسرائيل”. هذه التدخلات زادت من تعقيد المشهد وأثقلت كاهل الجيش الإسرائيلي بتعدد الجبهات.
الاغتيالات والتصعيد الإيراني
بعد اغتيال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله، ردت إيران بهجمات صاروخية استهدفت مواقع استراتيجية داخل “إسرائيل”، مثل مقر الموساد وقاعدة حتسريم. هذا التصعيد فتح الباب أمام تدخلات دولية أكبر، خشية من أن يتحول الصراع إلى حرب إقليمية شاملة.
تداعيات عالمية واقتصادية
معركة طوفان الأقصى أثرت بشكل كبير على الاقتصادين الفلسطيني والإسرائيلي. في غزة، تعرضت البنية التحتية للتدمير الكامل، مما زاد من معاناة الأهالي وفاقم الأوضاع الإنسانية. أما في “إسرائيل”، فقد تسببت الهجمات في تعطيل النشاطات الاقتصادية في المناطق المتضررة، وأدت إلى تكاليف باهظة على الدولة من جراء نشر القوات وتشغيل الأنظمة الدفاعية.
على المستوى العالمي، أدت التوترات الجيوسياسية إلى تأثيرات غير مباشرة على الاقتصاد العالمي، خاصة في مجال الملاحة البحرية، حيث تعددت الهجمات التي استهدفت حركة التجارة العالمية عبر البحر الأحمر. هذه التوترات أسهمت في ارتفاع تكاليف الشحن وزيادة التضخم العالمي.
الأبعاد الإنسانية للمعركة
الهجمات الإسرائيلية على قطاع غزة خلفت كارثة إنسانية. استخدام أسلحة شديدة التدمير، مثل قنبلة MK-84، أدى إلى ارتقاء آلاف الشهداء، معظمهم من النساء والأطفال. كما تعرضت المستشفيات والمرافق الصحية للقصف، مما فاقم من معاناة السكان، وزاد من انتشار الأمراض في ظل نقص الموارد الصحية. بالإضافة إلى ذلك، نزح آلاف الفلسطينيين من منازلهم بحثًا عن الأمان، ولكنهم وجدوا أنفسهم في ظروف إنسانية قاسية.
الأثر السياسي
على المستوى السياسي، شكّلت معركة طوفان الأقصى تحديًا كبيرًا للحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو، التي واجهت انتقادات واسعة بعد الفشل في منع الهجوم. هذا الفشل عزز الانقسامات الداخلية في المجتمع الإسرائيلي وأدى إلى زعزعة الثقة في القيادة السياسية.
من جهة أخرى، أعادت المعركة القضية الفلسطينية إلى الواجهة الدولية، وأثرت بشكل كبير على سير التطبيع بين “إسرائيل” وبعض الدول العربية. الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين اجتاحت العديد من الدول، ما أثّر على السياسات الخارجية لتلك الدول.
الختام
رغم الدمار الذي خلفته معركة طوفان الأقصى، إلا أنها أعادت للأمة العربية والإسلامية شعور الكرامة والعزة. المعركة أظهرت قدرة المقاومة الفلسطينية على إحداث تحول في ميزان القوى، وهي دعوة للأمة لتوحيد جهودها واستعدادها لمواجهة المشروع الصهيوني.
في الختام، طوفان الأقصى ليس مجرد معركة عسكرية، بل هو محطة مهمة في تاريخ الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وسيظل تأثيرها يتردد لعقود قادمة.