منى الكرد: فاجأني التفاعل العالمي مع قضية الشيخ جراح
بدأ التوأم منى ومحمد الكرد بتوثيق محاولات المستوطنين الاستيلاء على منازل في الشيخ جراح منذ أن كانا في الثانية عشرة من العمر. وببلوغهما سن الـ 23، تحوّل التوأمان الفلسطينيان رمزاً عالمياً للحي الذي ينكّل الاحتلال الإسرائيلي بأهله بين حين وآخر.
تقول الكرد، التي باتت أيقونة الشيخ جراح، في حديث إلى “الأناضول”: “فتحنا أعيننا على الدنيا بوجود مستوطنين في الحي وجمعيات استيطانية تحاول الاستيلاء على منازل الفلسطينيين فيه. وعشنا هذه القضية طوال حياتنا”.
قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، كان التوأمان يتحدثان مع الصحفيين والمجموعات الأجنبية التي تأتي من الخارج للتضامن مع أهالي الحي.
تشرح الكرد: “كنا ندافع عن القضية منذ أن كنا أطفالاً، واليوم أصبحنا شابات وشباناً وما زلنا نتحدث عن الشيخ جراح، ولم نمل”.
عبء الشهرة.. وتحدياتها
مع انطلاق حملة “أنقذوا حي الشيخ جراح” في مارس/ آذار الماضي، برزت شخصية منى التي تقول إنها تتابَع الآن من جانب أكثر من مليون ونصف المليون شخص، عبر شبكات التواصل الاجتماعي. ولكن هذه الشهرة تلقي بعبئها الثقيل عليها.
تقول: “هو عبء كبير، وربما أنا وضعت في هذا المكان رغما عني. فمنذ أن كنت طفلة، وأنا أرفع لواء قضية الشيخ جراح وأقول إن المستوطنين اخذوا نصف بيتي واستولوا على منازل جيراننا”.
وتلفت إلى أنه بعدما اكتسبت قضية الشيخ جراح بعداً إنسانياً عالمياً، “بات جميع سكان الحي يتكاتفون، ونخفف الحِمْل عن بعضنا بعضا”.
وتعزو الكرد التفاعل الكبير مع القضية إلى الحملة الإلكترونية الواسعة التي أطلقتها قبل نحو ثلاثة أشهر.
تقول: “جاءت فكرة حملة أنقذوا حي الشيخ جراح بشكل عفوي، فبعدما طرقنا، كسكان للحي، جميع الأبواب الحكومية والحقوقية والدولية، ولم نلقَ أي رد إيجابي.. ارتأينا كشباب نعيش عصر شبكات التواصل الاجتماعي التوجه نحو حملة إعلامية إلكترونية، على أمل أن تلقى الصدى المطلوب وأن يعرف الناس، على الأقل، ما يحدث في هذا الحي المقدسي”.
وتوضح أن الهدف الرئيسي للحملة “أن يعرف الناس أن هناك 500 شخص من الممكن أن يطردوا من منازلهم إلى الشارع في أي لحظة”.
ولكن القائمين على الحملة، وجميعهم من الشباب من سكان المنطقة، لم يتوقعوا التجاوب الهائل مع الحملة.
تقول الكرد: “كانت شبكات التواصل الاجتماعي بصيص الأمل الوحيد المتبقي لنا، دفاعاً عن هذه القضية العادلة”.
وتشير إلى أن الحملة حققت أكثر ما هو متوقع منها بكثير: “لم نتوقع أن ملايين الناس حول العالم باتوا، خلال فترة قياسية، يؤمنون بهذه القضية وأنها تمسهم شخصيا. فنحن لا نتحدث عن 28 منزلا لـ 28 عائلة، وإنما 28 منزلا باتت تمثل كل المنازل في مدينة القدس خصوصا وفلسطين عموما”.
قضية عادلة.. واحتلال فاشي
تقيم 28 عائلة في منازل لها داخل حي الشيخ جراح في القدس منذ عام 1956، ولكن جمعيات استيطانية إسرائيلية تقول إن المنازل مقامة على أرض كانت بملكية يهودية قبل عام 1948، وهي تطالب منذ سبعينيات القرن العشرين بإخلاء المنازل من سكانها الأصليين.
وفي السنوات الماضية، نجحت الجماعات الاستيطانية بإخراج 3 عائلات من منازلها. وتفاقمت قرارات الإخلاء مطلع العام الجاري، ما بات يهدد جميع العائلات في الحي.
وتأمل الكرد بأن تساهم الحملة الإلكترونية، والتفاعل الواسع معها، في وقف قرارات التهجير فعلا.
وتقول: “لا يمكنني ان أكون وردية في توقعاتي، أو أن أقول إننا نتعامل مع كيان عادل. فنحن واقعيون، وندرك أننا نتعامل مع كيان صهيوني استعماري فاشي لا يريد أي وجود فلسطيني عربي في كل فلسطين، وليس فقط بالقدس”.
وتردف: “لا أؤمن بعدالة المحاكم الاستعمارية التي تبحث في قضايانا، لأنه في نهاية الأمر فإن القاضي نفسه مستوطن إسرائيلي وضع قوانين لخدمة الاستيطان والمستوطنين، ولكننا مجبرون على التعاطي مع هذه المحاكم”.
وتستدرك قائلة: “أنا أؤمن بالحراك الشعبي على الأرض، وأنه بإمكان هذا الحراك، سواء على الأرض أو عبر شبكات التواصل الاجتماعي، أن يشكل ضغطا عالميا – وبالتالي – سياسياً على الحكومات التي بدورها تضغط على إسرائيل. ولكنني أدرك في الوقت عينه أن هذا الكيان لن يكون عادلا معي، فهو كيان قائم على الفصل العنصري”.
وتقول: “عندي أمل، فالعالم كله انتفض، والناس في عواصم كثيرة خرجت إلى الشوارع لتقول: كفى، لا نريد نكبة جديدة. وكفى احتلالا واستعماراً”.
وتضيف: “لقد آن الأوان لأن نعيش أحرارا على أرضنا الفلسطينية الكاملة من بحرها الى نهرها”.
“هذه بيوتنا.. وهذا واجبنا”
وكانت حكومة الاحتلال لجأت مع تصاعد الاحتجاجات المحلية والتعاطف الدولي مع قضية الشيخ جراح إلى تأجيل قرارات الإخلاء عبر المحكمة العليا الإسرائيلية.
وقررت المحكمة العليا الإسرائيلية عقد جلسة قبل 20 يوليو/ تموز المقبل، للبدء بالنظر في التماسات عائلات ضد قرارات إخلائها من منازلها في الشيخ جراح.
وبموازاة ذلك، فإن الاحتجاجات التي كانت شبه يومية ضد قرارات التهجير باتت أسبوعية.
وتقول الكرد: “المخاوف موجودة، ولكن قضية الشيخ جراح ليست جديدة، إذ إن عمرها 49 سنة في محاكم الاحتلال الاستعمارية. وكانت دائما تكون ظاهرة وطاغية عندما تكون هناك قرارات بالتهجير، لتعود وتخفت لاحقا”.
وتردف: “ثمة خوف من تراجع القضية، بسبب ملل الناس أو انشغالاتها، ولكنني أشعر طوال الوقت بأن التعويل هو علينا نحن أهالي الشيخ جراح. فإذا صمتنا سيصمت الناس، وإذا تحرّكنا.. سيتحرّكون معنا”.
وتشير الكرد، التي تصل الليل بالنهار عبر التفاعل الإلكتروني مع المتضامين مع الحملة، إلى أن “الأمر مجهد ومتعب، ولكن في نهاية الأمر فإن هذه منازلنا التي لا نريد الخروج منها”.
وتقول: “الأمر متعب، ولكنه واجب ومسؤولية. فهذا بيتي، وإذا لم أتحدث أنا عنه، فمن سيتحدث عنه؟”.
وتخشى الكرد من قرار سلبي قد يصدر عن المحكمة الاحتلال العليا بعد أن تنظر مجدداً في القضية، الشهر المقبل. “ولكن هناك بعض الأمل بأنه مع الضغط السياسي العالمي، فإن إسرائيل قد تلجأ إلى التأجيل، في محاولة منها لاستنزاف قوانا وإسكات الشارع المقدسي والفلسطيني.. كي ينسى العالم أن هناك قضية اسمها الشيخ جراح. إنها إبرة تخدير لتهدئة الشارع، ليس إلا”، وفق تعبيرها.
وتتابع بنبرة قوية: “نريد إلغاء قرارات التهجير بشكل نهائي”، ولكنها ترى أن الاحتمالات مفتوحة على كل الخيارات، سواء التأجيل أو التهجير.