نجاحات الاقتصاد التركي وتحدياته في عام 2021

يدخل العالم حقبة جديدة مع ابتداء عام 2022 بعد أن انقضى عام 2021 بحلوه ومره. وكان العام الفائت شهد ارتفاعات وانخفاضات في الاقتصاد التركي، من الصادرات وأسواق الأسهم إلى التحدي المزدوج المتمثل في ارتفاع التضخم وانحدار الليرة التركية.

ومن بين الإنجازات التي تحققت في عام 2021، قرار الحكومة بمضاعفة السياسة الاقتصادية التي تم الكشف عنها في الربع الأخير، والتي تهدف إلى خفض عجز الحساب الجاري وتحقيق معدل نمو مرتفع من خلال الاستثمار والإنتاج والتوظيف والصادرات، بدلاً من أسعار الفائدة المرتفعة.

وقدمت الدولة تدابير شاملة لتعويض تأثير جائحة كوفيد-19، لكنها تعاملت أيضاً مع انخفاض حاد في قيمة الليرة، حيث تمكنت من السيطرة عليها إلى حد ما خلال الأسابيع الأخيرة من العام الماضي.

ووصل انخفاض الليرة إلى أدنى مستوى لها على الإطلاق عند 18.40 مقابل الدولار الأمريكي في 20 ديسمبر/كانون الأول، قبل أن تسجل انتعاشاً تاريخياً في نفس اليوم بعد أن أعلن الرئيس رجب طيب أردوغان عن خطة جديدة لحماية الودائع بالليرة من تقلبات العملة.

وأدى انخفاض قيمة الليرة إلى زيادة تكلفة الواردات، وتبع ذلك سلسلة من التخفيضات في أسعار الفائدة، حيث بدأ البنك المركزي التركي منذ سبتمبر/أيلول بخفض أسعار سياسته الرئيسية بمقدار 500 نقطة أساس لتصل إلى 14%.

ولمساعدة العملة الوطنية على استعادة بعض مكاسبها المفقودة بسرعة خلال عام 2021، أطلقت الحكومة أداةً ماليةً لجعل المواطنين يشعرون بمزيد من الأمان بشأن الاحتفاظ بمدخراتهم في البنك.

ويربط البرنامج المالي فعلياً قيمة الودائع الجديدة الخاصة بالدولار الأمريكي، من خلال التعهد بتعويض الخسائر المتكبدة من التقلبات في سعر الصرف.

وعكَس الإجراء على الفور انزلاق الليرة، وأدى إلى ارتفاع تاريخي بنسبة 50% في قيمة العملة الوطنية في 24 ديسمبر/كانون الأول. وتعززت العملة بقدر أقل من 11 ليرة مقابل الدولار الأمريكي في كانون الأول/ديسمبر، لكنها لا تزال أضعف من قيمتها في بداية العام نفسه إذ كانت تعادل 7.44 دولار.

وأعلن البنك المركزي عن 5 تدخلات مباشرة لدعم الليرة في وقت سابق من ديسمبر/كانون الأول، بما في ذلك أكثر من 2 مليار دولار في التدخلات الثلاثة الأولى.

“احتفظ بكل المدخرات بالليرة”

دعا أردوغان المواطنين يوم الجمعة إلى الاحتفاظ بجميع مدخراتهم بالليرة التركية، وتحويل مدخرات الذهب إلى البنوك، قائلاً إن التقلبات الأخيرة في سوق الصرف تحت السيطرة إلى حد كبير.

وقال أردوغان في اجتماع مع رجال أعمال في إسطنبول: “أريد أن يحتفظ جميع المواطنين بمدخراتهم بعملتنا المحلية، وأن يديروا جميع أعمالهم بليرتنا التركية”.

وأضاف: “دعونا لا ننسى أننا طالما لا نأخذ عملتنا كمعيار، فإننا محكوم علينا بالغرق. الليرة التركية هي عملتنا الوطنية، وسنمضي بها قدماً ولن نمضي بعملة أجنبية”.

وأوضح أردوغان أن الحكومة تركز كل قوتها ومواردها على إنشاء اقتصاد جديد يقوم على التوظيف والاستقرار.

وأشار إلى أن “هدفنا هو توفير مناخ من الثقة والاستقرار لكل من رجال الأعمال والمواطنين”. مشدداً على أن أسعار الفائدة هي سبب التضخم.

وقال إنهم يخوضون منذ فترة معركة إنقاذ الاقتصاد التركي من دورة أسعار الفائدة المرتفعة والتضخم المرتفع، ودفعه على طريق النمو من خلال الاستثمار والتوظيف والإنتاج والصادرات وفائض الحساب الجاري. مؤكداً على أن أسعار الفائدة هي السبب، والتضخم هو النتيجة، حيث تجعل الفائدة الأغنياء أكثر ثراءً والفقراء أكثر فقراً.

ارتفاعات تاريخية

ساهم ارتفاع الإنتاج الصناعي والصادرات كقوتين دافعتين في عام من النمو الاقتصادي المتصاعد لتركيا. إذ حطمت أرقام الصادرات الأرقام القياسية تلو الأرقام القياسية في كل شهر تقريباً، بينما ارتفع الإنتاج الصناعي على أساس سنوي على مدى 16 شهراً على التوالي.

ومن خلال الحفاظ على مستويات الإنتاج واتباع تدابير الوباء، تقدمت الشركات التركية على منافسيها الدوليين خلال أزمة الوباء وأزمة سلسلة التوريد العالمية، واكتسبت مكانة هامة في أسواق التصدير الجديدة مع تلبية الاحتياجات المحلية.

وبمنتجات عالية الجودة ذات أسعار معقولة وبزمن تسليم موثوق وسريع، تمكنت الشركات التركية من إثبات نفسها كأهم الموردين خلال فترة عدم اليقين في جميع أنحاء العالم.

وبعد أن ضرب الوباء ضربته الموجعة في ربيع العام الماضي وأضر بالتجارة مع أكبر شركاء أنقرة، بلغت صادرات تركيا في النصف الأول من العام 100 مليار دولار، وهو أعلى رقم في 6 أشهر على الإطلاق.

واستمر المسار التصاعدي حيث ارتفع الرقم إلى 203.1 مليار دولار اعتباراً من نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، وهو أعلى مستوى له على الإطلاق في 11 شهراً.

وتجاوزت المبيعات عتبة 20 مليار دولار لأول مرة في تاريخ البلاد على أساس شهري، بعد أن بلغت 20.8 مليار دولار في سبتمبر/أيلول.

وبحلول أكتوبر/تشرين الأول، تجاوزت حصة تركيا في الصادرات العالمية 1%، وهي سابقة أخرى للدولة التي سجلت زيادة بأكثر من 6 أضعاف على مدى العقدين الماضيين.

النمو والتضخم

سجل الاقتصاد التركي انتعاشاً كبيراً في عام 2021 بعد تباطؤ حاد قبل عام بسبب قيود كوفيد-19، كما سجل الناتج المحلي الإجمالي ازدياداً تاريخياً بنسبة 22% في الربع الثاني، وهو أعلى مستوى سنوي له منذ عام 1999. وحقق الاقتصاد نمواً بنسبة 7.4% على أساس سنوي في الربع الثالث.

وأنهت البلاد عام 2021 بنمو مزدوج في الناتج المحلي الإجمالي توافق مع توقعات البرنامج الاقتصادي متوسط المدى للحكومة، الذي نُشر في أيلول/سبتمبر، والذي خطط لتوسع الاقتصاد بنسبة 9% في عام 2021 وأن ينمو بنسبة 5% أخرى في عام 2022.

كما شهد هذا العام أيضاً ارتفاعاً كبيراً في التضخم، وتعهدت الحكومة بمعالجة ما يُنظر إليه على أنه مشكلة الاقتصاد المزمنة.

وكان مؤشر أسعار المستهلك السنوي ارتفع إلى أكثر من 21% في نوفمبر/تشرين الثاني، وهي أعلى قراءة منذ نفس الشهر من عام 2018، بعد أن بدأ العام عند 14.97%، مدفوعاً بارتفاع أسعار المواد الغذائية والواردات، لا سيما الطاقة، إضافةً إلى قيود العرض وتأثير ذلك على تقلب سعر الصرف.

وتجاوز التضخم 30% في ديسمبر/كانون الأول، متجاوزاً المستوى لأول مرة منذ عام 2003. ويتوقع برنامج الحكومة أن ينخفض معدل التضخم السنوي إلى 9.8% بنهاية عام 2022، بينما تم تحديد أهداف نهاية العام لعامي 2023 و 2024 عند 8% و 7.6% على التوالي.

وصرح البنك المركزي في البلاد أن عوامل مؤقتة تدفع الأسعار للارتفاع، وتوقع أن يتبع التضخم مساراً متقلباً على المدى القصير.

وقال إن صياغة سياسته النقدية في عام 2022 تهدف إلى دفع التضخم تدريجياً نحو هدفه متوسط الأجل البالغ 5%، وفقاً لإرساء إطار السياسة النقدية وأسعار الصرف السنوي لهذا العام.

وكان الرئيس أردوغان أبدى تأييده مراراً لنموذجٍ اقتصاديٍ قائمٍ على انخفاض تكاليف الاقتراض خلال الأشهر الماضية، وتبنت الحكومة والهيئات التنظيمية والجمعيات المصرفية اتجاه السياسة الجديد.

وفي 16 ديسمبر/كانون الأول، أعلن أردوغان عن زيادة بنسبة 50.4% في الحد الأدنى للأجور، ليصبح سارياً اعتباراً من 1 يناير/كانون الثاني 2022، ورفع الأجر الشهري إلى 4.250 ليرة تركية لمعالجة انخفاض الليرة وارتفاع التضخم.

تعديلات إدارية في قطاع الاقتصاد

شهد عام 2021 أيضاً بعض التعديلات الرئيسية في مراكز الإدارة الاقتصادية في البلاد، إذ حل شهاب قاوجي أوغلو محل ناجي أغبال كمحافظ للبنك المركزي التركي في 20 مارس/آذار.

وفي 21 من الشهر ذاته تم استبدال وزيرة التجارة السابقة روهصار بكجان بمحمد موش، العضو البارز في حزب العدالة والتنمية الحاكم.

كما تولى نور الدين نباتي رئاسة وزارة الخزانة والمالية في 2 ديسمبر/كانون الأول، بعد تنحي سلفه لطفي إلوان.

ويسعى نباتي لتطبيق النموذج الاقتصادي الجديد للحكومة القائم على أسعار الفائدة المنخفضة، قائلاً إنه سيركز على معالجة “المشاكل المزمنة” التي يعاني منها الاقتصاد التركي، مشدداً على أن “أسعار الفائدة المرتفعة لن تكون ذات أولوية”.

بيانات اقتصادية تحت الضوء

ومن بين البيانات التي تجذب الاهتمام، ارتفاع الإنتاج الصناعي في تركيا على أساس سنوي لمدة 16 شهراً على التوالي، مع بلوغه أعلى نسبة هي 66% في أبريل/نيسان.

وتوسع الإنتاج بنسبة 12.3% على أساس سنوي في الربع الأول من عام 2021، ما جعل تركيا على قدم المساواة مع أكبر اقتصادات مجموعة العشرين.

واستمرار الانتعاش في قطاع الصناعات التحويلية التركي حيث كان مؤشر إدارة المشتريات PMI يحوم فوق مستوى العتبة على مدار العام، باستثناء شهر مايو/أيار الذي شهد إغلاقاً شبه تام.

وبالرغم من ضغوط التضخم وتعطل سلسلة التوريد، ارتفع مؤشر إدارة المشتريات التصنيعي إلى 52 في نوفمبر/تشرين الثاني بعد أن بلغ 51.2 في أكتوبر/تشرين الأول.

وبعد 7 أشهر من العجز، بدأ رصيد الحساب الجاري للبلاد أيضاً في تسجيل فائض منذ أغسطس/آب وإلى نهاية العام. ووفقاً لأحدث البيانات، استقر الفائض عند 3.16 مليار دولار في أكتوبر/تشرين الأول، ما رفع العجز المتجدد على مدى 12 شهراً، إلى 15.4 مليار دولار.

وانخفض معدل البطالة في تركيا من 12.7% في يناير/كانون الثاني إلى 11.2% بحلول أكتوبر/تشرين الأول، وفقاً لمعهد الإحصاء التركي. وكان شهر أبريل/نيسان شهد أعلى معدل بطالة للعام بنسبة 13.4%، وسجل أدنى مستوى له عند 10.6% في يونيو/حزيران.

وفي أعقاب الانخفاض الكبير الناجم عن الوباء عام 2020، قفز دخل السياحة في تركيا إلى 16.85 مليار دولار في الأرباع الثلاثة الأولى من عام 2021.

وأظهرت أحدث البيانات الصادرة عن وزارة السياحة أن البلاد استقبلت 22.8 مليون زائر أجنبي بين يناير/كانون الثاني ونوفمبر/تشرين الثاني.

وشكلت بورصة إسطنبول للأوراق المالية نقطة مضيئة أخرى في المشهد الاقتصادي التركي، حيث بدأت بدايةً صاروخية حتى عام 2021 بإغلاق قياسي مرتفع بلغ 1495.43 نقطة في الأول من يناير/كانون الثاني.

تلا ذلك ارتفاع مؤشر البورصة إلى مستويات أعلى خلال العام، وبلغ ذروته في اغلاق يوم 16 ديسمبر/كانون الأول على 2278.55 نقطة.

Exit mobile version