فتح خطاب رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك -المهاجم للمسيرات المؤيدة لفلسطين- شهية السياسيين المنتمين لحزب المحافظين واليمين المتطرف، للهجوم على هذه الاحتجاجات والمطالبة بمنعها زاعمين أنها تبث الرعب في صفوف الأقلية اليهودية في بريطانيا، وتنشر شعارات معادية للسامية وتمنح منصة للإسلاميين للتعبير عن مواقفهم.
ولا تزال حالة الغضب والصدمة سائدة في صفوف عدد من الحقوقيين والسياسيين البريطانيين، لأنهم يرون أن خطاب سوناك قسّم البلاد إلى قسمين: الأول يمثّل القيم البريطانية ولا يشارك في مسيرات نصرة غزة، أما الثاني فهو قسم متمرد وخارج عن القيم البريطانية ويمثله من يخرجون في المسيرات المؤيدة لفلسطين.
حملة تحريض
ويحاول عدد من السياسيين المؤيدين “لإسرائيل” ووسائل الإعلام البريطانية اليمينية استغلال خطاب سوناك للضغط على الشرطة للتضييق على مسيرات دعم فلسطين وحتى منعها بالقوة لو اقتضى الحال، بعد أن تحولت لندن إلى محطة عالمية يخرج فيها مئات آلاف الأشخاص بشكل دوري في مسيرات رافضة للعدوان على غزة.
وأمام حملة التحريض غير المسبوقة ضد المؤسسات والشخصيات التي تنظم هذه المسيرات والمعروفة بنقدها للدعم المطلق الذي تقدمه الحكومة “لإسرائيل” ورفضها المستمر الدعوة إلى وقف دائم لإطلاق النار، حذرت شخصيتان تتصدران المشهد في النقاش العمومي من تحول بريطانيا إلى بلد “شمولي” لا يقبل سوى بالرأي الواحد.
وقال الصحفي الشهير بيتر أوبورن إن رئيس الوزراء ومن خلفه من يقود هذه الحملة ضد مسيرات فلسطين “إنما يحاول شيطنة وتشويه صورة التضامن مع الفلسطينيين لدى الرأي العام”.
وأضاف أن ما يزعج سوناك وغيره هو أن هذه المسيرات اكتسبت شرعية كحراك سلمي لم يثبت أنه يحرض على العنف، وذلك على امتداد الأشهر الماضية.
أمر خاطئ
ولفت أوبورن، الصحفي المعروف بمواقفه الناقدة للحكومة، إلى أن المطالبة بوقف النار ضد المدنيين في غزة مطلب ليس لفئة معينة في المجتمع وإنما هي دعوة تشترك فيها أطياف مختلفة من البريطانيين، وهو ما يجعل وسمها بمسيرات للإسلاميين “أمر خاطئ”.
واعتبر أن طبيعة الخطاب الذي ألقاه سوناك وتلقاه اليمينان المحافظ والمتطرف، “يهدد جوهر مبدأ حرية الرأي والتعبير الذي تأسست عليه الديمقراطية البريطانية” موضحا أن سوناك ومن معه يريدون أن يسحبوا من الشوارع أمرا مهما راكمته عبر عقود “وهو التاريخ الطويل من الحراك المدني السياسي الذي كان مسرحه هذه الشوارع تضامنا مع حركات التحرر العالمية وضد الحروب”.
وقدّم أوبورن مثالا على ما حدث خلال حرب العراق، حيث تحولت الشوارع البريطانية إلى منصة أسبوعية للمسيرات المليونية المطالبة بوقف هذه الحرب رغم أن لندن كانت مشاركة فيها ولم يخرج أحد لشيطنة هذه التحركات.
كما حذر من أن “محاولة التنكر لهذا التاريخ العريق من ممارسة حق التعبير السلمي والتظاهر ستكون له تداعيات سلبية جدا على النظام الديمقراطي” معبرا عن أسفه مما تقوم به الطبقة السياسية لأنه يؤشر على “أن النظام البريطاني يتجه نحو نظام سياسي شمولي لا يعترف إلا بالصوت والرأي الواحد، وهنا يجب أن ندق ناقوس الخطر”.
شيطنة وتشويه
من جانبها، عبرت كيت هادسون الأمينة العامة لتحالف “أوقفوا التسلح النووي” وإحدى قادة تحالف تنظيم مسيرات الدعم لفلسطين في بريطانيا عن غضبها من خطاب سوناك، وقالت إنه وعلى امتداد 5 أشهر “تغاضت الحكومة عن الإبادة الجماعية التي ترتكبها “إسرائيل” في غزة، وهو ما مكن “تل أبيب” من الاستمرار بلا هوادة”.
وأضافت هادسون أن حكومة بلادها لم توقف إمدادات الأسلحة “لإسرائيل” إضافة إلى تقديم الدعم الدبلوماسي والسياسي ورفض وقف دائم للنار مما أدى إلى استشهاد 30 ألفا من سكان غزة وبقاء الآلاف يعانون من إصابات غيرت حياتهم، والملايين على حافة المجاعة.
وقالت أيضا إن هذا الوضع المأساوي دفع كثيرين للتعبير عن أملهم بأن تُغير الحكومة من مواقفها، ولكن العكس هو الذي حدث “حيث اختار سوناك شيطنة مئات الآلاف من الأشخاص الذين كانوا يسيرون بسلام من أجل إنهاء الحرب” معبرة عن خوفها من دخول بلدها عصر “التضييق على الحق في الاحتجاج”.
وأكدت أن خطاب سوناك “لن يردعنا ولن يجعلنا نتراجع عن قضيتنا العادلة، وسنواصل الدعوة إلى وقف إطلاق النار وتنظيم المسيرات من أجل السلام والعدالة، ولن يخيفنا أولئك الذين يسمحون باستمرار هذا الرعب”.
المصدر: وكالات