هل بات الديمقراطيون التقدميون مصدر قلق للاحتلال؟
خاص-فيميد
أثارت الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية جدلا واسعا في أوساط القواعد الشعبية والحزبية الأمريكية حيث شكلت التظاهرات والاحتجاجات في العديد من الولايات والمدن الأمريكية وخصوصا نيويورك نقطة تحول جديدة وتغيرا ملحوظا في التعاطي مع دولة الاحتلال الإسرائيلي وسرديتها الإعلامية رغم الإسناد الحكومي المباشر لها من قبل الإدارة الأمريكية.
مما أضفت حالة من الريبة والشك لدى دولة الاحتلال من التبدل المخيف بالتعاطف معها على نقيض ما اعتادت عليه خلال العقود الماضية، وكان المؤشر الهام للمحللين والمراقبين في الاحتلال وصوله إلى غرف وصالونات أعضاء الكونغرس الأمريكي الديمقراطيين منهم، وبدء العديد بطرح قوانين وتشريعات تعمل على الحد وتجريم الإجراءات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية وعلى وجه الخصوص في حي الشيخ جراح بالقدس وما يتعرض إليه من انتهاكات تخالف جميع القوانين والأعراف الدولية.
وذلك ما أكدته نتائج استطلاع شركة Echelon Insights الأمريكية والذي نُشر في مايو/أيار الماضي، بأن الدبلوماسيين الديمقراطيين كانوا أكثر تعاطفا على الأرجح مع الفلسطينيين من نظرائهم الجمهوريين، وأن الديمقراطيين ألقوا باللوم على إسرائيل في اندلاع العنف الأخير (بنسبة 20%) أكثر من لومهم حماس (بنسبة 13%).
بينما توجه العملاء الجمهوريين، إلى أن غالبية المجيبين على أسئلة الاستطلاع يلومون حماس على العنف. فيما فضّل غالبية المشاركين في الاستطلاع أن تتخذ إدارة بايدن موقفاً محايداً تجاه “إسرائيل” (37%)، بينما أراد 34% أن تدعم الولايات المتحدة إسرائيل، مقابل 10% تمنوا أن تتخذ بلادهم موقفاً أكثر انتقاداً لتصرفات “تل أبيب”.
وقي استطلاع آخر، خلص مركز هارفارد سي بي إس-هاريس (Harvard CPS-Harris Poll) إلى وجود انقساماً في الآراء بين الأجيال رغم بقاء التعاطف الأمريكي بالمجمل لصالح الاحتلال، وذلك فيمن تقل أعمارهم عن 50 عاماً معتقدين أن “إسرائيل” مسؤولة عن العنف الجاري في الأراضي الفلسطينية.
وذكر الاستطلاع الذي نُشر في مايو/أيار أن ثلثي الأمريكيين يلقون باللوم على المقاومة الفلسطينية في اندلاع العنف، ممن يظهر أن فجوة بدأت بالنشوء رويدا رويدا في البيت الأمريكي في فئة الشباب تجاه الولاء المطلق لدولة الاحتلال، إذ إن 60% من الفئة العمرية 18-34 عاماً يلومون إسرائيل، بينما يلقى باللوم على المقاومة من جانب 76% من الفئة العمرية التي تتجاوز 65 عاماً.
ولم تقف خسار الاحتلال شعبيا إلى هذا الحد حيث وصفت 15 جمعية ونقابة في أمريكية، في بيان مشترك، الجمعة، دولة الاحتلال الإسرائيلي بأنها “دولة فصل عنصري” بسبب سياساتها العنصرية ضد الفلسطينيين.
وضم البيان نقابات معلمي المدارس والجامعات، والنقابات العمالية الأمريكية؛ تنديدا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين.
أصوات أخرى تعلو في الكونغرس
وفي فصل آخر من التراجع الإسرائيلي سعت نائبة أمريكية من الحزب الديمقراطي، ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز، مع عدد من زملائها التقدميين في خضم الحرب إلى سن تشريع يرمي لمنع صفقة بيع أسلحة للاحتلال الإسرائيلي، إلا أن المبادرة ذات الحظوظ الضئيلة جدا بينت التجاذبات بين الديمقراطيين حيال التعامل مع تصاعد العنف الإسرائيلي على الفلسطينيين.
مما دفع الديمقراطيين المعتدلين إلى إطلاق انتقادات جديدة للدولة العبرية. إلا أن المبادرة التقدمية الأخيرة تبقى محصورة بالجناح اليساري في الحزب.
كما اعتبرت النائبة رشيدة طليب، المتحدرة من أصول فلسطينية، أن “الحقيقة المرة هي أن هذه الأسلحة تبيعها الولايات المتحدة إلى إسرائيل وهي على علم تام بأنها ستستعمل بغالبيتها لقصف غزة”.
وفيما طالبت أخرى من الخارجية، إدانة الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، والتي تقوم بها في حي الشيخ جراح في القدس، ضمن محاولات الاستيلاء على منازل المقدسيين.
وكانت النائبة ماري نيومان قد انتقدت في تصريحات سابقة حكومة الاحتلال في خطتها لتطعيم الإسرائيليين ضد فيروس “كورونا” التي تستثني ملايين الفلسطينيين من تلقي اللقاح، وقالت حينها: “إن إسرائيل ملزمة أخلاقيا وإنسانيا بضمان وصول اللقاح إلى الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال”.
من جهتهم، أبدى الجمهوريون، دعما مطلقا كالعادة للدولة العبرية. وحضّ أعضاء كثر في مجلس الشيوخ “بايدن” وإدارته على الدفاع عن حليفتنا “إسرائيل”.
أزمة الديمقراطيين تؤرق الاحتلال
كما تفاجئ التيار التقليدي في الحزب الديمقراطي الذي ينتمي إليه “بايدن” من الأصوات التي تعالت مؤخرا من قبل أعضاءه ضد دولة الاحتلال والمطالبات ببذل مزيد من الجهود اتجاه حماية حقوق الفلسطينيين ومحاسبة “إسرائيل” على عدوانها الأخير.
إذ وقع أكثر من 500 ديمقراطي على رسالة تدعو الرئيس الأميركي إلى الضغط على حكومة الاحتلال بإنهاء التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، والانضمام إلى الحلفاء الدوليين في الضغط من أجل إنهاء الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، والسماح بإجراءات إنسانية في غزة لتسهيل عمليات الإخلاء الطارئة و “دعم حق الفلسطينيين في تقرير المصير”.
وذكرت صحيفة “الواشنطن بوست”، أن التوقيع تم على الرسالة من قبل الموظفين والمنظمين الذين عملوا في مقر الحملة الوطنية للرئيس أيضا، كما امتد للجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في 22 ولاية، بما في ذلك الولايات المتأرجحة في ويسكونسن، وبنسلفانيا، وجورجيا، وميشيغان، وأريزونا، وغيرها.
وقالت موظفة أميركية من أصول فلسطينية، مديرة التنظيم الرقمي للحزب الديمقراطي في ويسكونسن خلال دورة 2020 هبة محمد، في بيان لصحيفة واشنطن بوست: “يجب على الرئيس بايدن أن يفعل ما هو أفضل… وقف إطلاق النار في حملة القصف الأخيرة هذا مرحب به، لكن معاناة الفلسطينيين مستمرة لأنه لم يكن هناك وقف للحصار الإسرائيلي لغزة، وضم الأراضي في الضفة الغربية، والاعتقالات والمداهمات الجماعية، والتطهير العرقي، والاحتلال غير القانوني، و73 عاما من انتزاع الملكية من الفلسطينيين”.
بدوره، أدان ماتان آراد نيمان وهو موظف أميركي إسرائيلي ومؤلف مشارك للرسالة كان يعمل منظما في ولاية أريزونا، الإدارة لاستمرارها في بيع الأسلحة لـ “إسرائيل”، مشيرا إلى بيع الأسلحة المقترح بقيمة 735 مليون دولار والذي وافقت عليه إدارة بايدن مؤخرا.
وقال: “بصفتي أميركيا إسرائيليا فخورا بالمساعدة في انتخاب بايدن في أريزونا، أشعر بالرعب من الكابوس اليومي المتمثل في الاحتلال والفصل العنصري”.
وأضاف نيمان أن “التقاعس الأميركي عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الحكومة الإسرائيلية، وكل ذلك بينما تواصل الإدارة بيع الأسلحة لإسرائيل، لا يساعد عائلتي في إسرائيل أو يحافظ على سلامتهم”.