إيران وإعادة صياغة التوازن الإقليمي في وجه المشروعين الأمريكي والصهيوني

كتب ابراهيم المدهون
أثبتت إيران مجددًا أنها دولة ذات بنية صلبة وقادرة على استعادة زمام المبادرة بسرعة، رغم شدة الضغوط وحجم التحديات. ورغم ما تمتلكه “إسرائيل” من تفوق استخباري وتقني، إلا أن هذا التفوق لم يكن نتاج قدرات إسرائيلية خالصة، بل ثمرة تعاون مباشر ودعم مكشوف من الولايات المتحدة الأمريكية، التي ظهرت بوضوح كمن يدير المشهد ويُحرك أدواته في المنطقة.
لقد كشفت هذه المواجهة حجم التداخل بين المشروع الصهيوني والمخطط الأمريكي في المنطقة، حيث باتت “إسرائيل” تمارس دور الذراع التنفيذية للسياسات الأمريكية، تنفذ المهام القذرة وتخوض معارك الاستنزاف نيابة عن واشنطن.
ما يجري اليوم هو جزء من محاولة أمريكية لإعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط وترتيب أوراقها بما يتناسب مع تمديد الهيمنة الأمريكية لعقود قادمة. ومع ذلك، تبقى النتائج مفتوحة على احتمالات متعددة؛ فهذه مغامرة قد تنجح، لكنها أيضًا قد تصطدم بإيرادات دولية وإقليمية وشعبية قادرة على إفشالها.
أما “إسرائيل”، فهي أعجز من أن تحسم المواجهة مع إيران بمفردها، وأمريكا تدرك هذه الحقيقة جيدًا. ولذلك، تدفع واشنطن باتجاه استنزاف “إسرائيل” إلى أقصى الحدود، تمهيدًا لتدخل أمريكي مباشر إذا اقتضت الحاجة، كي تحصد هي النتائج بأقل تكلفة ممكنة.
في هذه المعادلة، تبدو “إسرائيل” كأداة تُستخدم ولا تستخدم، بينما تواصل الولايات المتحدة إدارة الصراعات والحروب في المنطقة وفق مصالحها الاستراتيجية.
ورغم كل ذلك، فإن قدرة إيران على الحرب والمناورة وإعادة ترتيب صفوفها بسرعة تمثل رسالة بالغة الوضوح بأن مشاريع الهيمنة ليست قدرا محتومًا، وأن توازن القوى في المنطقة لا يزال قابلًا لإعادة الصياغة بفعل إرادة الشعوب وقوة الفاعلين الحقيقيين.