مقالات

الشعوب قلاع مقاومة التطبيع دور الفاعليات الشعبية بمناهضته

قادر مراد

وضعت القوى الاستعمارية الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي الجغرافي والحضاري “فلسطين” ككيان وظيفي وثكنة عسكرية تمنع ميلاد النهضة الحضارية الإسلامية.

لا يتوقف وجود الكيان الصهيوني على كونه استعماراً للأرض المقدسة فلسطين وانتهاكاً لحقوق شعبها المقاوم فحسب، وإن كان ذلك ضرورياً لبقاء الاحتلال الاسرائيلي، بل هو تحدٍّ مشترك مركزي للدول العربية الاسلامية وشعوبها وجب حسن الاستجابة له.

إن العقل الإسرائيلي يؤمن بضرورة التفوق الاستراتيجي ومنع أي تجربة نهضوية في العالم العربي الإسلامي تهدد وجوده.

كل ما سبق يؤكد أن التحدي المركزي للشعوب العربية الإسلامية الذي يستوجب استجابة حاسمة هو الكيان الصهيوني الذي يستهدف بعملية التطبيع وعي المجتمعات وضميرها للسيطرة على الإقليم الجغرافي من طنجة إلى جاكرتا.

هنا تبرز أهمية الفاعليات الشعبية المجتمعية التي كانت ولا تزال قلاعاً لمقاومة المشاريع الصهيونية بخاصة استراتيجيتها المترنحة في نشر التطبيع. استراتيجية تبحث منذ 50 سنة عن انتزاع الاعتراف ظاهراً لكنها في العمق إنما تستهدف إضعاف مناعة الأمة الإسلامية الرافضة لزرع الاحتلال ومنع أي نهوض يقوض وجود الكيان الصهيوني في المنطقة.

حتى نتعرف الأدوار المطلوبة من الشعوب العربية الإسلامية لصد التطبيع وجب علينا أن نُشرّح الآلة التطبيعية واستراتيجياتها في استهداف الشعوب والمجتمعات، لنتعرف الثغور التي يحدثها الكيان الصهيوني في ضمير المجتمعات العربية والإسلامية ووعيها وتفكيرها، والتي وصفها الله عز وجل في محكم التنزيل بوصف الإفساد؛ {وَقَضَيْنَا إِلَىٰ بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا} الإسراء – 4.

يعمل الكيان الصهيوني عبر عملية التطبيع على صناعة إنسان جديد في المجتمعات العربية الإسلامية أسميه “الإنسان الأبتر”.

فالكيان الصهيوني عبر فساده لا يستهدف كما هو ظاهر لنا الإنسان الفلسطيني عبر القتل والتشريد وانتهاك الحقوق ومصادرة الحريات فحسب، بل يستهدف في العمق معه وعي الإنسان العربي المسلم وضميره وفطرته، بما يجعله راضياً أو على الأقل متغافلاً عن الجرائم والانتهاكات الصهيونية المستهدفة للشعب الفلسطيني.

تتحرك الآلة الإعلامية والثقافية الإسرائيلية بكل قوتها نحو هندسة نفسية الإنسان الأبتر وتحضيره عبر استثمار الغفلة والجهل والعاطفة في بعض الأحيان إلى بلوغ درجة القبول بتدنيس الأرض المقدسة، وتهويد المعالم الإسلامية والمسيحية في أرض فلسطين. فتنتج بذلك في الشعوب العربية الإسلامية كتلة مطبعة مبتورة عن ذاكرتها التاريخية وأحقيتها بأمانة الأرض المقدسة فلسطين كما أقرها القرآن الكريم وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم.

بالتالي إذا أردنا إجمال خطر التطبيع على الشعوب العربية الإسلامية الرافضة له المتدافعة معه العاملة لإسقاطه، وهو كونه محاولة صناعة إنسان عربي مسلم أبتر يرضى بتدنيس الأرض المقدسة وسلب أمانة رسول الله “المسجد الأقصى”، ويكون بذلك التطبيع هو حلول النظرة الصهيونية الأسطورية محل الفطرة البشرية، إنها محاولة سلب الفطرة وقتل الروح التي تستهدف قلاع مقاومة التطبيع.

تعتبر الشعوب العربية الإسلامية بفاعليتها الشعبية والمجتمعية ثقافية وسياسية وإعلامية وقانونية حجر الزاوية في الصراع مقاومة الكيان الصهيوني، كيان معتمد للبقاء على إضعاف هذه القلاع، فالمستهدف المباشر ليست الأنظمة السياسية التي لا تتمتع بدعم شعبي كبير بل تلك القلاع العصية على الاختراق، التطبيع يسعى لكسرها وتعقيم دورها.

إنما تنجح الفاعليات الشعبية إذا أيقنت وآمنت بمركزية دورها بعدها تأتي معرفة أدوات المرابطة. تنقسم أدوار الفاعليات الشعبية لمقاومة التطبيع إلى محورين استراتيجيين متزامنين: محور البناء الاستراتيجي “المناعة” ومحور التدافع الوظيفي “الاستنهاض والمواجهة”.

أولاً: محور التدافع الوظيفي “الاستنهاض والمواجهة”

من الأدوار الفاعلة للشعوب العربية الإسلامية حسن استثمار الكتلة الديمغرافية الضخمة لإبراز حجم الرفض التام والكامل للمشاريع التطبيعية، ويكون ذلك بتنويع الأدوات والوسائل بهدف خلق كتلة مجتمعية شعبية ضاغطة رافضة للتطبيع مبرزة للتوجهات المجتمعية القطعية المبدئية في رفضها القبول بالانتهاكات الصهيونية، ويكون ذلك عبر تفعيل بعض الآليات مثل: العمل على تأسيس شبكات شعبية مجتمعية واسعة جامعة للمشارب الفكرية والأيديولوجية المعبرة عن المجتمعات وتوحيد الجهود في جبهة شعبية رافضة للتطبيع تكون مظلة جامعة للشعوب وقيادة محركة لها خلال عملية التدافع.

بالإضافة إلى التعبير الواسع عن الرفض القطعي للتطبيع عبر الاستنهاض والتعبئة للشعوب العربية الإسلامية من خلال الوقفات الميدانية والمهرجانات الشعبية والحملات الإعلامية الواسعة على وسائل التواصل الاجتماعي.

هذا مع ضرورة استثمار وسائل التواصل لصناعة التوجهات السليمة المعبرة عن حقيقة الشعوب الرافضة للتطبيع وبناء التصورات السليمة حول حقيقة الكيان الصهيوني، وفضح انتهاكاته ومحاصرة الآلة التطبيعية وعزل خطابها والرد على شائعاتها.

مع أخذ ضرورة ردع المطبعين والتشهير بهم ومحاصرة المؤسسات الإعلامية والرياضية والثقافية المطبعة مع الاحتلال بعين الاعتبار. إضافة إلى المقاطعة الاقتصادية الشاملة للمنتجات الإسرائيلية والمنتجات الداعمة للكيان الصهيوني وجيش الاحتلال.

وأخيراً تفعيل المقاطعة الإعلامية والثقافية للأنشطة الصهيونية والفاعليات الإسرائيلية ومقاطعة المثقفين والإعلاميين المتعاملين مع الكيان الصهيوني، واستثمار الفن والأدب والمسرح للتعبير عن الموقف الحقيقي للشعوب العربية الإسلامية فهي المعبرة عن ضمير الشعوب ومرآة قيمه الأصيلة.

ثانياً: محور البناء الاستراتيجي “المناعة”

ويمكن إنجاز هذا المحور من خلال العمل على:

– صناعة إنسان متبصر يكون نواة للشعوب والمجتمعات العربية الإسلامية عبر تربية النشء والتأهيل القيادي التثقيفي والتعليمي للشباب العربي المسلم حول قضية فلسطين وخطر الكيان الصهيوني كتوجه استراتيجي للانتصار في معركة حرب الأجيال.

– تقوية المناعة الإيمانية والفكرية للشعوب العربية والإسلامية عبر قيادة مشاريع تثقيفية تعليمية إعلامية وثقافية وفنية تقوي الرابطة مع فلسطين.

– تأكيد الروابط الدينية والثقافية والاجتماعية بين شعوب المنطقة وفلسطين والمحافظة على الموروث الحضاري والذاكرة التاريخية للمجتمعات.

– النضال من أجل حماية المناهج الدراسية من أي محاولة لدس التطبيع فيها مع ضرورة تضمينها القضية الفلسطينية ودور الشعوب العربية الإسلامية في الدفاع عنها.

– التحرك القانوني والسياسي لتجريم التطبيع في الأقطار العربية الإسلامية عبر البرلمان والمؤسسات الرسمية.

– توثيق المواقف التاريخية الرافضة للتطبيع في الشعوب العربية الإسلامية والإشادة بها وتسويقها كأداة لتأكيد الذاكرة المقاومة.

في النهاية يكفي أن تؤمن الشعوب والفاعليات المجتمعية بمركزية دورها في التدافع مع الكيان الصهيوني، وتنتقل من العمل العاطفي الهاوي إلى وضع الخطط والاستراتجيات وتوحيد الجهود لحماية نفسها ومستقبلها وأوطانها من الخطر الصهيوني الذي لا يهدد جغرافية فلسطين وديمغرافية الشعب الفلسطيني بل يهدد جغرافية العالم الإسلامي وطموحه إلى النهضة والاستئناف الحضاري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى