الصمت العربي والتطبيع… “وين العرب؟ وين المسلمين؟! لا حياةَ لمن تُنادي”

نجلاء عادل – غزة
هكذا هي دائمًا استغاثات أهل غزة، طيلة أيام الحرب القاسية؛ يخرج أحدهم من تحت أنقاض منزله المدمر، وآخر يحتضن جثمان ابنه بين يديه، ومشيّعون يحملون الشهداء على الأكتاف، وجوعى يجلسون في خيام مهترئة، ونازحون يسيرون تحت القصف، وغيرهم كثير.. جميعهم يصرخون من قهرهم، ينادون بحرقة: “وين العرب؟ وين المسلمين؟!” ولا عجب في ذلك.
غزة، المحاصرة منذ أكثر من 17 عامًا، تعيش أقسى الظروف المعيشية تحت نيران حرب مستعرة منذ أكثر من عام ونصف، لم يشهد التاريخ مثلها. كل هذا في ظل تواطؤ عربي ودولي، وصمتٍ وخذلان وتكالب لا مثيل له.
تُمارَس بحقها أبشع جرائم القتل والإبادة والتجويع. دماء الشهداء تناثرت على الجدران، وأشلاؤهم تفرقت في الطرقات. البيوت تُقصف فوق رؤوس ساكنيها بأطنان المتفجرات، أجساد الأطفال والنساء مُزقت، الغذاء والدواء مُنع، والمساعدات أُوقفت، والمعابر أُغلقت، والحقوق سُلبت، حتى لقمة العيش حوربت. كل ذلك أمام عالم أدار ظهره، فبصمته وخذلانه بات شريكًا في هذه المجزرة، الممولة من أمريكا، التي تخضع لها الأنظمة العربية، بل وتطبّع مع الاحتلال الإسرائيلي، وتدعمه بالنفط والمال بلا انقطاع.
في المقابل، تعجز تلك الأنظمة عن إيصال شربة ماء لأهل غزة. تُلاحق من يخرج في مظاهرات نصرة لغزة، وتعتقل النشطاء، وتُحارب الحملات الشعبية المُناصِرة.
أنظمة تسعى لتغييب وعي الشعوب، وتحريف بوصلتها عن العدوّ الحقيقي، الذي يتغلغل بينهم كالسرطان، وسينقلب عليهم لاحقًا جزاءً لصمتهم وتطبيعهم. هذا ما يقوله نتنياهو علنًا: “سنغيّر وجه الشرق”، وكم مرة هددت أمريكا العرب بـ”الجحيم”، لكن الأنظمة تُعرض عن ذلك، وتخضع وتُهرول نحو السلام المزعوم مع كيان محتل، حتى في ذروة التطهير العرقي الذي يستهدف غزة والضفة الغربية والقدس.
منذ بداية الحرب، لم تصدر عن هذه الأنظمة سوى بيانات الشجب والاستنكار، وخطابات خاوية جوفاء، دون أي رد حقيقي يردع العدو أو يوقف جرائمه، رغم أنهم قادرون على ذلك.. فقط بإغلاق السفارات الأمريكية والإسرائيلية، بطرد السفراء، وبوقف إمداد العدو بالنفط.
هل هم عاجزون؟ كلا.. بل خاضعون، مُستسلمون، مُهانون.
وهذا الصمت أحد أسباب إطالة أمد الحرب، ومنح العدو فرصة لتنفيذ مخططاته في التهجير والتجويع والقتل وسلب الحقوق، والتمادي في غطرسته على شعب أعزل.
هذا الصمت غير المسبوق يؤكد أنهم غُثاء كغثاء السيل. لم تُحرّك ضمائرهم صرخات الثكالى، ولا أنات الصغار، ولا أوجاع المقهورين، بل يُنادون بالسلام مع الاحتلال، دون أن يُلقوا بالًا لسيل الدماء في غزة.
فهل يُجدي نفعًا تطبيعٌ وسلامٌ مع قاتلٍ يداه ملوثة بدماء الأطفال والنساء؟!