طوفان الكلمةمقالات

الطفل الفلسطيني: بين براءة الطفولة وجحيم الإبادة

فاطمة العبد الله – غزة

في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بـ”يوم الطفل الفلسطيني” في الخامس من نيسان من كل عام، يُحرم أطفال فلسطين – ولا سيما في قطاع غزة – من أبسط حقوقهم في الحياة، ويعيشون واحدة من أبشع المآسي الإنسانية في العصر الحديث.

في غزة، لا تُمنح الطفولة فرصة للنمو. تُدفن الأحلام تحت الركام قبل أن تولد، ويأتي الأطفال إلى هذا العالم لا ليحلموا، بل ليصارعوا الموت منذ اللحظة الأولى. يُولد الطفل الفلسطيني في ظل الحصار، يكبر على أصوات القذائف، وينام متسائلًا إن كان سيصحو على نور الصباح أم على أنقاض منزله.

المدارس تحوّلت إلى ملاجئ، والملاجئ صارت قبورًا جماعية. يُقتل الأطفال في أحضان أمهاتهم، وتُمحى عائلات بأكملها من السجلات، فلا يبقى للطفل حتى شجرة عائلة ينتمي إليها.

أعباء الكبار على أكتاف الصغار

في غزة، لا يعرف الطفل معنى “الطفولة”. فبدلًا من الاستيقاظ للذهاب إلى المدرسة، يصحو على صوت سيارة المياه أمام المخيم، ليصطف في طابور طويل يحمل فيه عبوات الماء لعائلته. وحين تحين الظهيرة، يبدأ طابور آخر أمام التكيّة في محاولة لتأمين وجبة تسد رمق عائلته، وإن لم يجد، يلجأ لجمع الحطب أو ابتكار وسائل بدائية لتأمين لقمة العيش.

يصنع من أدوات بسيطة ما يُعينه على تحمّل ما لا يُحتمل، ويقاوم الجوع والخوف والبرد دون أن يشتكي. في كل زاوية من غزة، ترى طفولة ناضجة قبل أوانها، وأعينًا صغيرة تحمل نظرات الكبار.

أرقام تتكلم عن كارثة

  • 39,384 طفلًا فقدوا أحد والديهم أو كليهما، في أكبر موجة يُتم يشهدها العصر الحديث.
  • 17,954 طفلًا استُشهدوا منذ بداية العدوان، بحسب بيانات جهاز الإحصاء الفلسطيني.
  • 274 رضيعًا وُلدوا خلال الحرب ولم يكملوا أيامهم الأولى، حيث استُشهدوا قبل أن ينطقوا بكلمة.
  • 52 طفلًا ماتوا جوعًا.
  • 7,065 طفلًا أصيبوا بإعاقات دائمة سترافقهم مدى الحياة.

ليست هذه أرقامًا باردة، بل أرواح بريئة، دفاتر مدرسية احترقت، حقائب تناثرت، وأحلام صغيرة سُحقت تحت الأنقاض.

شهادات من قلب الجحيم

محمد الرواغ، فتى في الثالثة عشرة، فقد والده وأربعة من أشقائه في لحظة واحدة، حين سُوِّي منزلهم بالأرض. يقول بعيون مطفأة:

“فقدت كل شيء؛ الأهل، الأصدقاء، الذكريات… لم يتبقَّ سوى الحزن.”

أحمد عبد الرحمن كان يحلم بأن يصبح نجمًا في كرة القدم. اعتاد الركض حافيًا خلف الكرة في أزقة النصيرات، إلى أن استيقظ ذات يوم في المستشفى، بلا ساقين.

“تفاجأت أنني لم أعد أملك ساقين… لن أركض مجددًا.” قالها بصوت مرتعش.

أما نبيلة نوفل، فقد وُلدت في 7 أكتوبر 2023، واستُشهدت قبل أن تكمل أسبوعها الأول، بعدما اخترقت شظية جسدها الهشّ وهي بين ذراعي والدها.

حين تُغتال البراءة بصمت العالم

هذه ليست فصولًا من رواية حزينة، بل حقائق دامغة في زمن تتراجع فيه الإنسانية. لم يعد الطفل الفلسطيني يطلب دمية أو حقيبة مدرسية، بل يطلب فقط أن يظل حيًّا… أن ينام ليلة واحدة دون قصف أو صراخ.

نحن لا نملك ترف الاحتفال، بل نحمل واجب الصراخ والكتابة والتوثيق، كي لا تُنسى هذه الجرائم، وكي يبقى صوت أطفال فلسطين حيًّا في وجه من يحاولون طمسه.

إن صمت العالم ليس مجرد تواطؤ، بل جريمة مكتملة الأركان. ففي كل لحظة صمت، تُزهق روح بريئة وتُدفن طفولة لا ذنب لها سوى أنها وُلدت في غزة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى