انتفاضة القدس: تحولات استراتيجية وازنة
رأفت مرة
الحراك الشعبي الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة له نتائج وتداعيات كبيرة ومهمة على الواقع الفلسطيني وإدارة الصراع مع الكيان الصهيوني.
خلال أقل من أسبوعين سجلت القدس علامة فارقة في تاريخها المقاوم..وسجل أهلها مكاسب سياسية نوعية امتدت إلى أكثر من محور.
جاءت انتفاضة اهل القدس في ظل أجواء سياسية صعبة ارخت حضورها في السنوات الاخيرة على الساحة الفلسطينية: صفقة القرن وموجات التطبيع والخلافات الفلسطينية واشتداد سياسة الارهاب الإسرائيلي ضد الفلسطينيين في الداخل وغزة والضفة الغربية..وتراجع الاهتمام العربي بفلسطين.
كما جاءت في ظل ازمات صعبة يعاني منها الاحتلال الإسرائيلي: عدم تشكيل حكومة ..إجراء اربع جولات انتخابية للكنيست..ازمة كورونا. وضع اقتصادي صعب..تراجع القدرات البشرية في جيش الاحتلال..محاكمة نتنياهو بتهم الفساد..تغول اليمين الصهيوني على توجهات الحكومة..الخوف الإسرائيلي من ازدياد القدرات العسكرية لحماس في غزة وتنامي المواجهة في الضفة الغربية.
اقليميا لا زال الوضع متوترا بين الكيان الصهيوني والاردن..الوضع في سوريا..تداعيات الملف النووي الايراني..ارتفاع القدرات العسكرية لحزب الله ..سياسات الرئيس الامريكي الجديد..
في هذا المناخ الاقليمي والمحلي المتوتر سياسيا والذي يحمل في طياته الخوف على المستقبل جاءت انتفاضة القدس التي اتسمت بالخصائص التالية :
اولا..انتفاضة في مدينة القدس عاصمة فلسطين وما تمثله المدينة من تاريخ وارث حضاري ورمزية سياسية..وموقع استراتيجي..واولوية للاحتلال..
ثانيا..انتفاضة فلسطينة شعبية واسعة وعامة لا تتحرك بقرار فصيل ولا توجه بمركز عمليات موحد..
ثالثا..انتفاضة شابة معظم المشاركين فيها من الشباب في مقتبل العمر..مدعومة بالكامل من القوى السياسية وهيئات المدينة والاطر الإسلامية والوقفية والمؤسسات التي تتابع قضايا المسجد الأقصى المبارك وهيئات المجتمع.
رابعا..انتفاضة تسير بزخم. اشبه بكرة الثلج..كلما استمرت كانت تكبر وتتقدم وتحقق إنجازات .
خامسا..انتفاضة جاءت بعد اجراءات صهيونية خطرة ومعقدة في مدينة القدس واحيائها تضمنت التهويد والسيطرة وتدمير المنازل والترحيل..والاعتقال والطرد والابعاد وتغيير طابع المدينة..وإطلاق اليد للمستوطنين للعبث بالمدينة وتدنيس المقدسات.بالتوازي مع اجراءات امنية معقدة للسيطرة على الأحياء والمداخل..
سادسا..انتفاضة جاءت في ظل توافق فلسطيني على الحوار وإجراء انتخابات تشريعية ورئاسية وشمول القدس بالانتخابات..وهذا يعني سياسيا ان تكون المدينة هادئة قبيل الانتخابات.
من هنا كانت المفاجأة كبيرة جدا مما حصل في القدس تجاه الأجواء العامة . المناخ الذي انطلقت فيه الانتفاضة..
وهنا تكمن الأهمية / النوعية التي حققتها انتفاضة القدس..
لقد حققت انتفاضة القدس النتائج الأساسية التالية :
1..انها انتفاضة شعبية فلسطينية عامة واسعة غير مقيدة باطار سياسي او حزبي.
2..انها أبرز مواقف سياسية فلسطينية جذرية صلبة..كالتأكيد على وحدة القدس وعروبة المدينة والتخلص من الاحتلال.
3..انها انحازت بالكامل بمواقفها وشعاراتها وهتافاتها لمشروع المقاومة والتحرير والعودة..وكانت شعاراتها تمجد حركة حماس وكتائب القسام والصواريخ.
4..انها اظهرت قوة شعبية حماس بصفتها حركة مقاومة وتراجع مكانة حركة فتح بتاريخها النضالي..وهذا يعني تحولا مهما في المتغيرات الثقافية وشرائح المجتمع والوعي السياسي ومكانة مشروع المقاومة الحقيقي ويظهر حقيقة الموقف الشعبي الفلسطيني وشعبية تيار المقاومة.
5..انها اظهرت مستوى الوعي السياسي والالتزام الوطني عند مختلف مكونات اهلنا في القدس خاصة فئة الشباب والفتيان.. اذ ظهر هؤلاء بمواقف سياسية واعية وصلبة جددت مطالب الشعب الفلسطيني.
6..انها اظهرت حجم الاندفاع للمواجهة وحجم التضحية عند الشباب والرجال والنساء..وحجم الاصرار ومستوى الصلابة..
خلال أيام قليلة وجدنا جحافل من الشباب في شلالات لا تنقطع تندفع في أحياء القدس نحو المواجهة مع الاحتلال..تقاوم بشراسة.. تتقدم ولا تتراجع..حجم اندفاع هائل للاشتباك مع الاحتلال..وطوال ساعات النهار والليل..في شهر رمضان المبارك.
7..انها اوصلت رسالة واضحة بالموقف الفلسطيني الاصيل : لا اعتراف بالاحتلال..لا لصفقة القرن. لا للتطبيع. لا للتسوية..لا للتنسيق الامني..
8..اظهرت حجم التضحية للدفاع عن المسجد الأقصى المبارك..
9..أكدت انتفاضة القدس اهمية الوحدة الوطنية على مشروع الصمود والمقاومة وأهمية المقاومة الشعبية في تعزيز الموقف الفلسطيني وتحقيق المكاسب..وهذا ظهر من خلال إزالة الاحتلال للحواجز في باب العامود وغيره.
لا شك ان هناك دروس وعبر كثيرة برزت من خلال انتفاضة القدس..يكفي ان نقول انها جددت مشروع مقاومة الاحتلال وجددت المشروع الوطني الفلسطيني واعادت القضية إلى المربع الصحيح..الى الجذور والثوابت..
أكدت ان فلسطين دولة واحدة لشعب واحد..
قالت انتفاضة القدس : اذا تراجعت منظمة او تنازلت سلطة او فرطت فئة.. فإن الشعب لا يتراجع ولا يتنازل..