مدير مؤسسة فيميد، إبراهيم المدهون يكتب:
في خضم العدوان الصهيوني المستمر على قطاع غزة، تعمل المقاومة الفلسطينية بحكمة وصبر على إدارة معركة سياسية موازية للمعركة العسكرية، من خلال متابعة الجهود الإقليمية والدولية التي تقودها الوساطات في القاهرة والدوحة. ورغم الضغوط المكثفة لوقف العدوان وإنهاء سياسة الإبادة التي ينتهجها الاحتلال، لا يزال العدو الصهيوني يسعى إلى إطالة أمد الحرب بهدف تنفيذ عمليات اغتيال مركزة واستهداف قيادات المقاومة وأبناء شعبنا، في محاولة يائسة لتغيير الواقع السياسي والميداني لصالحه.
المقاومة، بعزيمتها وصمودها، تدرك جيدًا أبعاد هذه المناورة الصهيونية وتعمل على مواجهتها بحزم لتقليل الخسائر والخروج بموقف يمكنها من الوقوف على قدميها وبناء قوة شعبها. لقد نجحت المقاومة في كل جولة من جولات الصراع السابقة في قلب المعادلات وإفشال خطط العدو. ولا شك أن هذه الجولة القاسية والمعقدة تختلف كثيرًا عن سابقاتها، فهي تتطلب قرارات جريئة للوصول إلى بر الأمان، وتجنيب شعبنا مزيدًا من الخسائر، والخروج من هذه المحنة أقوى من قبل، وقادرين على الاستمرار في طريق الحرية والعودة.
المفاوضات: سلاح التوقيت والمناورة
في ظل استمرار العدوان وحرب الإبادة، تُدار اليوم مفاوضات معقدة في القاهرة والدوحة، تهدف إلى تحقيق وقف شامل لإطلاق النار وإنهاء الحرب. ورغم الاقتراب من التوصل إلى تفاهمات، يحاول الاحتلال المراوغة ووضع عراقيل إضافية لإطالة أمد الحرب، بهدف تحقيق مكاسب ميدانية وسياسية، لا سيما عبر استهداف قيادات المقاومة ومحاولة ضرب مفاصل الحكم في القطاع.
المقاومة تدرك أن الاحتلال يسابق الزمن لتحقيق أهدافه قبل تغيّر الموازين الإقليمية والدولية، خاصة مع اقتراب موعد انتقال السلطة في البيت الأبيض. لهذا، فإن هدف المقاومة اليوم هو وقف العدوان، وإغاثة شعبنا بصورة عاجلة، وعودة النازحين إلى أماكنهم، والعمل على إدارة عملية إعادة البناء لما دمرته الحرب.
إدارة غزة ما بعد العدوان: رؤية المقاومة
ما بعد الحرب، ستقف غزة أمام مرحلة دقيقة تتطلب إدارة وطنية حكيمة تلبي احتياجات أهلها وتعزز صمودهم. المقاومة، التي تحملت مسؤولية الدفاع عن القطاع وشعبه، ترى أن تشكيل إدارة وطنية جامعة يمثل أولوية قصوى، بعيدًا عن التجاذبات السياسية والمصالح الفصائلية الضيقة.
لقد أخطأت السلطة الفلسطينية حينما رفضت الإشراف على لجنة الإسناد المجتمعي التي كانت تهدف إلى إدارة شؤون القطاع بطريقة عادلة وفعالة. هذا الخطأ دفع المقاومة إلى البحث عن بدائل وطنية تعزز مناعتها السياسية والإدارية، وتضمن تمثيلًا شعبيًا يعكس إرادة أهلنا في غزة.
في هذا السياق، تعمل القاهرة على تنسيق جهود تشكيل لجنة وطنية تحظى بقبول إقليمي ودولي، وبإشراف وطني يضمن استمرار الدعم للقطاع. لكن المقاومة تصر على أن تكون هذه اللجنة ذات طابع وطني مقاوم، يعبر عن ثوابت شعبنا ويحافظ على مكتسبات معركة التحرير.
إن إنهاء العدوان الصهيوني وإدارة غزة ما بعد الحرب هما معركتان مترابطتان، تتطلبان رؤية استراتيجية ترسخ مكاسب المقاومة وتعزز صمود شعبنا. غزة ستبقى قلعة صمود وعنوان كرامة، ولن تُكسر إرادة شعبها المقاوم. فما بين المواجهة العسكرية والعمل السياسي، تظل المقاومة رأس الحربة في الدفاع عن الأرض والمقدسات، وبناء مستقبل حر وعزيز لأبناء فلسطين.