حارس القدس والوصي عليها
طه كلينتش
تمكن الشيخ رائد صلاح، رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني وأحد أشهر القادة الفلسطينيين، الأحد الماضي، من دخول المسجد الأقصى، وسط القدس المحتلة، بعد إبعاد قسري عنه لمدة 15 عامًا. وفي هذا السياق، قال محامي الشيخ صلاح “خالد زبارقة”، في منشور عبر صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”: “بعد أكثر من 15 عامًا من الإبعاد القسري عن المسجد الأقصى، الشيخ رائد صلاح يتمكن من دخول المسجد الأقصى”. وأضاف: “اختلطت مشاعر الألم والسعادة، لقد واجه الظلم لفترة طويلة جدًا، ودفع ثمنًا باهظًا لمقاومته الظلم الذي تمارسه إسرائيل”.
ودخل الشيخ صلاح المسجد الأقصى، عبر باب الأسباط بالتزامن مع توقيت إقامة صلاة المغرب، ليتجمع عشرات المصلين لاستقباله والترحيب به داخل المسجد. وتداول مئات الآلاف من رواد مواقع التواصل الاجتماعي صورًا ومقاطع فيديو لزيارة صلاح لأقصى تحت عنوان “حارس القدس والوصي عليها”، وعبروا عن فرحتهم بعودة رائد صلاح للمسجد الأقصى.
ولد الشيخ رائد صلاح في مدينة “أم الفحم”، التي تعتبر ثاني أكبر المدن الفلسطينية في الداخل، بعد الناصرة، وذلك في العاشر من نوفمبر/ تشرين الأول عام 1958، ودرس المرحلتين الأساسية والثانوية في مدارس أم الفحم، وحصل على شهادة الثانوية العامة عام 1976، ونال درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية من كلية الشريعة في جامعة الخليل عام 1980. عمل والد الشيخ رائد صلاح كضابط شرطة، منذ بدء فترة الانتداب البريطاني، واستمر في ذات العمل لمدة طويلة.
عاش الشيخ رائد ونشأ في أيام عصيبة وقاسية، حيث شهد احتلال لمزيد من الأراضي الفلسطينية والتي كانت مدينة “أم الفحم” إحداها. ونشأ صلاح في بيت متدين، وتأثر في بداية شبابه بعدد من رموز جماعة الإخوان المسلمين في فلسطين، مثل الشيخين أحمد ياسين ومحمد فؤاد أبو زيد، ونشط في المجالين الدعوي والاجتماعي، وبرز في العمل المؤسسي والنقابي.
بدء رائد صلاح حياته النضالية مبكرًا وشارك في الكفاح ضد الاحتلال الإسرائيلي منذ سنوات دراسته الابتدائية. وخلال دراسته في الجامعة، أصبح أحد الأسماء البارزة في “الحركة الإسلامية الفلسطينية 1948”.كان الشيخ رائد صلاح، من الأعضاء الهامة في “الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني”، والتي تأسست على يد عبد الله نمر درويش (1948-2017)، بداية السبعينيات من القرن الماضي.
ركزت الحركة الإسلامية التي كان رائد أحد أعضائها، خلال عملها على جعل الفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة من قبل الاحتلال الإسرائيلي، يتحركون كالقلب الواحد قدر الإمكان، لا سيما في مجال المساعدة الاجتماعية والتضامن.
ترشح رائد صلاح لمنصب رئيس بلدية أم الفحم عام 1989، ونجح في تلك الانتخابات بنسبة تفوق 70% ليصبح رئيسًا للبلدية وهو في سنّ 31 عامًا، ثم خاض الانتخابات للمرة الثانية عام 1993، ونجح بنسبة تزيد عن 70% كذلك، وللمرة الثالثة عام 1997 وحصل على نسبة عالية أيضًا، وهو ما أثبت أحقيته بذلك وأظهر استحسان الفلسطينيين للحركة التي ينتمي إليها.
وفي عام 2001، قدم رائد صلاح استقالته من أجل التفرغ لرئاسة مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، وهي هيئة أهلية تهدف للحفاظ على المسجد الأقصى.
واتخذ الشيخ رائد صلاح هذا القرار بعد هذين الموقفين:
الموقف الأول في عام 1996، حين انقسمت “الحركة الإسلامية الفلسطينية 1948” إلى جناحين، “شمال” و “جنوب”، وذلك بعد قرار رئيسها الشيخ عبد الله نمر درويش، خوض انتخابات الكنيست الإسرائيلي، وهو ما رفضه رائد صلاح، وترأس على إثره ما عرف بـ”الحركة الإسلامية- الجناح الشمالي”.
وكان رائد صلاح وأصدقاؤه يرون بأنه لطالما لم تتغير سياسة الاحتلال الإسرائيلي، فإن العمل في البرلمان لن يفيد الفلسطينيين بأي شيء.
أما الموقف الثاني فكان في 28 سبتمبر / أيلول عام 2000، حين دخل رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي آنذاك “أرييل شارون” إلى المسجد الأقصى في حركة استفزازية، وهو ما دفع رائد صلاح إلى ترك منصبه والقتال والكفاح من الميدان.
واقتنع الشيخ رائد صلاح بعد هذا الحدث، الذي أدى إلى اندلاع الانتفاضة الثانية، بضرورة تضافر الجهود لتعبئة الرأي العام الفلسطيني.
وبعد ذلك، تعمدت دولة الكيان مضايقة الشيخ رائد بسبب مواقفه المشرفة والشجاعة، حيث قام الاحتلال الإسرائيلي بسجن صلاح مرات عديدة بتهمة “التحريض على العنف”، وذلك على الرغم من أنه لم يكن يجتمع بالناس ويخطب بهم إلا من خلال خطب الجمعة والدروس الدينية.
وفي نوفمبر/ تشرين الثاني عام 2015؛ حظرت حكومة الاحتلال الإسرائيلية الحركة الإسلامية، بدعوى “ممارستها لأنشطة تحريضية ضد إسرائيل”.
تتكون فلسطين اليوم من أربعة أجزاء: القدس والضفة الغربية وغزة والفلسطينيون الذين يعيشون في دولة الاحتلال.
وبينما تحاول إدارة الاحتلال الإسرائيلي الفصل بين الفلسطينيين الذي يعيشون في هذه الأجزاء الأربعة لجعلهم غير قادرين على التجمع في المستقبل، أصبح رائد صلاح قدوة للجميع ورمز الكفاح المشترك وهزم الجدران السميكة التي أنشأها الاحتلال، عن طريق الكلام والابتسام فقط، دون أن يمسك سلاحًا أو حجرًا واحدًا.
حتى بعض الإسرائيليين يعترفون بأن صلاح لا يستحق الاتهامات بـ “التحريض على العنف” بأي شكل من الأشكال.
إن القضية الفلسطينية، التي مضى عليها تقريبًا قرن من الزمان، ستدخل التاريخ بعدد الأساليب والطرق المختلفة التي تم تطويرها وتنفيذها ضد الاحتلال الإسرائيلي.
ويعتبر الخط الذي سار عليه رائد صلاح استثنائيًا ورائعًا لدرجة أنه يجب دراسته بشكل عميق وموسع للاستفادة منه قدر المستطاع.