“خطة الجنرالات”: استراتيجية الاحتلال في شمال غزة بين الواقع والمأزق
منذ إعلان جيش الاحتلال الإسرائيلي توغله في مخيم جباليا ومناطق شمال قطاع غزة، تتزايد التساؤلات حول تطبيق ما يُعرف بـ”خطة الجنرالات”، التي تستهدف ترحيل سكان شمال قطاع غزة وتحويله إلى منطقة عسكرية عازلة.
وفي هذا السياق، قال الخبير العسكري الأردني قاصد أحمد، إن ما يفعله جيش الاحتلال الإسرائيلي في شمال غزة هو “قصف عشوائي” وليس تنفيذًا لـ”خطة الجنرالات” كما تروج بعض التقارير الإعلامية. وأوضح أحمد، الفريق المتقاعد والنائب الأسبق لقائد الجيش الأردني، في تصريحاته لوكالة الأناضول، أن “الإبادة الإسرائيلية التي تجري في شمال غزة تهدف إلى تهجير الفلسطينيين إلى منطقة المواصي غير الآمنة في جنوب القطاع، وذلك في إطار مشروع صهيوني كبير”، حسب تعبيره.
وأضاف أحمد أن جيش الاحتلال يسعى إلى تقسيم قطاع غزة وتقطيعه بأسلوب يسهل عملياته العسكرية، وأن الهدف الحالي هو إخلاء شمال غزة بالكامل، أو إبقاء عدد قليل من السكان هناك. وأكد أن “الواقع الميداني يكشف عن فشل إسرائيل عسكريًا، وهو ما يظهر بوضوح من خلال تمسك سكان غزة بأرضهم ورفضهم المغادرة رغم العدوان المستمر”.
وأشار الفريق المتقاعد إلى أن إسرائيل تمارس ضغوطًا مزدوجة على المقاومة الفلسطينية وعلى المدنيين في محاولة لإقامة نظام حكم في غزة خالٍ من المقاومة، دون تحمل تبعات ذلك. وأكد أن هذا الهدف بعيد المنال لعدم وجود أطراف قادرة على القيام بهذا الدور نيابة عن إسرائيل.
وفي تحليله للمشهد، أكد العقيد الركن حاتم كريم الفلاحي، الخبير العسكري والاستراتيجي، أن “خطة الجنرالات” التي تستهدف السيطرة على شمال قطاع غزة وتهجير ما تبقى من سكانه، هي مجرد خطة على الورق، وأن تنفيذها يواجه العديد من العقبات. ووفقًا للفلاحي، فإن الخطة تشمل مرحلتين: الأولى تتمثل في فرض حصار وتجويع السكان المدنيين لتمكينهم من النزوح عبر ممر طريق الرشيد نحو المناطق الوسطى، مع وضع نقاط تفتيش لتفتيشهم. أما المرحلة الثانية، فتتضمن هجومًا عسكريًا واسع النطاق يستهدف المنطقة الشمالية للقضاء على نحو 5 آلاف مقاتل من حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، الذين يُقدّر أنهم ما زالوا موجودين في هذه المنطقة.
ومع ذلك، يرى الفلاحي أن جيش الاحتلال يواجه تحديات كبيرة، ويستبعد نجاحه في تنفيذ هذه الخطة. وأوضح أن شمال غزة شهد عمليات لعدة فرق إسرائيلية دون تحقيق النجاح المنشود في القضاء على المقاومة. ويضيف أن التحدي الأكبر أمام الجيش الإسرائيلي يكمن في عدم سيطرته الفعلية على القطاع، وأن الوحدات القتالية الموجودة تحتاج إلى تعزيزات كبيرة من خارج غزة.
على الجانب الآخر، يشير الصحفي أحمد الطناني إلى أن سكان شمال غزة لا يعيرون اهتمامًا كبيرًا لما يُكتب في مقالات النخب الإسرائيلية أو ما يُطرح من مقترحات الجنرالات الإسرائيليين. ويؤكد الطناني أن من تبقى من سكان شمال القطاع قد حسموا موقفهم مسبقًا، ورفضوا النزوح أو مغادرة منازلهم، رغم ما تعرضوا له من دمار وتجويع.
ويضيف الطناني: “سكان شمال غزة اختاروا بوضوح البقاء في أماكنهم، حتى لو كان الثمن هو الموت. وهذا يعني أن فكرة التهجير قد باتت خلف ظهورهم، وكذلك خلف الاحتلال الذي أصبح يدرك أن هؤلاء السكان لن يغادروا الشمال إلا جثامين”.
من الواضح أن محاولات الاحتلال لإخلاء شمال غزة تواجه رفضًا شعبيًا صلبًا، ما قد يدفع إسرائيل للبحث عن استراتيجيات بديلة لاستثمار هذا الوجود السكاني المحدود لتحقيق أهدافها السياسية والعسكرية.