سياسة التجويع ومخطط التهجير

نجلاء عادل – غزة
ها نحن نودّع شهر رمضان المبارك، شهر الخير والبركة والعطاء، شهر التراحم والمواساة والإنفاق، تودّعه غزة الجريحة المجوَّعة بقلبٍ يفيض قهرًا وحزنًا، بعد أن سُدّت في وجوه أهلها كل الأبواب، وأُغلقت جميع المعابر، عُنوة، في ثاني أيام الشهر الفضيل. وقد توقفت المساعدات ومنع إدخال المواد الغذائية، في وقتٍ كانت فيه موائد العالم العربي والإسلامي تزخر بما لذّ وطاب، بينما موائد الغزيين خاوية، لا يجدون ما يسدّ رمقهم بعد ساعات الصيام.
يأتي هذا ضمن مخططات تُحاك ضدّ سكان القطاع، من القريب والبعيد، تواطؤًا مع العدوّ النازي الذي اتّبع منذ السابع من أكتوبر سياسة التجويع، خصوصًا في شمال غزة، كوسيلة لإخضاع الناس بعد فشله عسكريًا.
هذا الاحتلال المجرم، الذي عجز عن تحقيق أهدافه بالقوة، لجأ إلى أساليب خبيثة لتضييق الخناق على المستضعفين، وحرمانهم من أبسط مقوّمات الحياة، في ظل صمت عربي ودولي، وتخاذل فاضح من المجتمع الدولي، الذي لم يُحرّك ساكنًا طيلة شهور من حرب الإبادة المستمرة.
ويزداد الحصار إحكامًا، وتُغلق المعابر بشكل كامل، ما فاقم من الوضع الإنساني في قطاع غزة، تلك البقعة الصغيرة التي بالكاد تُرى على الخريطة. وحتى اليوم، لم تصل من الحدود العربية المجاورة للقطاع جرعة ماء ولا كفّة طحين. لم تُسمع أصوات الجوعى، ولا أنين الأطفال الذين ينامون لياليهم على الطوى، بلا طعام ولا دواء.
تُرهق إسرائيل سكان غزة بسياسات لا إنسانية، وتُثقل كاهلهم بأعباء يعجز عن حملها الجبال، لكن الغزيين تحمّلوها. تارة تحت القصف، وتارة في النزوح، وتارةً في الجوع، وفي كل مرة بحرمانهم من أبسط حقوقهم، وسط تفاصيل أليمة لا تنتهي.
هذه السياسات الممنهجة والمخطط لها بسبق إصرار، تهدف إلى إنهاك سكان غزة، واستنزاف طاقاتهم، ودفعهم إلى فقدان الأمل بالحياة في هذا المكان، عبر سلسلة من الجرائم: القتل، التشريد، تدمير البنى التحتية، استهداف المربعات السكنية، المستشفيات، المرافق الصحية، والمعيشية، وفرض الشلل التام على الحياة اليومية.
يريد الاحتلال أن يُجبر أهل غزة على “الهجرة الطوعية”، وترك البلاد تحت وطأة الجوع واليأس، بعدما فشل في السيطرة العسكرية على القطاع، وفشلت معه خطة الجنرالات التي حاولت تهجير سكان شمال غزة قسرًا، وبالقوة.