بقلم: آلاء خضر
قبل عام كامل، اجتمع رجال من أشراف الأمة على طاولة واحدة، وضعوا الخطة وأعدوا العدة، وعلى صلاة الفجر كانت البدايات الجديدة تُكتب في قدر هذا العالم، في أكبر عملية عسكرية تخوضها المقاومة الفلسطينية ضد الاحتلال الصهيوني بعد 76 عاماً من القهر والذل.
نعم، إنه السابع من أكتوبر المجيد، النقطة السوداء في تاريخ الاحتلال، الذي ما فتئ يحاول طمسها عبر قتله 42 ألف شهيد حتى الآن، ولكن هيهات.
لقد كان طوفان الأقصى بمثابة المعركة الحقيقية الأولى للشعب الفلسطيني ضد الاحتلال، وذلك لسببين رئيسيين: الأول هو أننا اليوم نغزوهم ولا يغزونا. فقد دخل رجال المقاومة عليهم الباب، وحينما دخلوه كانوا هم الغالبين، فأوقعت في صفوفهم 1200 قتيل خلال يومين فقط وكبدتهم خسائر لم نكن نتوقعها حتى في أحلامنا.
أما عن السبب الثاني، فهو غياب التنسيق الأمني الذي اعتاد عليه العدو مع أنظمة الخيانة العربية قبل خوضه المجازر والحروب ضد الشعب الفلسطيني، كما كان الحال قبل وقوع النكبة عام 1948 حينما وضع الاحتلال خطته بحذافيرها بالتنسيق مع الخونة والجواسيس، وأيضاً كما حدث في نكسة عام 1967.
وفي هذا السياق، يروي الكاتب باروخ نادل، وهو الجاسوس الصهيوني الذي كان له دورٌ كبيرٌ في النكسة، في كتابه الشهير “تحطمت الطائرات عند الفجر”، ما حدث في ليلة الخامس من حزيران عام 1967 حين اقترح إقامة عشاء فاخر يتخلله المجون والخمر والنساء، دُعي له 400 طيار عسكري عربي، خاصة ممن يعملون في القوات الجوية، مستغلاً علاقاته السابقة مع الطيارين بعد انتحاله شخصية تاجر تركي. وعندما جاء الخامس من حزيران، تم احتلال غزة والضفة الغربية كقطعة سائغة وبكل سهولة.
أما عن السابع من أكتوبر، تلك المعركة الاستباقية التي كانت بمثابة الكابوس الأكبر للاحتلال، فقد واجه المحتل الصدمة بشن قصف همجي عشوائي بعيد عن أي تنسيق أمني مسبق، أدى منذ تلك العملية وحتى اليوم إلى إراقة دماء 42 ألف شهيد، منهم 16 ألف طفل و11 ألف امرأة.
إن هذه النسبة التي تعادل 70% من الشهداء من النساء والأطفال لا تدل إلا على فشل الاحتلال عسكرياً، حتى بات يحاول تلميع صورة جيشه من خلال هذه الوحشية التي لا تمت للإنسانية بصلة.
تعاني اليوم أكثر من 6000 امرأة غزية من السرطان دون دواء أو علاج، وهناك أكثر من 183 حالة ولادة يومياً دون أدنى رعاية. كما تعاني أكثر من 155 ألف امرأة حامل من المجاعة، وعدم توفر الرعاية الصحية والنفسية، عدا عن الأمراض الجلدية المنتشرة في ظل انعدام المياه النظيفة، والتي تُعد العلاج الوحيد لتلك الأمراض، حيث لا أدوية تصل القطاع ولا سبيل للمشافي أو المراكز الصحية التي أُغلق أو دُمّر معظمها.
أما عن طوابير الخبز ودورات المياه، فهي الألم الكبير لكل غزي يحاول العيش ما استطاع للحياة سبيلاً، ناهيك عن الرعب والفزع والخوف وحياة الخيام وانعدام الخصوصية.
لكنني أؤمن بشيء مؤكد، وهو أن من قام بالسابع من أكتوبر هم رجالٌ كانوا يوماً ما أطفالاً عاشوا الحروب المتكررة في غزة على مدار 17 عاماً من القهر والظلم، وها هم أطفال غزة اليوم، منهم اليتيم ومنهم الجائع ومنهم الخائف، لكن ماذا عن صورتهم بعد سنوات عديدة؟ ترى ماذا سيفعلون في هذا العالم؟!
رغم هذه المعاناة الكبيرة، إلا أننا نجد قناة “كان” التابعة للاحتلال الصهيوني وقد نشرت دراسة إسرائيلية تظهر أن ثلث الصهاينة يؤمنون أن المقاومة الفلسطينية هي من انتصرت، وأكثر من 86% من الشعب الصهيوني لا يريد الإقامة في مناطق غلاف غزة أو المناطق التي كانوا يسكنون بها، حتى بعد سيطرة الاحتلال على غزة.
وهذا يشير إلى وهن بيت العنكبوت الإسرائيلي وما يواجهه من تخبط داخلي على المستوى السياسي والاجتماعي، ناهيك عن هدف الاحتلال والصهاينة أمام العالم كله من مطامعهم في التوسع والهيمنة، فليس ما يجري في فلسطين إلا البداية للسيطرة على باقي البلدان العربية.
إلا أننا نشهد اليوم ارتفاع نسبة معاداة الصهيونية وإدراك حقيقة خطورة هذا الكيان الغاصب على السلم والأمن العالميين.
استمروا في المقاطعة والدعاء والعمل، وواصلوا نشر الكلمة والتوعية، والمشاركة في المظاهرات والمسيرات، ومواصلة الحراك الشعبي على جميع الأصعدة والحراك القانوني والسياسي والتخصصي. فإن تعبتم، فتذكروا أن هناك رجال وأطفال ونساء ما زالوا مرابطين منذ عام كامل، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، وما بدّلوا تبديلاً.
المصادر:
كتاب | تحطمت الطائرات عند الفجر
الإحصائيات والأرقام:
تقرير الأناضول | النساء والأطفال يدفعون الفاتورة المضاعفة للإبادة الجماعية بغزة
الدراسة الإسرائيلية:
عين الشرق الأوسط | أكثر من ثلث الإسرائيليين يعتقدون أن حماس فازت بالحرب