طوفان الكلمةعاممقالات
أحدث المنشورات

من نساء غزة: نداء إلى خطباء عرفة والعيد والجمعة

وردة محمود رضوان / غزة

تستمر حرب الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في قطاع غزة للعام الثاني على التوالي، وسط تصاعد متواصل في الضغط العسكري على من تبقّى من المدنيين في هذا القطاع الصامد. إنها حربٌ تجلّت في أبشع صورها: عدد الشهداء يقترب من ستين ألفًا، وعدد الجرحى يتجاوز المئة وعشرين ألفًا، منهم الآلاف من مبتوري الأطراف، وأكثر من خمسة عشر ألف مصاب بالعمى الكامل. أما العائلات التي استُؤصلت بأكملها من السجلات، فقد تجاوز عددها اثنتي عشرة ألف عائلة.

ورغم كل هذا، لم تتوقف الحروب، بل تنوّعت: من حرب القصف إلى النزوح القسري التعسفي، ثم حرب التجويع التي تفتك بالجميع، وخاصة بالأطفال الذين ارتقوا شهداء بعد أن حُرموا من فتات الطعام.

ويفرض الاحتلال علينا اليوم حربًا جديدة: مراكز المساعدات “اللاإنسانية”. في ساحات مكشوفة، يضع جنود الاحتلال صناديق المعونات على مشاطيح معدنية، ويفتحون الطريق للمدنيين للتزاحم عليها. ثم يختارون من يعتقلون، ومن يقتلون، ومن يتركونه ينزف. مشاهد مذلة، لا علاقة لها بالإنسانية، بل هي هندسة إذلال وعسكرة للمساعدات.

أمام هذا الجحيم اليومي الذي يراه العالم كل صباح، تبقى مقترحات التهدئة معلّقة، تدور بين البنود والتعديلات والضمانات. مجلس الأمن عجز عن إصدار قرار ملزم بوقف إطلاق النار. الجامعة العربية عاجزة عن إدخال المساعدات التي تعفّنت وهي تنتظر الدخول إلى غزة.

أنا، إحدى نساء غزة، أرسل اليوم رسالتي هذه، رسالة من قلب النار والرماد، إلى خطباء يوم عرفة، وخطباء عيد الأضحى المبارك، وخطباء الجمعة القادمة. رسالتي إليكم: عظّموا شعائر الله، واذكروا غزة في خطبكم، فقد بلغ التخاذل من الملوك والرؤساء ما لا يُطاق.

أخبروهم عن غزة، عن أهلها الذين يُحرقون وتتبخر جثامينهم في الهواء، عن الأطفال الذين يموتون جوعًا، عن من ينتظرون رشفة ماء نظيفة صالحة للشرب. أخبروهم أن القلوب بلغت الحناجر، وأننا نلجأ إلى الله في كل لحظة، نستغيث به، نرجو رحمته، ونسأله الشهادة، فهي النجاة الوحيدة من هذه المذبحة.

أخبروهم أن كسر الحدود هو الحل الأمثل لإنقاذ غزة ومن تبقّى من أهلها، فقد سقطت كل الحلول الدولية والعربية والإسلامية. لا تنتظروا قرارات الأمم المتحدة، ولا صحوة الجامعة العربية. الأمل الآن في صحوة الشعوب. أخبروهم أننا بحاجة إلى أحرار العالم، إلى من يدفعون بأيديهم الطعام والدواء إلى غزة، لا إلى من يكتفون بالبكاء أمام الشاشات.

وإن خطبتم يوم عرفة ويوم العيد ويوم الجمعة، ولم تذكروا غزة، وذبحتم ذبائحكم وطبختم لحومكم، ونحن هنا يُذبح أطفالنا، ويحترق نساؤنا، ونموت من الجوع والقهر، فلا بارك الله في خطبكم، ولا في أعيادكم.

اجعلوا يوم العيد يومًا من أيام الله، يومًا لنصرة غزة، يومًا لفتح قريب، لكسر الحصار، لإنهاء المجاعة.

هذه رسالتي إليكم أيها الخطباء، ونحن بانتظاركم إن كان في العمر بقية.وإن كنّا من الشهداء، فلن نسامح كل من تخاذل وتقاعس في حق أهل غزة.

رسالتي أيضًا إلى نساء غزة، الصابرات المرابطات:قال ﷺ: “ما يُصيب المسلم من نَصَب، ولا وَصَب، ولا هم، ولا حزن، ولا أذى، ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها إلا كفّر الله بها من خطاياه”.فكل دقيقة من كرب ونزوح وجوع وألم، هي تكفير وتطهير، هي أجر لا يُضيع.فاصبرن، وصابرن، واحتسبن، فإن الله لا يضيع أجر المحسنين.

ولا ننسى قوله تعالى:“وما كان اللهُ ليُضيع إيمانكم إن اللهَ بالناسِ لرؤوفٌ رحيم”.

اللهم إنا نبرأ إليك من أمةٍ خذلتنا، وطعنتنا في الظهر، وصمتت على دمائنا وهي تُسفك، ومالت إلى من قتلنا وجوّعنا.

اللهم إننا نشكو إليك ضعفنا، وهواننا على الناس، وتواطؤ القريب قبل البعيد.فكن لنا ولا تكن علينا، وانصرنا بما شئت وكيف شئت، إنك على كل شيء قدير.نحن على يقين أن بعد العُسر يُسر، وبعد القهر نصر.فوالله، بلادي وإن جارت عليّ عزيزة،ففلسطين وطننا، والقدس موعدنا ما حيينا.الله أكبر على كل من طغى بحق غزة وتجبر،الله أكبر على كل من تآمر على غزة لتُقهر،الله أكبر على كل من تخاذل بحق غزة ولم يتأثر.الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله.الله أكبر كبيرًا، والحمد لله كثيرًا، وسبحان الله بكرةً وأصيلًا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى