هل سينجح الاحتلال في تهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة؟

دينا أسعد – قطاع غزة

على مرأى من العالم أجمع، وفي ظل صمتٍ دوليٍّ متواطئ، تمضي قوات الاحتلال الإسرائيلي في تحويل قطاع غزة إلى أرضٍ غير صالحةٍ للحياة؛ حيث يُهجَّر السكان قسرًا، وتُغلق المعابر بالقوة، وتُقصف البيوت فوق رؤوس ساكنيها، وتُدمّر البنية التحتية ضمن سياسةٍ ممنهجة، رباعية الأركان: الحصار، التجويع، التدمير، والإبادة الجماعية. كل ذلك لدفع السكان نحو الهجرة القسرية، واقتلاعهم من أرضهم بقوة البارود والنار، في مسلسل متواصل من نكبة 1948 إلى نكبة الحاضر، التي تبدو أكثر عنفًا ودموية.

إن ما تمارسه “إسرائيل” اليوم في قطاع غزة من تطهير عرقي وتهجير قسري ممنهج، ليس إلا امتدادًا واضحًا لسياساتها الاستعمارية الاستيطانية منذ عقود، وسعيها المستمر للاستيلاء على أكبر قدرٍ ممكن من الأرض الفلسطينية وطرد سكانها الأصليين.

لقد استخدمت “إسرائيل” أساليب التطهير العرقي منذ نكبة عام 1948، عبر خطط مدروسة ومنظمة، وارتكبت في سبيل ذلك مجازر مروعة بحق المدن والقرى الفلسطينية، أبرزها مجزرة دير ياسين في 9 نيسان/أبريل 1948، ما أدى إلى تدمير غالبية القرى الفلسطينية وتهجير نحو 800 ألف فلسطيني. ثم جاءت نكسة 1967، لتُستكمل فيها موجة جديدة من التهجير القسري، طالت نحو 300 ألف فلسطيني من الضفة الغربية وقطاع غزة.

واليوم، لم تعد “إسرائيل” تُخفي نواياها، بل تُعلنها صراحةً على لسان قادتها السياسيين والعسكريين الذين يطالب بعضهم بـ”نكبة ثانية”، وتترجمها ميدانيًا باستخدام القوة النارية وارتكاب أفظع الجرائم بحق المدنيين، في حرب إبادة جماعية مستمرة منذ أكثر من عام ونصف.

وقد حذّرت المقرّرة الخاصة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة من أنّ ما يجري قد يُشكّل تكرارًا لنكبة 1948 ونكسة 1967، ولكن على نطاق أوسع، مؤكدةً أنّ “إسرائيل نفّذت فعليًا تطهيرًا عرقيًا جماعيًا للفلسطينيين بحجّة الحرب، وتسعى باسم الدفاع عن النفس إلى تبرير ما يرقى إلى مستوى جريمة تطهير عرقي.”

وفي السياق ذاته، برزت تصريحات الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، التي أظهر فيها دعمه لخطط تهجير أكثر من مليوني فلسطيني من قطاع غزة، واصفًا القطاع بـ”الصفقة العقارية”، في دليل واضح على الأجندة الدولية التي تساند هذا المشروع الاستعماري.

الخطير في الأمر أن “إسرائيل” تحاول خداع العالم، وتسوّق جرائمها تحت مسميات مُضللة كـ”الهجرة الطوعية”، بينما الحقيقة تُثبت أنها تُمارس التطهير العرقي بأبشع صوره: قصفٌ ممنهج لمناطق سكنية بأكملها، واستهداف المستشفيات والمدارس ومراكز الإيواء ودور العبادة، وتدمير شامل للبنية التحتية، وإجبار السكان على النزوح جنوبًا تحت النار وفي ظروف إنسانية كارثية.
وقد بلغت نسبة النازحين خلال الحرب الأخيرة في غزة نحو 90% من إجمالي سكان القطاع، فيما نزح العديد منهم أكثر من عشر مرات، بحسب تقارير الأمم المتحدة.

لكن، هل سينجح الاحتلال في تهجير الفلسطينيين قسرًا من قطاع غزة؟

الواقع يقول: ما فشل الاحتلال في تحقيقه منذ عام 1948، لن يحققه اليوم.
فقد بات أكثر عزلة، بينما أصبحت القضية الفلسطينية أكثر حضورًا عالميًا، وزادت قناعة الشعوب بعدالتها أمام بطش آلة الحرب الإسرائيلية.

صحيح أن الاحتلال هجّر مئات الآلاف من الفلسطينيين على مرّ العقود، إلا أنه لم يستطع اقتلاع الأغلبية، وظلّت جذورهم مغروسة في الأرض. أمّا من اضطروا للنزوح، فما زالوا يحلمون بالعودة إلى وطنهم مهما طال الزمن.

وفي غزة، رغم القصف والدمار والتجويع والحصار، يتمسك الفلسطينيون بأرضهم، ويرددون بثقة:
“لا بديل عن غزة إلا الجنة.”
لأنهم يدركون أن مغادرة الوطن بلا عودة… تعني نكبةً ثانية.

Exit mobile version