17 عامًا على اغتيال الشيخ أحمد ياسين

يوافق يوم الإثنين الذكرى السنوية الـ17 لاستشهاد مؤسس حركة المقاومة الإسلامية (حماس) الشيخ أحمد ياسين، إثر اغتياله من طائرات الاحتلال الإسرائيلي بعد خروجه من صلاة الفجر.

وكان ياسين يتمتع بمنزلة روحية وسياسية متميزة في صفوف المقاومة؛ وهو ما جعل منه واحدًا من أهم رموز العمل الوطني طوال القرن الماضي، كما يعد من أكثر القادة الذين أحبهم الشعب الفلسطيني واحترمهم زعماء في العالم.

نشأة وتأسيس

ولد الشيخ الشهيد ياسين عام 1938م في قرية الجورة قضاء المجدل المحتلة، ولجأ مع أسرته إلى قطاع غزة بعد حرب 1948م التي شنتها العصابات الصهيونية حيث طردت الفلسطينيين من أرضهم، وتعرَّض في شبابه لحادثٍ أثناء ممارسته الرياضة، نتج عنه شلل جميع أطرافه شللاً تامًّا.

عمل الشهيد ياسين مدرسًا للغة العربية والتربية الإسلامية، ثم خطيبًا ومدرسًا في مساجد غزة، وأصبح في ظل الاحتلال أشهر خطيبٍ عرفه القطاع؛ لقوة حجته وجسارته في الحق، كما اختير رئيسًا لـ”المجمع الإسلامي” في غزة، وكان له نشاط متميز في الدعوة إلى الله.

اعتقل عام 1983م بتهمة حيازة أسلحة وتشكيل تنظيمٍ عسكريٍّ، والتحريض على إزالة الكيان الإسرائيلي من الوجود، وعرض أمام محكمةٍ عسكريةٍ إسرائيلية أصدرت عليه حكمًا بالسجن لمدة 13 عامًا.

إلا أنه أُفرج عنه عام 1985م في إطار عملية تبادلٍ للأسرى بين سلطات الاحتلال والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين- القيادة العامة، بعد أن أمضى 11 شهرًا في السجن.

وأسَّس مع مجموعةٍ من الناشطين الإسلاميين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في غزة عام 1987م، وتعرَّض للتهديد بالإبعاد؛ وداهمت قوات الاحتلال منزله أواخر شهر أغسطس/ آب 1988م، وفتشته وهدَّدته بنفيه إلى لبنان.

وبعد أشهر، وتحديدًا في ليلة 18/5/1989م اعتقلته سلطات الاحتلال مع المئات من أبناء حركة حماس، في محاولةٍ لوقف المقاومة المسلَّحة التي أخذت آنذاك طابع الهجمات بالسلاح الأبيض على جنود الاحتلال ومستوطنيه واغتيال العملاء.

وأصدرت المحكمة العسكرية الإسرائيلية في 16/10/1991م عليه حكمًا بالسجن مدى الحياة مضافًا إليه 15 عامًا بعد أن وجَّهت إليه لائحة اتهام تتضمن 9 بنود؛ منها التحريض على اختطاف وقتل جنود إسرائيليين، وتأسيس حركة حماس وجهازيها العسكري كتائب الشهيد عز الدين القسام والأمني “مجد”.

وظل ياسين في السجون حتى أفرج عنه فجر الأربعاء 1/10/1997م بموجب اتفاقٍ جرى التوصل إليه بين الأردن والكيان الإسرائيلي للإفراج عن الشيخ مقابل تسليم عميلين إسرائيليين اعتقلا في الأردن عقب محاولة فاشلة لاغتيال رئيس المكتب السياسي السابق لحركة حماس خالد مشعل.

وعمل الشهيد ياسين فور الإفراج عنه على إعادة تنظيم صفوف حماس من جديد عقب تفكيك بنى الحركة من أجهزة الأمن الفلسطينية آنذاك، وشهدت علاقته بها فترات مد وجزر، حيث وصلت الأمور أحيانًا إلى فرض الإقامة الجبرية عليه وقطع الاتصالات عنه.

علاقات دولية

وفي شهر مايو/ أيار عام 1998 قام الشيخ ياسين بحملة علاقات عامة واسعة لحماس في الخارج، نجح خلالها بجمع مساعدات معنوية ومادية كبيرة للحركة، فأثار “إسرائيل” آنذاك، واتخذت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية سلسلة قرارات تجاه ما وصفته “بحملة التحريض ضد إسرائيل في الخارج”.

وقالت “إسرائيل” آنذاك إن الأموال التي جمعها ياسين ستخصص للإنفاق على نشاطات وعمليات الجناح العسكري لحماس وليس على نشاطات حماس الاجتماعية في الأراضي الفلسطينية في الضفة والقطاع، التي تشمل روضات للأطفال ومراكز طبية ومؤسسات إغاثة خيرية وأخرى تعليمية.

وسارعت إلى رفع شكوى إلى الولايات المتحدة للضغط على الدول العربية بالامتناع عن تقديم المساعدة للحركة، وطالبت بمنع الشيخ ياسين من العودة إلى قطاع غزة، ولكنه عاد بعد ذلك بترتيب مع السلطة الفلسطينية.

تعرّض لمحاولة اغتيال فاشلة في سبتمبر عام 2003، عندما كان بشقة بغزة برفقة مجموعة من قيادات حماس، واستهدف صاروخ أطلقته طائرات حربية إسرائيلية المبنى السكني الذي كان يتواجد فيه ما أدى إلى جرحه هو و15 من الفلسطينيين، إلا أن جروحه لم تكن خطيرة.

لحظات الشهادة

وصبيحة يوم الأحد، أي قبل أقل من 24 ساعة على اغتياله، التزم الشيخ المنزل، وظل في حالة صحية بالغة الصعوبة، ولم يستطع تناول الطعام رغم اضطراره لتناول بعض العقاقير المهدئة لنوبات ضيق التنفس التي لم تفارقه طوال الوقت.

ولاحظ مرافقو الشيخ طوال نهار يوم الأحد نشاطًا غير عادي لطائرات الاستطلاع الإسرائيلية فوق حي “الصبرة” الذي يقع في أقصى جنوبي المدينة أي على مقربة من مستوطنة “نيتساريم” التي كانت تشهد تحركات عسكرية مريبة.

وقرَّر مرافقوه عدم السماح للشيخ بالمبيت في المنزل، وبعد التشاور معه، تقرر نقله إلى مأوى آخر بعد أداء صلاة العشاء في مسجد “المجمع الإسلامي” الذي يبعد بضع مئات من الأمتار عن البيت.

وبالفعل نقل الشيخ إلى المسجد، وأدى صلاة العشاء، لكن المرافقين وأبناءه فوجئوا بعد ذلك بقراره البقاء في المسجد، ولم تفلح محاولات المرافقين والأبناء معه، وأكدوا أنه نوى هذه الليلة الاعتكاف، وأنه لن يغادره إلا بعد أن يؤدي صلاة الفجر.

لم يجد المرافقون بدا سوى الاستجابة لرغبته فيما عاد أبناؤه إلى منزل العائلة، بينما ظل المرافقون يحيطون به، ورغم معاناته الشديدة من ضيق النفس، ظل يتهجد ويسبح طوال الليل.

وأكد بعض من كان مع الشيخ أن تحسنًا مفاجئًا طرأ على وضع الشيخ الصحي قبل حلول موعد أذان الفجر، وأخذ يتبادل أطراف الحديث مع مرافقيه ومع أوائل المصلين الذين بدأوا في الوصول إلى المسجد لأداء الصلاة ليفاجئوا بوجوده قبلهم.

وأجل المؤذن إقامة الصلاة، بعد أن لاحظ انخراط الشيخ في حديث مع بعض المصلين وطفل لم يتجاوز التاسعة من عمره حضر للصلاة، وبعد الصلاة انطلق به المرافقون إلى البيت، بينما كان ولداه وجيران أدوا معه الصلاة يمشون بجواره.

وقبيل لحظات من إطلاق الصاروخ القاتل، بعد فجر 22 مارس/ آذار 2004، التفت أحد المرافقين إلى أحد جيران الشيخ ليسأله بعض الشيء، وما أن استدار ثانية تجاهه حتى كان صاروخ “الهيل فاير” الأول يخترق بطن الشيخ؛ مما أدى لاستشهاده على الفور.

وقوبل استشهاد الشيخ ياسين باستنكار رسمي وشعبي واسع حول العالم، وخرجت تظاهرات عديدة في مدن عربية وعالمية غضبًا من الجريمة الإسرائيلية.

وشهدت جنازة الشيخ مشاركة عشرات الآلاف من المواطنين الغاضبين، الذين نددوا بالجريمة الإسرائيلية بحق الشيخ القعيد، وطالبوا برد قاسٍ عليها.

واختارت حماس عقب استشهاد الشيخ ياسين عبد العزيز الرنتيسي ليقود مسيرتها، غير أن هذه الولاية لم يمض عليها أكثر من 25 يومًا حتى عاجلت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرئيل شارون إلى اغتيال الرنتيسي.

وخاضت الحركة عقب اغتيال زعيميها الكبيرين الانتخابات التشريعية الفلسطينية الثانية، والأولى بعد الانسحاب الإسرائيلي من غزة في سبتمبر 2005، وفازت فيها بالأغلبية الساحقة، وشكلت معها الحكومة العاشرة برئاسة إسماعيل هنية.

وتلا ذلك صد ثلاثة حروب إسرائيلية على القطاع بين عام 2009-2014، استشهد فيها عديد المقاومين والمدنيين، وقدم الجناح العسكري لحماس خلالها عمليات نوعية رغم الحصار.

Exit mobile version