مقالات

لماذا “حماس” مفيدة للسعودية؟

أحمد الحيلة

أطل رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في الخارج السيد خالد مشعل عبر شاشة العربية المحسوبة على المملكة العربية السعودية، ما أثار نقاشاً وتساؤلات عن مستقبل العلاقة المتوترة بين “حماس” والسعودية التي رعت بدورها اتفاق مكة (2007) للمصالحة الوطنية بين حركتي “فتح” و”حماس”، والذي بسبب تعطله أو فشل تنفيذه بدأت العلاقة في التراجع، إلى أن قامت السعودية باعتقال العشرات من الفلسطينيين على ذمة دعم الحركة أو صلتهم بها، وفي مقدمتهم الدكتور محمد الخضري، ممثل الحركة في السعودية لفترة طويلة، والذي أشرف بدوره على تعزيز العلاقات السياسية غير المعلنة بين الطرفين على أعلى المستويات.

على الرغم من تضرر الحركة سياسياً ومادياً من قبل الرياض التي كان لها تاريخ طويل في دعم الفلسطينيين، إلا أن الحركة تصر على وصف التوتر معها بالمؤقت والعابر، مظنة الأمل في عودة العلاقات إلى سابق عهدها، ولإيمان قيادات “حماس” بأن ما جرى لا يعبّر بالضرورة عن حقيقة وأصالة موقف السعودية التي تعرّضت لضغوط كبيرة في السنوات الأخيرة من قبل الرئيس ترامب وصهره كوشنير لقطع العلاقة معها، تمهيداً لتمرير صفقة القرن التي أفشلها الفلسطينيون بقيادة حركتي “فتح” و”حماس” على حد سواء، ما أزعج البيت الأبيض في حينه، وأثار غضب كوشنير صهر الرئيس الذي كان يضغط أيضاً لزلق الرياض إلى مربع التطبيع مع الاحتلال، كما جرى مع كل من أبو ظبي والمنامة. ولكن موقف القيادة السعودية كان حذراً لما للتطبيع والاقتراب من الاحتلال من أثمانٍ باهظة لا تنسجم مع تاريخ السعودية الداعم لفلسطين، بل ويتعارض مع دورها العروبي والإسلامي في عموم المنطقة.

الآن ومع إطلالة السيد خالد مشعل ولغته المتوازنة والدبلوماسية الموجهة للمملكة العربية السعودية عبر أهم المنابر الإعلامية التابعة لها، يسود الظن بأن هناك أجواء تصالحية في المستقبل على قاعدة تغير المعطيات بتراجع المعوقات وازدياد مساحة المصالح المشتركة؛ لأسباب أهمها:


أولاً: تخفّف السعودية من الضغوط الأمريكية الكبيرة والرعناء بقيادة الرئيس ترامب وصهره كوشنير الذي كان يحظى بعلاقات متميزة مع الرياض. هذا ناهيك عن تراجع العلاقات السعودية الإماراتية في الآونة الأخيرة بسبب تعارض المواقف والمصالح نسبياً في اليمن، وخروج الإمارات عن الإجماع داخل مجموعة أوبك بلس للنفط بما يتعارض مع مصالح السعودية. وإذا أخذنا بعين الاعتبار موقف الإمارات السلبي والمحرّض على الحركات الإسلامية عموماً، فإن تراجع مكانتها داخل الرياض قد يعزز فرص حضور حركة “حماس”، خاصة بعد تقدم المصالحة القطرية السعودية.

ثانياً: تعاني السعودية من تراجع في الصورة ومن تراجع دورها الأبوي التصالحي المعهود في المنطقة عبر شراكتها واستنزافها في العديد من الملفات، بدءاً من اليمن ومروراً بسوريا ولبنان والعراق، والتي تشهد بمجملها تدخلات دولية معقّدة لا تقع في كثير من الأحيان في صالح الرياض.

وإذا كانت فلسطين أحد أهم الروافع في الإقليم، فمن الطبيعي أن تفكر الرياض في حضورها في هذا الملف التاريخي الأبرز، والذي يحظى فاعلوه ببطاقة خضراء للعبور إلى أهم ملاعب الكبار، كما حصل عقب معركة سيف القدس التي استدعت تدخلاً أمريكياً رئاسياً مباشراً، هذا ناهيك عن اكتساب الداعمين لفلسطين شرعية عربية وتأييداً جماهيرياً واسعاً ما يعدّ فرصة مؤاتية للسعودية لإعادة تموضعها وتعزيز دورها في الإقليم، وهذا ما استفادت منه مصر في الآونة الأخيرة رغم أزماتها الكبيرة داخلياً وفي ليبيا وفي ملف سد النهضة، وفي ملف الغاز شرق المتوسّط.


ثالثاً: حركة “حماس” بعد معركة سيف القدس أضحت أهم معالم الخارطة السياسية في فلسطين، ومن مقتضيات العلاقة مع فلسطين العلاقة مع حركة “حماس”، خاصة إذا أخذنا بعين الاعتبار فشل مسار التسوية السياسية، وسلبية دور السلطة الفلسطينية وقيادة فريق أوسلو أثناء وبعد معركة سيف القدس، وتراجع دورها الوطني بإلغائها الانتخابات التشريعية، وانتهاكها للحريات العامة بقتل الناشط نزار بنات والاعتداء على عشرات الصحفيين والمواطنين الفلسطينيين، ناهيك عن اتهامها بالفساد والتواطؤ مع الاحتلال ومستوطنيه في عموم الضفة الغربية.

كل ذلك يجعل من التقارب مجدداً مع حركة “حماس” مصلحة للرياض؛ كما هو مصلحة لحماس التي أكّدت حرصها على علاقات متوازنة مع الجميع، وبأن علاقتها مع إيران لن تكون على حساب علاقاتها مع الدول العربية والمملكة العربية السعودية. وهذا سياق سياسي يفسح المجال للجميع لإعادة رسم علاقاته وفقاً لمصالحه عبر القضية الفلسطينية، دون الإضرار بها أو بمصالح الشعب الفلسطيني الحريص على علاقات مفتوحة ودافئة مع الجميع، بعيداً عن التدخل في أزمات

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى